تعلق المكاتب الحكومية في منطقة كردستان العراقية على جدرانها صورة لاثنين من الرؤساء أحدهما الرئيس الكردي مسعود البرزاني والاخر منافسه الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي تحول إلى حليف له ويرقد حاليا في مستشفى في ألمانيا بعد اصابته بجلطة دماغية. ويقول أطباء الطالباني البالغ من العمر 79 عاما إن صحته تتحسن لكن الكثيرين بدأوا يتحدثون بالفعل عن السياسي المخضرم بصيغة الماضي. ويقر حتى أشد المنتقدين للطالباني بأنه شخص لا يمكن تعويضه كرئيس للعراق وزعيم لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يحكم نصف منطقة كردستان التي تتمتع بحكم شبه مستقل في شمال العراق. ومن دون سلطة الطالباني التي لا خلاف عليها وفي ظل عدم وجود تسلسل واضح للخلافة فإن الشكوك تحيط بمستقبل الاتحاد الوطني الكردستاني مع تنافس اكثر من ستة من الورثة المحتملين له على النفوذ. ويمثل هذا الغموض مصدر قلق للبرزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم النصف الاخر من المنطقة الكردية في وقت يشهد فيه التوازن الطائفي الهش في العراق حالة من التوتر بسبب الحرب الأهلية في سوريا المجاورة. وقال مصدر قريب من صناع القرار في الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني "انصار البرزاني يشعرون بقلق حقيقي من غياب الطالباني". وأضاف "قلقون من ان يتخذ خليفة له غير معروف نهجا مختلفا في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية وهو ما قد يقوض حالة الاستقرار والوضع القائم". وأدى التعاون بين الاتحاد الوطني الكردستاني إلى تحول منطقة كردستان العراق من منطقة جبلية منعزلة إلى منطقة مزدهرة تخترق فيها شركات النفط الدولية المتنافسة على استغلال الاراضي ومشاريع البناء افق العاصمة اربيل. وساهم التفاهم بين الحكومة الاقليمية المنقسمة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في حدوث الازدهار السريع الذي شهدته منطقة كردستان. واعتاد الحزبان ان يحكما ادارتين منفصلتين وخاضا حربا اهلية عنيفة ضد بعضهما بعضا في منتصف التسعينات. وشكل اتفاق تقاسم السلطة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني جبهة موحدة ترعى مصالحهما في بغداد حيث وقفت الحكومات المركزية المتعاقبة حائلا امام طموحات الأكراد في الحصول على حكم ذاتي واستغلت كل فصيل ضد الاخر. وقال عدنان مفتي العضو الكبير بالاتحاد الوطني الكردستاني انه ما لم يكن هناك تعاون كامل بين الحزبين فلا يمكن الوقوف امام بغداد. وأضاف أن العاصفة قادمة من سوريا ولهذا فإن على الأكراد الوقوف صفا واحدا. وتخفي القشرة الخارجية للحكومة الاقليمية الكردية المشتركة صراعا ما زال يحتدم بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني فكل حزب له مجال نفوذه الواضح بالمنطقة. ويتركز معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني حول اربيل والشمال الغربي المتاخم لحدود سوريا وتركيا في حين ترفرف راية الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية العاصمة غير الرسمية له وعلى المناطق الكردية الجنوبية على امتداد الحدود مع إيران. ولا يتمتع اي حزب بالشعبية في معقل الاخر ويعتمد كل منهما على الاخر في الحفاظ على قبضته على المنطقة. وفقد الاتحاد الوطني الكردستاني بالفعل بعض نفوذه لمصلحة حزب التغيير المعارض (جوران) الذي انفصل عن الطالباني في عام 2009 وجذب عددا كبير من الاتباع من خلال تنديده بالفساد والحكم السلطوي. وقال محمد توفيق مدير العلاقات العامة بحزب التغيير في مقر الحزب الجبلي انهم لا ينتمون للحكومة الاقليمية الكردية ويمثلون الحزب الاقوى فيما يسمى بالمنطقة السياسية للاتحاد الوطني الكردستاني. وفي عام 2011 كان حزب التغيير في مقدمة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في