حول الاستشراق واللغة العربية عقدت جمعية اللغة العربية ندوة تحدث فيها د. البدراوي زهران استاذ الدراسات اللغوية بالجامعات المصرية , فأكد ان البداية الحقيقية للاستشراق هي بداية الصراع بين العالمين الإسلامي والمسيحي في بدء انتشار الإسلام , وذلك لأن رجال اللاهوت النصراني التفتوا الى الإسلام بعد انتشاره السريع في المشرق والمغرب , وبدأ اهتمامهم بالإسلام ودراسته , لا من أجل اعتناقه وانما من اجل حماية اخوانهم النصارى منه , كما نمى ذلك الصراع الذي دار بين العالمين الإسلامي والنصراني في الاندلس وصقلية , ودفعت الى ذلك الحروب الصليبية التي تعد المذكى الحقيقي للاستشراق , بما ترتب عليها من نتائج وما حمله الغربيون اثناءها وفي اعقابها من مخطوطات تحوي علوما مهمة , وبدءا من عام 1130 ميلادية كان علماء النصارى في أوروبا يعملون جاهدين على ترجمة الكتب العربية في الفلسفة والعلوم , وكان لرئيس اساقفة طليطلة اتجاهان مختلفان , اتجاه لاهوتي متطرف في جدله ينظر الى الإسلام من خلال ضباب من الخرافات والاساطير الشعبية التي يحارب من خلالها انتشار الإسلام , واتجاه موضوعي ينظر الى الإسلام من خلال الدراسة والعلوم , غير أن الثقافة الإسلامية , اخذت طريقها الى بعض الشخصيات الأوروبية المستنيرة , مثل فردريك الثاني حاكم صقلية الذي اصبح امبراطور المانيا عام 1215 م, وكان يعرف العربية ويتشبه بالعرب في اللبس والعادات ويتحمس للفلسفة والعلوم العربية , وقد اهدى وابنه الى جامعات بولونيا ترجمات عن العربية , وفي عام 1224 اسس الامبراطور جامعة نابولي وجعل منها اكاديمية لادخال العلوم العربية الى العالم الغربي , وقد طرد البابا جريجوري التاسع هذا الامبراطور من الكنيسة عام 1239 م لما يبديه من ود تجاه الاسلام , لكن القرنين التاسع عشر والعشرين هما عصر الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية , فقد انشأت الحكومة الثورية في باريس عام 1795 مدرسة اللغات الشرقية الحية , وبدأت حركة الاستشراق في فرنسا تأخذ الطابع العملي على يد سلفستر دي ساسي (ت 1838 م) الذي جعل باريس مركزا للدراسات العربية , وامه التلاميذ من جميع أوروبا , اما في القرن الثامن عشر فقد انفصل الاستشراق عن اللاهوت في فرنسا وانجلترا فقط. وقد اهتم الاستشراق في النصف الأول من القرن التاسع عشر في مختلف بلدان أوربا وامريكا بانشاء جمعيات لمتابعة الدراسات الاستشراقية , وفي القرت التاسع عشر كانت بدايات المؤتمرات الدولية للمستشرقين , وقد اهتم الغرب بدراسة حياة آسيا وافريقيا وادبها الشعبي واساطيرها وخرافاتها وامثالها , وذلك تحت تسميات مختلفة تحمل عناوين جديدة متنوعة ومسميات بعناوين فنون توحي بانها شيء جديد , والواقع ان مبعث ذلك عندهم هو الرغبة في فهم الفكر المكون للشخصية الاسيوية والافريقية ومعرفة مكونات فكر الشخصية وتقاليدها , ليصل من خلال ذلك الى الاحاسيس العميقة التي يريد من خلالها أن يحقق اهدافه. واشار د. البدراوي الى وجود استشراق منصف وآخر له اهداف مشبوهة , لذلك فإن واجبنا حيال الاستشراق المشبوه اعادة بناء الشخصية المسلمة عن طريق الارتباط بالتراث الاسلامي وبعث العادات والتقاليد والاخلاق الاسلامية , واعادة مفاهيم التاريخ على اسسه السليمة الدقيقة , والتأكيد على غرس العقيدة الإسلامية والاخلاص في تدريسها حتى تصبح منطلقة من اللاشعور فتقوى على المهاجمة ومواجهة ما صنعه الاستعمار في الشعوب الشرقية في فترات الاستعمار ,حيث انه لم يمكن من قيام قاعدة فكرية قوية لها استراتيجية وتخطيط مستقبلي مما اثر تأثيرا سيئا على تربية الوجدان الاسلامي العميق وساعد على ما نراه اليوم بين شبابنا من خلق جيل قلق الروح متناقض الوجدان والفكر مرتاب في الحاضر شاك خائف من المستقبل بعيد الجذور عن الماضي يعيش التناقضات بين ما يسمعه عن قيم خلقية وما يراه من واقع مؤلم. وطالب د. البدراوي باعداد دراسات دقيقة في مواجهة ما صنعه المستشرقون من دراسات متأنية وفحص عميق في مكونات العقل الشرقي من افكاره ومعقتداته وعقائده ودياناته وعاداته وتقاليده واساطيره ولغاته ولهجاته وطوائفه وحضارية بهدف الاستفادة مما صنعوه , فنطور به حاضرنا ونصنع به مستقبلنا , مع التركيز على القيم الإسلامية والعادات الحضارية والاخلاق والتقاليد التي زرعها الاسلام بين معتنقيه من بناء وجداني ونفسي متوائم يربطنا بأصولنا ويعيد لنا تواؤم شخصيتنا ونفسيتنا ووجداننا من خلال الايمان الذي زرعه فينا الاسلام , وإذا كان الغرب يعيش على تحقيق اهدافه باعداد علمي منسق وتطور حضاري يصنع كل يوم خطوة نحو التقدم , ويقوم على ادارة محكمة وتقنية متطورة في العمل والسلوك , فعلينا ان نستفيد من منهجم , في ذلك وان نستفيد من التراث الإسلامي , ومن دراسة حاضر عالمنا الشرقي بما فيه من متناقضات في الفكر والتقدم العلمي , وان نضع الخطط ونحدد الهدف والقصد مع ضرورة الاستفادة من القوة البشرية والطاقات الفكرية والعقلية وعلينا ان نتخطى التخلف الحضاري مع الاستفادة بكل الوسائل من رجال التعليم في كل المراحل ومن الدعاة وعلماء الدين والاعلاميين والمفكرين , فإن ضيق ثقافة واحد من هؤلاء وعدم معرفته بتراثه وجهله بجذور حضارته والقيم والتقاليد والاخلاق التي غرسها الاسلام هو الذي اوصلنا الى ما نحن فيه , ومن منطلق المخالفة نحقق ما نريد عن طريق التأهيل الثقافي المدروس وتحميله أمانة الرسالة , أي احساسه بان له رسالة يعرف اهميتها وكيفية ادائها. وطالب د. البدراوي بعمل موسوعة للرد على المستشرقين وانشاء مؤسسة اسلامية عالمية علمية مثل مؤسسة الاستشراق , وانشاء دار نشر اسلامية عالمية واجراء حوارات مع المستشرقين المعتدلين , ونشر كل ما يحقق الاهداف التي نسعى لتحقيقها.