في ملون السعودية السادس نبحث عن كوامن الجمال ونتثاقف مع الحس الابداعي.. نخترق اجواء المحيط لمرسى ابداعات فناني خليجنا المحبوب، نبحث عن العالمية لتحقيق هدفنا المنشود وهو اثراء ساحة الفن، نحرص على رضاكم فقمنا بتوسيع نطاق جوائز هذا العام، يحدونا امل كبير في الاسهام بشكل فاعل في سمو الفن بمطبوعاتنا.. جاء ملون السعودية في دورته السادسة، وفي محطة جديدة هي مملكة البحرين، وفي واحد من اهم معالمها الحاضرة (متحف البحرين الوطني) لتأكيد خط جديد ينطلق في هذه الدورة من جدة والى بعض من دول العالم العربي حيث (لبنان) بعد البحرين، وربما دول اخرى. جاء الافتتاح في اليوم الثاني من سبتمر الجاري كبيرا برعاية وزير الاعلام البحريني، وحضور كبير من مسئولي الاعلام والثقافة في البحرين وعدد من المسئولين في الخطوط الجوية العربية السعودية الذين حضروا من جدة والخبر، وغيرهما. كان من بين الحضور عدد من الدبلوماسيين العرب وقليل من الفنانين التشكيلين هم اثنان من المشاركين في المعرض هما فنان البحرين محمود الملا وعباس الموسوي اللذان حضرا بعد انتهاء مراسم الافتتاح وفنانون اخرون علي المحميد وعمر الراشد وبلقيس فخرو ومحمد صالح خميس المقهوي المشرف الفني في الوزارة، كما حضر الفنان د. احمد باقر احد محكمي المسابقة، اما من المملكة فلم يحضر سوى تركي الدوسري، وقام بعض المسئولين في الخطوط السعودية بشرح الاعمال بجانب احمد باقر في بعض أركان المعرض. لاشك ان خطوة التحرك بمعرض - كهذا - هامة في ايصال هذا الفعل الثقافي الهام الذي تشهده المملكة كل عامين وتضع له الخطوط السعودية امكانات كبيرة وضخمة من المسئولين والمال والوقت والجهد، وارى انها خطوات جد موفقة من مؤسسة عملاقة الخطوط السعودية نحو احد اوجه الثقافة الانسانية، ويعزز ذلك التعميم الذي جعل لكل المبدعين في المملكة الحق في المشاركة، وتقديم نتاجهم الفني، وها هي المسابقة تتحرك نحو الخليج العربي وتنفتح في المستقبل على الوطن العربي لتشكل تحولا جديدا في حركة التشكيل السعودية نحو الارض ليضع مبدعوها بصماتهم في هذا العطاء السعودي المعاصر. هذا الاحتفاء بمسابقة ملون السعودية وهذا الفرح بامتدادها نحو العالم العربي بعد ست دورات لا يلغي ابداء بعض الملاحظات الهامة حيال الاعمال ولجنة تحكيمها خاصة في هذه الدورة، على ان التحكيم - غالبا - ما يجد بعضا من الاختلاف الا انه هذه الدورة اكثر عمقا واشد اختلافا خاصة اذا علمنا ان السعودية - كما بدا لي - حرصت على ان يحمل محكمو مسابقتها السادسة شهادة دكتوراة، وهم فيصل سلطان (لبنان) احمد باقر (البحرين) فؤاد مغربل (السعودية)، عوض اليامي (السعودية) احمد السطوحي (مصر). مثلت اعمال المعرض، وهي اعمال منتقاة او مختاره من بين مئات الاعمال الفنية المقدمة للمسابقة من معظم المدن السعودية، وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي مثلت عدة اجيال من فناني المملكة، وبعض فناني الدول الاخرى وبدت امام كل عمل في المعرض خبرات الفنان وامكاناته، وكذا مقدار تأثره باعمال زملائه، او اعمال شاهدها عن قرب اوعن طريق المطبوعات الفنية، والواقع انني وربما غيري لا نعرف ما هي قواعد التقيم وتحكيم الاعمال الفنية، والضوابط التي وضعتها اللجنة اساسا لانطلاق تحكيمها