السليمانية والتي قتل خلالها عشرة أشخاص. وبعد أن اصبح الطالباني الان خارج الصورة يتوقع محللون ديبلوماسيون حدوث المزيد من الانشقاقات في صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني الضعيف والمنقسم وانضمام المنشقين إلى حزب التغيير الذي تحدى بالفعل البرزاني بمطالبته بانتخاب الرئيس عن طريق البرلمان بدلا من التصويت الشعبي. وقال مصدر كبير بالحزب الديمقراطي الكردستاني طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموقف "ستقع بعض الاضطرابات العام المقبل". ومنذ مرض الطالباني جدد الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني التزامهما بالاتفاق الاستراتيجي بينهما لكن محللين وديبلوماسيين يقولون ان الاتفاق قد يحتاج في نهاية المطاف الى اعادة هيكله وان اي تغيير في التوازن قد يصيب البرزاني بالقلق. وقال رمزي مارديني في معهد العراق للدراسات الاستراتيجية في بيروت ان وصفة البرزاني للحكم هي ان يظل الحزب الديمقراطي الكردستاني اقوى من اي كيان سياسي اخر والمعارضة غير قادرة على تعزيز قوتها المحتملة. وأضاف ان التحالف بين الحزبين ووجود الطالباني المنافس اللدود للبرزاني في بغداد يرضي استراجيته حيث ابرم تعاقدات تجارية مع الأتراك وعزز سلطته في اربيل. وباعتباره رئيسا للعراق أجرى الطالباني اتصالاته المكثفة لتخفيف، إن لم يكن حل، الخلافات بين الفصائل المختلفة بما فيها الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة والطائفة الكردية اللتين دخلتا في خلافات حول الأرض والحقوق النفطية. وتتصاعد التوترات الطائفية والعرقية منذ انسحاب القوات الأميركية قبل أكثر من عام. وكتب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في رسالة إلى الطالباني متمنيا له الشفاء العاجل "العراق يحتاجك إلى عودتك لعملك". وأضاف "إنك عراقي وطني عظيم وصديق حقيقي لأميركا". ويتمتع الطالباني بعلاقات طيبة أيضا مع إيران مما يعطيه بعض التأثير على بغداد التي تخضع لنفوذ طهران. وأرسل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى رجل الدولة المريض باقة من الزهور وتوجه فريق طبي إيراني ليقف بجانبه في بغداد قبل سفره إلى الخارج في كانون الأول/ ديسمبر. وتكشف برقية ديبلوماسية أميركية، يرجع تاريخها إلى عام 2008 ونشرها موقع ويكيليكس في وقت لاحق، قلقا من جانب البرزاني بشأن كيفية التعامل مع بغداد وطهران في عهد ما بعد الطالباني. وقالت البرقية "عبر رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البرزاني عن قلقه الشديد من ألا يكون هناك أحد يمكنه التعامل مع المالكي والإيرانيين في غياب العم جلال(الطالباني)". وأقام البرزاني علاقات وثيقة مع تركيا ذات الأغلبية السنية والمنافسة الإقليميةلإيران الشيعية. وكثيرا ما لجأت الجماعات الكردية المتناحرة إلى جيرانها الأكثر نفوذا في الماضي للاستقواء بها على بعضها البعض ومن ثم استخدمت كقطع يتم تحريكها في ألعاب جيوسياسية كبرى. وعقب ادخال الطالباني للمستشفى ارسل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وفودا الى كل من طهران وانقرة. وقال مارديني "قد تعمل ايران لجعل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد الطالباني اقرب الى جوران ليوازن بشكل افضل نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني والنفوذ التركي". وبثت الانتفاضات عبر العالم العربي حياة جديدة في تنافس اقليمي قديم بين ايران وتركيا يلهب التوترات الطائفية في العراق وباقي الشرق الاوسط. وقال مصدر في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بشرط عدم نشر اسمه "يدعم الايرانيون التعاون بين الاكراد والشيعة في حين تدعم تركيا السياسيين العرب السنة وتأمل ان ترى الاكراد يدعمونهم." واضاف "انه امر صعب".