اكد الاحتلال الامريكي للعراق ان الادارة الامريكية سواء كان يرأسها صقر ام حمامة تستطيع ان تعلن الحرب على من تريد اذا رأت الحرب الوسيلة المثلى لتحقيق مصالح وفوائد لها معلنة او غير معلنة. لكن ما لاتستطيع ان تفعله هو ان تضع بمفردها النهاية لاية حرب تضرمها وتعلن نهاية العمليات العسكرية كما فعل الرئيس بوش قبل ثلاثة اشهر. الحرب, اية حرب وفي اي زمان ومكان لا تنتهي بمجرد ان يضع المتحاربون اسلحتهم. قد تضع الحرب اوزارها, ولكنها لاتنتهي بل تبقى مضطرمة حارقة مدمرة حتى بعد عودة المحاربين الى بيوتهم. تبقى الحرب في ذاكرة المتحاربين الذين اكتووا بأوارها وخلدت ذكراها ندوبا على اجساد الناجين من الموت وتشوهات واعضاء مبتورة في ضحاياها, تبقى الحرب في ذاكرة المدن والقرى وكل الامكنة التي عاثت بها تدميرا وتخريبا, وتبقى في الذاكرة التاريخية شاهدا على فشل البشر في التفاهم وتعامل بعضهم بأساليب سلمية. الحرب لا تنتهي بعودة المحاربين فلها آثارها النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تستمر في القاء ظلالها على الناس وتمارس تأثيرها في تشكيل علاقاتهم ببعض ورؤيتهم لانفسهم ولواقعهم, حاضرهم ومستقبلهم. انتهت حرب فيتنام لكنها لاتزال حاضرة في الذاكرة الامريكية حضورا كابوسيا يجعل كل جندي امريكي تزج به حكومته في حرب جديدة يتمنى ان لاتكون مثل فيتنام, وقد تجسد وعي الادارة الامريكية بهذه الحقيقة والاثار النفسية السلبية المحتملة لها في محاولة الوعد بان تكون الحرب على العراق قصيرة. واعلان بوش الحرب كان موجها الى الجندي الامريكي والرأي العام الامريكي, اضافة الى تعبيره عن الثقة المفرطة في النفس التي من نتائجها العمى عن الكثير من الحقائق. والحرب لاتنتهي باعلان خاصة عندما تؤدي الى احتلال وطن الخصم, فالاحتلال بداية حرب جديدة لايستطيع الطرف المنتصر ان يضع نهاية لها حتى لو اصدر الف اعلان ودبج الف بيان. حرب كهذه لاتنتهي الابخروج المحتل من البلاد التي احتلها حتى ولو توافرت معطيات تحرض على اطالة امد بقائه فيها مثل ترحيب فئة من الناس في الوطن المحتل بوجود الغزاة في وطنهم. الاحتلال تعد واعتداء على ارض الآخر وعلى وجوده. وهذا ما تأكد فيما يتعلق في الحال العراقية عندما رفع ذلك الجندي الامريكي علم بلاده على مبنى ميناء أم قصر العراقية. في تلك اللحظة التي دب فيها الابتهاج في نفسه تخدر الانا الاعلى عنده ليطفو الى السطح ما كان مطمورا في اللاوعي وهو حقيقة ان الحرب على العراق حرب احتلال وليست حرب تحرير كما تروج لها الاداة الدعائية الامريكية لتخلق لدى الجندي بشكل خاص وعيا جديدا بها وأهدافها يحل محل الوعي السابق الذي أزاحه وأحاله الوعي الجديد الى اللاوعي. ولان ما يحدث في العراق احتلال، فمن الغباء او الثقة المفرطة ان يعلن بوش نهايتها، الحرب سوف تستمر طالما بقي المحتل الامريكي ولايغير هذه الحقيقة سقوط نظام حسين واختفاءه الغامض. لم يكن صدام سوى ظاهرة صوتية, مثلما ان النظام السياسي العربي ظاهرة صوتية ايضا. أدان النظام العربي الحرب على العراق وعدها عدوانا فيما كان العلم الامريكي يرفرف في سماءات العواصم العربية. لم تنته الحرب في العراق, هذا ما تقوله القذائف والكمائن وعمليات المقاومة العراقية. الحرب لم تنته هذا ما اكده ايضا ديفيد ما كيرنان قائد القوات البرية الامريكية في العراق, لن تنتهي حتى لو تمت تصفية صدام, لان ما يجري في العراق يستهدف العراق.