بداية.. لا بد ان نعترف بأن الفنانين الشباب قادمون.. فالعدد الهائل الذي اشترك في صالون الشباب الخامس عشر المقام في قصر الفنون بالجيزة بالقاهرة، يؤكد ما ذكرته في البداية، ونحن لا ننحاز إلى الكم.. أي عدد الفنانين المشتركين فقط.. وانما تتأكد مقولتي من خلال الكيف الذي شوهد مؤخراً في صالونهم. جاء الصالون هذا العام تحت عنوان (الحضور الانساني).. وان كان هذا العنوان لا يمثل للمعروضات سوى مؤشر عام.. فالشباب بحماسهم وتدفق مشاعرهم ومواهبهم، اخذوا من هاتين الكلمتين المعنى الكبير وراحوا يعبرون عن اشجانهم وانفعالاتهم في هذا الاطار الواسع الجميل. هناك حدثان هامان لهذا الصالون الاول: تكريم الفنانة الكبيرة جاذبية سري كرئيس شرف الصالون.. والهدف من هذا التكريم تكريس المثل الاعلى للفنانين المتميزين امام جموع شباب الفنانين، الأمر الذي يدعوهم للاستفادة من تجربة الكبار.. والبحث في تقنياتهم واساليبهم لتنعكس على اعمالهم عند البحث والتقصي في التجارب الجديدة. ثاني هذه الاحداث هو إقامة الورشة الفنية المصاحبة للصالون والتي اقامها الفنانان: سيليكا ماروسي مواليد بوتسيجيا - كرواتيا وتعيش وتعمل في ميونخ - برلين، واندرياس هليليخ مواليد شاف هوزن ويعيش ويعمل في ميونخ وبرلين. تكونت لجنة الفرز والتحكيم من د. احمد نوار الرئيس العام لصالون الشباب الخامس عشر ورئيس قطاع الفنون التشكيلية ود. جمال لمعي قومسيير عام الصالون ود. فاروق وهبة رئيس اللجنة وكل من النقاد والأساتذة فاطمة اسماعيل وأحمد رفعت وجيهان سليمان ومحمد خاطر وخالد سرور وأحمد رجب صقر ومحمد السيد العلاوي وصالح عبد المعطي وصلاح بيصار وسمير سعد الدين اعضاء.. ومجدي سعيد فرحات قومسيير مساعد وامين اللجنة وشعبان محمود سكرتير اللجنة. وقد توصلت اللجنة إلى قبول اعمال 267 فنانا باعمال تصل الى 364 عملا بالاضافة إلى 22 فناناً من عشرة دول عربية قدموا 38 عملاً فنياً. وبنظرة عامة للصالون لاول وهلة يتضح نضج التجربة عند الشباب وجدية الاشتراك فيه، فالاعمال إلى حد كبير تصل فيها القيمة الفنية إلى درجة متميزة وفكر ثاقب.. وتجربة مثيرة للدهشة.. ففي التصوير نجد عدة توجهات متباينة بين التعبير والتجريد العضوي والهندسي.. والسيريالية.. انما الفرق بين كل صالون والذي يليه نجد تقدماً ملحوظاً في التكوين والتقنية والمعالجة.. والاستفادة من تجارب الغير.. ويبدو ان الحضور الانساني وهو عنوان الصالون كان له اولوية في التعبير بخامات التصوير المختلفة.. فلا تخلو لوحة من وجود الانسان سواء كان هذا الإنسان هامشياً او اساسياً في العمل الفني.. لذا فقد اضافت روح الانسان حضوراً حقيقياً في الاعمال المعروضة. كما نلاحظ كثرة عدد الفنانات المشاركات في الصالون وبخاصة في فرع التصوير مما يؤكد قيمة الصالون واهميته وجديته في حركة الشارع التشيكلي المصري. اما النحت فقد قدم الفنانون فيه خامات متعددة منها المعدن والخشب والسلك والطين والرخام.. وخامات اخرى متعددة.. ففي مواجهة مدخل الصالون عرضت اعمال "اسعد سعيد فرحات" استخدم فيها شرائح المعدن العريضة والرقيقة بجانب الهيكل المعدني المستند رأسياً على الارض الذي شكله الفنان من مواسير المربعة، كما عرض شعبان محمد عباس قطعتين من الخزف واحدة على الارض والاخرى فوقها تنزل منها حبال توحي للمشاهد بأنها متماسكة من خلال تلك الحبال.. وقدمت شيماء سيد محمد تشكيلات خطية من الاسلاك الرفيعة في شكل نساء او رجال داخل اطار حديدي مستطيل الشكل.. واذا كانت هناك اعمال اخرى نحتية مقدمة في هذا الصالون، وذات قيمة فنية جيدة.. الا ان