للاعمال التي تجاوزت الثلاثمائة عمل فني، وكما فصل الاصدار الخاص بالمسابقة ان المتقدمين بلغوا 340 فنانا وفنانه منهم 251 سعوديا، 20 فنانا وفنان من دول مجلس التعاون الخليجي ويمثلون الكويتوالبحرين وسلطنة عمان، اما الفنانين المقيمن في المملكة فبلغوا 69. وبلغ اجمالي الاعمال المقدمة 601 عملا فنيا فالمطالعة الاولى للاعمال المعروضة، والتي تم ترتيبها او معظمها حسب الجوائز تبدى شيئا من التفاوت سواء في الممارسة او الخبرة او التأثر، تتصل لوحة عبدالله حماس الفائز بالجائزة الاولى بتجاربه المتعددة التي نوع فيها بين المعالجات الحرة وتوظيف المفردة الشعبية او الكتابة العربية، او غيرها لكنه في عمله (تكوين) كان اكثر عقلانية وحسابا في وضع فكرة لوحته التي استغل لها الخيش لتبتين تفريغاته، ثم يضع ملفوفته بذات الخامة دون تلوين في جزء استطالي افقي في الجزء الاسفل من العمل، المعالجة الفنية وتوظيف او استغلال امكانات الخامة هنا جديدة على مستوى تجربة حماس وهو ما اضاف لمعتطيات اعماله الاسبق التي قامت على تنوع المعالجة او الصياغة بالمقابل نجد عبدالله الشلتي يواصل نفس الصيغة والمعالجة وحتى الموضوع نفسه (الطواف) الذي رسمه في اعمال اخرى بذات الروح الشفافة والتقنية الخشنة التي بدت فيها عناصر او تكوين لوحته البسيط. جاء عرض بعض الاعمال غير متناسب مع معطيات اللوحة (المساحة، العلاقات بين القطع) وهو ما جاءت عليه اعمال مهدي الجريسبي البسيطة في معالجاتها او افكارها فالصورة الضوئية تظهر العمل اكثر قربا وتأثيرا من طريقة عرضه في القاعة، ومع هذا فان بحث (مهدي) في مثل تلك (خامة) يطرح محاولات هذا الفنان التجريبية التي وصل بها الى اكتشاف معالم فنه في خامات او ادوات اخرى سبق ان قدمها في بعض العروض الفردية السابقة، اشكالية طريقة لاعرض تنطبق ايضا على ثلاثية زمان محمد جاسم التي احتاجت الى شكل اخر وضوء اكثر تركيزا على القطع الثلاث بطل ما تحمله من اشارات او لمسات لونية، او تضاريس تنشأ عليها فكرة العمل المجرد، ومع عمل محمد الغامدي (تكوين) نجد قدرامن اشكالية التحكيم التي قدمت بعض الاعمال الاقل فنية واكثر تأثرا بنتاجات محلية معروفة على هذا العمل المموسق بخامات استطاع الفنان تأليفها وفق تأطيراته او تحديداته المربعة، وادماج هذه التقطيعات في توليفة لونية متجانسة لا تخرج عن اطار المجموعة اللونية الواحدة، على عكس عمل (آثار قديمة) لعبدالرحمن المغربي الذي ذكرني باكثر من فنان او معالجة فنية، الامر ذاته ينطبق على عمل (تراث) لعبدالرحمن الغامدي، على انه حاول توظيف خامات بينها الصور الفولكورية، الا ان العمل اقرب الى الابهار - تهربا او اخفاء لبعض الاشكالات الفنية الظاهرة في معالجاته بعض التقطيعات او المربعات التي ابدت شيئا من المدرسية، هذا ايضا يمكن تطبيقه على افتعالات مجسم نحتى لنبيل بخدي. انبهرت لجنة التحكيم على ما يبدو بمسائل التركيب او اللوحة المتكونة من مجموعة قطع ولنلاحظ اعمال محمد الشهري عبدالرحمن الغامدي وعبدالرحمن وعبدالرحمن المغربي وموسى عمر واحمد ماطر ورسالت تركستاني ووهيب زقزوق وهاجر الهوسة، وربما اخرون، وسيبقين ان هذه المجموعة من الاعمال تراوحت بين المدرسية وبين القدرة الفنية والخبرة، ولعل اعمال احمد ماطر وموسى