تحولت مشرحة بغداد الى عنوان الزامي يمر به العراقيون الباحثون عن اقرباء لهم فقدوا او انقطعت اخبارهم وباتت المصدر الوحيد الموثوق به في الاحصائيات الخاصة بعدد قتلى الانفجارات والعمليات التي تلت سقوط نظام صدام حسين. طالب عيسى الذي كان ينتظر انتهاء تشريح ابن عمه وهو سائق سيارة اجرة ليعود بجثته الى حيث تدفن قال لقد قتلوه برصاصة في مؤخرة الراس. حوله مجموعة من النسوة يبكين ورجال متجهمون ينتظرون في باحة المشرحة داخل احد المجمعات الطبية. بالقرب من النسوة شرطي يحاول شق طريق له بين الجموع يتبعه رجل يحمل جثة طفل لفت بغطاء، فيما تعبر الشارع بين وقت وآخر عربات تحمل نعوشا ربطت على اسطحها او تطل خارج صناديقها المفتوحة. وتعبق الجو رائحة المشارح المميزة بينما يشاهد رجال يرتدون بزاتهم ذات اللون الاخضر وهم يقومون بعملهم اليومي في نقل الجثث الى النعوش او منها. ويقول رئيس معهد الطب الشرعي في بغداد فائق امين بكر ان المعهد كان يقوم سنويا بتشريح 3500 جثة تثير الشبهات مشيرا الى ان عشرة في المئة فقط من الجثث كانت تحمل اثار الرصاص. اما الان فان المعهد كما يضيف استقبل في شهريوليو الماضي وحده 780 جثة بينها 460 مصابة بالرصاص اي اكثر مما كنا نستقبله في عام ونصف العام في الاحوال العادية. مشيرا الى ارقام مماثلة تقريبا لشهر اغسطس. ويتابع: يبدو من المستحيل حاليا ان نعطي ارقاما دقيقة عن الاشخاص الذين يقضون بسبب اعمال العنف لان المشرحة لا تستقبل كل القتلى. ولا تتوفر اي احصاءات يمكن الركون اليها بالنسبة للجرائم لا من الشرطة العراقية ولا من قوات الاحتلال نفسها التى تؤكد رغم ذلك ان الجريمة في تراجع. وتعزو قوات الاحتلال الجريمة الى عشرات الالاف من سجناء الحق العام الذين اطلق سراحهم في عفو عام اصدره الرئيس المخلوع في اكتوبر الماضي كما تعزو الامر ايضا الى البعثيين الذين فقدوا ما كانوا يتمتعون به من امتيازات. لكن التحالف الاميركي البريطاني يتحدث عن احراز بعض تقدم مشيرا الى ظهور العديد من عناصر الشرطة العراقية مجددا في الشوارع بثيابهم الرسمية البيضاء والزرقاء ينظمون السير ويقيمون الحواجز. وهناك حاليا قرابة 35 الف شرطي في العراق وتريد قوة الاحتلال رفع العدد الى 75 الفا قبل مرور سنتين. وتعمل الشرطة العراقية على ملاحقة رجال العصابات وتشن عمليات كبيرة لمصادرة الاسلحة. الا ان الشرطة العراقية الجديدة تحتاج الى كل شيء تقريبا من السلاح والبزات الرسمية الى التدريب والمقار فيما العديد من السكان مسلحون بشكل جيد. واليوم وبعد اربعة اشهر على انتهاء العمليات القتالية الاساسية لا يشعر البغداديون بانهم اكثر امنا ويسارعون بالعودة الى منازلهم قبل حظر التجول الذي يبدأ في الحادية عشرة مساء (السابعة مساء ت غ). علي حسين العظيم سائق تاكسي يقول: ربما كان صدام ديكتاتورا لكنه كان يعرف كيف يواجه الجريمة موضحا انه كان يعمل من دون اي خوف حتى الثانية او الثالثة فجرا في ظل النظام السابق. وهذا يعني ان المشرحة قد تبقى ولفترة طويلة المقياس الافضل لمستوى العنف في العاصمة. هذه المشرحة يعود اليها بانتظام ولاسباب اخرى شخصية احمد رحيم 17 عاما فهو يبحث عن شقيقه الاكبر الذي اختفى منذ ابريل الماضي. ويقول احمد وفي يده صورة لاخيه: آتي الى هنا مرتين في الاسبوع لارى ما اذا كان اخي بين من نقلوا الى المشرحة ويضيف انه امر مؤلم فعلا ان يضطر الانسان لتصفح وجوه كل هؤلاء الموتى في كل مرة.