مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح من هذه المحاور انطلقت رحلة وطننا الغالي نحو المستقبل المُشرِق، لتبقى الإرادة السياسية والرؤية الواضحة هما حجر الأساس في تحويل الأحلام والخطط والرؤى الإستراتيجية المدروسة إلى واقع نعيشه اليوم. هكذا كانت رؤية السعودية 2030 ومازالت، منذ أن أطلقها سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، كفكرة ورؤية استثنائية استوعبت معاني التغيير الإستراتيجي لتحرير الاقتصاد من أسر النفط، وبناء مجتمع نابض بالحيوية، واقتصاد متنوع ومستدام. اليوم، ونحن نعايش الإنجاز واقعًا ينبئ عن مجهود متواصل وعمل دؤوب بدأ قبل نحو 9 أعوام، يمكننا القول بثقة إن المملكة تجاوزت مرحلة الوعود إلى مرحلة التمكين والتحقيق، إذ لم تعد رؤية 2030 طموحًا نظريًا، بل غدت واقعًا ملموسًا يتجسد في شتى جوانب الحياة، ويظهر أثره في الاقتصاد والمجتمع والثقافة والبيئة. أبرز ملامح هذا التحول تتمثل في الحراك الاقتصادي الهائل الذي شهده القطاع غير النفطي. فقد استطاعت المملكة أن تبني قاعدة اقتصادية أكثر تنوعًا، مما عزز من قدرتها على مقاومة التقلبات العالمية وأتاح آفاقًا رحبة للاستثمار المحلي والدولي. تحوُّل واضح يعكسه نمو دور القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في قيادة عجلة التنمية بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على عوائد الطاقة. ولم يكن الإصلاح الاقتصادي معزولاً عن حياة المواطن اليومية، فقد أسهمت الرؤية في خلق بيئة اجتماعية أكثر حيوية، عبر توفير فرص عمل جديدة، وتمكين فئات المجتمع المختلفة، ولا سيما المرأة، التي بات حضورها فاعلاً في ميادين العمل المختلفة، هذه النقلة الاجتماعية لم تحدث تدريجيًا فحسب، بل جاءت مدفوعة بإصلاحات نوعية شجاعة أعادت صياغة دور المواطن في مسيرة التنمية. في السياحة، فتحت المملكة أبوابها للعالم بصورة غير مسبوقة، كان الطموح أن تُصبح السعودية وجهة عالمية، واليوم نرى مشروعات عملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر والعلا تضع المملكة على خارطة السياحة العالمية، وتقدم نموذجًا متفردًا يجمع بين الأصالة والابتكار. لم تعد السياحة حكرًا على المواسم الدينية، بل أصبحت صناعة قائمة بذاتها، ترفد الاقتصاد وتُثري كذلك الثقافة الوطنية. أما في مجال جودة الحياة، فقد انعكست جهود الرؤية على تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية، مما رفع من متوسط العمر المتوقع للمواطن، وزاد من نسبة تملك السكن، وعزز من مؤشرات الرعاية الصحية، لم تعد هذه الخدمات مقتصرة على تلبية الحاجات الأساسية، بل أصبحت جزءًا من مشروع متكامل لرفع جودة حياة المواطن ليعيش وفق أرقى المعايير العالمية. ولم تغفل المملكة عن مسؤولياتها تجاه البيئة، فقد كانت حماية الكوكب جزءًا أصيلًا من الرؤية، جاءت المبادرات الخضراء الكبرى لتثبت أن التنمية الاقتصادية يمكن أن تسير جنبًا إلى جنب مع الاستدامة البيئية، عبر مشروعات التشجير، والطاقة النظيفة، والمحميات الطبيعية. على الصعيد الاستثماري، رسّخت المملكة مكانتها كمركز مالي واستثماري عالمي، مدفوعة بتوسع هائل في أنشطة صندوق الاستثمارات العامة، هذا التحول لم يقتصر على جذب الاستثمارات فقط، بل أعاد صياغة معادلات القوة الاقتصادية في المنطقة والعالم، واضعًا المملكة كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل الأسواق العالمية. في المجمل، تُظهر قراءة منجزات رؤية 2030 أن المملكة لا تتحرك فقط لتحقيق أهداف مرحلية، بل تبني نموذجًا تنمويًا خاصًا بها، يجمع بين الأصالة والتحديث، وبين الجذور والطموحات العالمية، إنها رحلة وطن اختار أن يصنع مستقبله بيديه، وأن يُجسد رؤيته في كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية. نقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة؛ مرحلة الانتقال من الإنجاز إلى التميز، ومن تحقيق الأهداف إلى ابتكار مزيد من الفرص، لم تعد الرؤية مجرد غاية، بل أصبحت ثقافة وحياة، منهج عمل، ومصدر إلهام للأجيال القادمة. إن الرؤى العظيمة لا تتحقق بالأحلام وحدها، بل بالتخطيط العميق، والإرادة الصلبة، والعمل المتواصل، كما أن الأوطان العظيمة لا تنتظر المستقبل، بل تصنعه بجهد أبنائها ورؤية قيادتها، وهذا ما أطلقته مملكتنا، وعملت على تحقيقه بثبات وخطى تمضي نحو تحقيق أهدافها بعزم الرجال وقوة المعرفة.