عمر كانت الاكثر قدرة في التعامل وبجرأة مع المساحة، وكذا بناء العلاقة سواء ما بين المساحات او الخامات التي يقدم احمد ماطر من خلالها توليفا مستحسنا بين نيحاتيف الصورة (الاشعة) وبين العمودين القائمين الذين يؤطران قطعة الثلاث من الجانبين، ومع بعض المبالغة الفطرية في استغلال النيجاتيف لكنه قدم عمله على نحن مثير ومختلف، وارى ان عرض العمل لم يكن بالشكل الملائم، فقد تم اسنادة مباشرة على الحائط، وكان اول الاعمال التي بدئ بها اثناء الافتتاح. تلتقي علا حجازي وفاطمة الشريف وعبده ياسين في الاتجاه نحو التعامل مع العلاقة المساحية مع كثير من الاختلاف في معطيات كل خامة، ففاطمة الشريف تمثل بالقطع الفضية المزحزفة وكانها تبعثها متراصة في قطعة واحدة، بينما علا حجازي في (المجموعة الحمراء) كانت اكثر نقائية وحرارة وحتى شاعرية في بناء علاقات الاحمر مع مجموعة لونيه اخرى من الازرق النيلي والاخضر مستعيرة بعض الاشارات الرمزية او الشعبية في محاولة تعبيرية تبعث فينا او توصل الينا مقدار الحرص او الجهد الذي بذلته الفنانة من اجل تقديم عملها او نفسها على هذا النحو الطموح. يلفت النظر عمل محمد العبلان بجرأة الفنان التعامل مع اللون وفق حساسية خاصة، قد تقترب في نتيجتها مع بعض المحاولات الفنية التعبيرية لكن العبلان يؤكد لونه وعلاقات مساحاته الفاتحه بالداكنه، الفراغ بالعناصر غير المحدودة ووجدت ان اكثر من فنان توقف امام لوحة محمد العبلان بإشادة بمستوى تقنيتها ومع هذا فان العمل جاء في ذيل قائمة الفائزين بالمشاركة فقط. بدت اعمال بعض الفنانين المشاركين على نحو من التأثر بشكل واضح ببعض زملائهم او ابناء جلدتهم ولعل ابرز من تركوا اثرهم في اعمال زملائهم راشد دياب، سيف الدين لعوته (السودان) زمان محمد جاسم، عبدالله حماس، عبدالله ادريس واخرون (السعودية) هذا خلاف فنانين اخرين من بعض البلدان العربية. لفت نظري اعمال عادل ثروت وسوبر مانيان جوبال واحمد عبدالكريم وعباس الموسوي لكن بالمقابل وجدت اعمالا لم تخرج من اطار التعليم المدرسي او التجريبات الاولية على بعض الخامات او الصيغ والمعالجات لكن اعمال صديق واصل وفايع الالمعي وسمير الدهام وحمزة عثمان وعبدالفتاح الجميل وفهد خليف وهاجر الهوسة كانت هي الاخرى اعمالا يمكن ان يتبوأ بعضها مراكز اكثر تقدما، ومع كل ما يمكن ان يحيط مثل هذه المسابقات من اشكالات فنية تبقى مسابقة ملون السعودية خطوة هامة في دعم وتشجيع الحركة التشكيلية السعودية وخلق نوع من الاحتكاك وبفناني العالم المقيمين في المملكة، او من خلال فتحها الباب لمشاركة عربية اوسع يمكن انه تتحول في النهاية الى شكل من العروض العربية الخاصة، والهامة، والتي عجزت الكثير من المؤسسات الثقافية العربية تبنيها فالكويت التي بدأت اواخر الستينات بتنظيم معرض الكويت للفنانين التشكيليين العرب اوقفته عام بدورة عام 1989 وبينالي الشارقة الذي بدأ عربيا في اول دوراته انتهت دورته الاخيرة بتغييب عربي ملحوظ، لتبقى مسابقة ملون السعودية (مشروعا، أملا) في ان تكون الوجه التشكيلي العربي الدائم، والمتواصل مع طموحات ابناء الامة منا المبدعين التشكيليين واعتقد انها بهذا الاندفاع والطموح والامكانات قادرة على تحقيق ذلك وجعله واقعا ممكنا. عمل فهد خليف