المستوى العام للنحت هذا العام ليس في قوة التصوير.. وهذا عكس ما تم العام الماضي. وقدم محمد عطية عبد الجميل في الجرافيك اعمالاً تعتمد على تمكنه من التقنية الطباعية على الزنك، فقام بعمل تشكيلات من عناصر ومفردات يمكن للمتلقي ان يشعر معها بالالفة والتجانس.. كما عرض محمود حسين كامل اعماله وهو حاصل على بكالوريوس فنون جميلة عام 1998 جامعة الاسكندرية وهي تتسم بالرمزية والتعبيرية، مستخدماً الجرافيك بالحفر على سطح النحاس المعالج بالاحماض.. ويتنوع فنانو الرسم بين الاعمال المرسومة بالابيض والاسود او بالألوان وسواء كانت تلك الاعمال مرسومة من الموديل مباشرة او من فكرة الفنان فهي في مجموعها تدل على التوجه الإنساني ودوره الجبار في تسيير الحياة.. فالانسان هو محور الاعمال فقدم احمد حسن محمود أعماله بالقلم الرصاص عبر فيها عن تجمعات الناس في شكل تكتل بشري يعتمد في المقام الاول على الفاتح والداكن والفرق بينهما.. وعلى العكس منه احمد محمد صبري الذي تعامل مع الانسان بشكل غير مباشر، فلم يصور الانسان في حد ذاته، انما رسم داخل الاسكتش الكاريكاتيري ما يستخدمه الانسان في حياته اليومية مدمجاً اياها في شكل نهائي للعمل كما اعتمد ايضاً على الخط واللون والواحد المضاف (البني) والتحديد بالاطر الداكنة للعمل. وتعبر اسماء ابو بكر النواوي عن الانثى فصورتها كنوع من الدراسة الفنية بالقلم الرصاص، والتأكيد على مناطق الظل والضوء.. واتجهت داليا سالم احمد إلى رسم اماكننا القديمة بالازقة والحواري الضيقة، اما سلوى حمدي فعبرت في لوحتها المنفذة بالحبر الصيني عن الام التي تحنو على ابنها.. وقدمت لنا فاطمة عبد الرحمن ابراهيم بكالوريوس فنون جميلة 1995 بالرسم بالقلم الرصاص مؤكدة على الضوء الساقط على مجموعة من القطع التي قد تكون حجارة او قماش او اكياس مملوءة. اما الخزف فقد قدم لنا الشرنوبي محمد اعماله المحروقة المشكلة لاحد البوابات القديمة احداها اكبر من الاخرى بها نتوءات بارزة وقد صبغت عند الحرق باللون الاحمر والازرق، مما اكسبها عمقاً وثراء للمشاهدة. وتجيء اعمال سمير محمد لبيب وشيماء ممدوح هاشم باستخدام الاسطوانات الخزفية وتشكيلها تبعاً لتعبير كل منهما. وفي التصوير الضوئي كان احمد محمد كامل الذي عرض 3 لقطات متتالية لشابين امام سيارة في شكل متقطع او ما يشبه كادرات السينما، كما قدم لنا اسامة اسماعيل داود صورة الملابس ورشا عبد الحليم عبد الباقي صورة الصلاة ومحمد خالد محمد صورة لحامل صواني الخبز حيث التقط الصورة اثناء الخروج فأحدث بها خطوطاً مبهمة مهزوزة متعمدة. وقد استخدم الشباب الفنانون المشاركون في "الميديا" وسائط عديدة للتعبير عن رؤاهم وافكارهم، فمنهم من استخدم عدسات تصوير لاستطالة الوجه او الجسم مثلاً، ومنهم من ادخل الرسم مع التصوير والبعض استخدم عروضاً سينمائية. وكان ابرز فناني التجهيز في الفراغ "اسماء رشاد محمد "الطالبة بكلية الفنون بالاسكندرية والتي اقامت عملها المستخدم فيه مادة الحديد مع المواسير في صدر الصالون، كما قدم الثنائي الدائم احمد عبد الكريم واسلام محمد مشروعهما في حجرة الانتريه المقلوبة. وعن البيرفورمانس اشترك العديد من الشباب منهم سماء ابراهيم علي وكمال ربيع ومحمد ابراهيم عبد العزيز ومحمد حسن عمر محمد. ولا شك ان مساهمة الفنانين العرب في الصالون لها اهميتها وتواجدها القوي والذي يزداد دورة بعد اخرى.. فقد اشترك هذا العام فنانون من البحرين والسعودية والسودان والعراق والاردن والكويت وسلطنة عمان وسوريا وفلسطين ولبنان. من اعمال التشكيل المصري احمد صبري