تتسارع الأحداث في العراق بشكل مضطرد ناحية الفوضى، خصوصا بعد التفجير الانتحاري الأخير لمبنى الأممالمتحدة، والذي راح ضحيته عدد كبير من القتلى والجرحى، وعلى رأسهم دي ميلو، مفوض الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، والممثل الشخصي للسيد كوفي أنان. تفجير مبنى الأممالمتحدة، وما سبقه من تفجير لأنبوب نفطي في كركوك، وآخر ينقل المياه العذبة في بغداد، كلها عمليات أتت في إطار ما يسمى ب"المقاومة العراقية"، التي لا تعدو كونها عمليات تخريب منظمة، تقوم بها جماعات لا تريد للوضع أن يستقر، ذاهبة بالتصعيد لمداه الأخير. إن دعاوى محاربة الأمريكان، وشعارات طرد المحتل الإنجلوسكسوني، وتحرير العراق من "الغزاة"، لم تعد تملك مصداقيتها، بل تكّشف حقيقة كونها ستارا من أجل الحصول على شرعية وطنية ودينية وأخلاقية وشعبية، تعطي هذه المقاومة المزعومة شيئا من المصداقية والدعم، لكن العمليات الثلاث الحمقاء الأخيرة، كانت كافية لإزالة هذا القناع الكاذب. إن من يهمه طرد المحتل وتحرير الشعب العراقي، وبناء دولته الحديثة، لا يعمد لتخريب مرفقات عامة ومصالح حيوية تصب في خدمة الشعب، وتعزز من مقدراته. فإذا كانت المقاومة صادقة، فلماذا تستهدف هذه المصالح الحيوية، وما هو شأنها وشأن الأممالمتحدة، التي رفضت الغزو الأمريكي البريطاني للعراق ولم تؤيده، بل لم توفر غطاءً قانونيا له منذ بداياته. حالة الفوضى التي تمارسها فلول النظام البائد، وفلول الإسلامويين المتشددين الذين وجدوا في العراق "أفغانستان" جديدة، هي حال غير سوية، تقود العراق للدمار، فالمقاومة ليست هدفا في حد ذاتها، إنما الهدف هو طرد المحتل بأي وسيلة كانت، وبالطرق التي تحقق هذه المهمة بحكمة وموضوعية وعقلانية تامة، آخذة بعين الاعتبار المصلحة الوطنية الكبرى. لذا فإن ما تلقاه من تعاطف عربي، أو إسلامي، وما يطلق عليها من أوصاف نضالية وجهادية، هي عمليات تضليل وتعطيل وتعمية يمارسها الإعلام، وبعض الأحزاب والشخصيات العربية، وقطاع من الجمهور العربي المتحمس، الذي تأخذه اللحظة الحماسوية والعداء لأمريكا. إن العراق لن يخرج من أزمته طالما ظلت الفوضى تمارس باسم المقاومة، وطالما أطلق على فلول المخربين نعوت الجهاد والنضال وبشروا بالجنة والدار الآخرة، وإن موقف الجامعة العربية الرافض لمجلس الحكم الإنتقالي العراقي، وغير المعترف به، سيزيد المسألة تعقيدا، وما يمارسه بعض العروبويين والإسلامويين من مزاودة على العراقيين باسم العروبة والإسلام لن يحرر العراق ولن يخرجه من عنق الزجاجة، وما لم تكن للعقل فسحته، وللمقاومة المدنية فسحتها، وللعراقيين خيارهم المستقل، دون ذلك كله فلن تقوم للعراق قائمة، ولن تقف هذه الفوضى عند حدوده، بل ستمتد متجاوزة إياه لمناطق عربية أخرى.