يشهد سوق الطاقة العالميّة نموّاً مطّرداً في عنصر الغاز الطبيعيّ لاسيّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تتنامى حصّة الغاز الطبيعيّ كلقيم للبتروكيماويّات، في الوقت الذي كان الغاز الطبيعيّ يُعَدّ في العقدين الماضيين منتجاً جانبياً في إنتاج النفط ويُحرَق. القيمة المضافة في هذا الإطار وضعت احدى شركات استشارات الاعمال بوزآلن هاملتون دراسة تحليليّة ألقت فيها الضوء على الاتّجاهات الرئيسيّة لاستبيان ما تقدّمه السوق من فرص لتوفير قيمة مضافة. ومن المتوقع أن ترتفع حصّة الغاز الطبيعيّ كمصدر أوليّ للوقود إلى 28% من مجموع إمدادات الطاقة لتقترب من حصّة النفط ونسبتها اليوم 40%، أمّا ال 32% المتبقيّة فتتوزّع بين الفحم والطاقة النوويّة والطاقة الشمسيّة والهواء. تسير أسواق الغاز ضمن ثلاث مراحل رئيسيّة في تطوّرها وهي مرحلة النشوء ومرحلة الانتقال ومرحلة النضوج، وفي في هذا السياق يرى إبراهيم الحسيني، وهو نائب رئيس في "بوز آلن هاملتون" إنّ طبيعة الفرص التي تسمح بخلق قيمة مضافة رهن بنضج السوق. في الأسواق الناشئة شأن آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتمثّل المصادر الرئيسيّة للميزة التفضيليّة التي تسهم في خلق قيمة مضافة في إيجاد الحلول الملائمة لمشاكل البنية التحتيّة وامتلاك السيطرة على أصول موقعيّة والمقدرة على إدارة الاتّفاقات التعاقديّة المعقّدة. ويفيد الحسيني بأنّ السوق الناشئة الحاليّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدّم العديد من الفرص على امتداد سلسلة القيمة. إنّ ربط مراكز الطلب الإقليميّة بفائض العرض الإقليميّ يشغل حيّزاً هاماً من الاتّجاهات الحاليّة وذلك ليس بالأمر المفاجئ إذ إنّ المنطقة تحوي ثلث احتياطي الغاز الطبيعيّ العالميّ، و يصل اجمالي احتياطي الغاز في المملكة وايران وقطر والإمارات العربيّة المتّحدة والجزائر ومصر والعراق والكويت وليبيا وعمان مجتمعةً إلى 2100 تريليون قدم مكعّب. وسائل النقل ويشكّل عامل المسافة المعيار الرئيسيّ لاختيار إحدى وسيلتي النقل وهما الغازالطبيعيّ المسال وخطوط أنابيب الغاز الطبيعيّ. وبالرّغم من التطوّر الملحوظ في تكلفة الغاز الطبيعيّ المسال، يظلّ الغاز الطبيعيّ المسال أكثر تنافسيّةً من خطوط الأنابيب في المسافات الطويلة فقط. يستحوذ اللاعبون الرئيسيّون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي الجزائر وقطر والإمارات العربيّة المتّحدة وعمان وليبيا، على نحو 40% من السوق العالميّة للغازالطبيعيّ المسال التي تتجاوز قيمتها ال 100 مليون طنّ. إلاّ أنّ اشتداد المنافسة بين مشاريع الغاز الطبيعيّ المسال الجديدة قد أتاح لكبار العملاء استغلال فائض العرض للتفاوض في أسعار أدنى للعقود الطويلة الأمد. فسعر تلسيم الغاز الطبيعيّ المسال في اليابان على سبيل المثال قد هبط بمعدّل سنويّ يصل إلى 3% خلال السنوات ال 15 المنصرمة. استراتيجيّة تطوير تعتمد استراتيجيّة تطوير سوق إقليميّة للغاز على خطوط أنابيب الغاز الطبيعيّ مثل مشروع دولفن (Dolphin) الذي سيربط جملةً من الأسواق في جنوب الخليج العربيّ، وقد يشكّل هذا المشروع المرحلة الأولى من شبكة إقليميّة للغاز الطبيعيّ تربط احتياطي الغاز بمراكز الطلب الإقليميّة المتنامية. في معرض التمهيد لمشاريع مماثلة شأن خطوط الأنابيب مصر- المشرق أو إيران- شبه القارّة، واجه مشروع دولفن العديد من التحدّيات الملازمة للأسواق الناشئة والتي تتمثّل في كسب التزام العملاء ومجابهة التعقيدات والعراقيل التعاقديّة في مناخ ماليّ وقانونيّ غير مكتمل النضج نسبيّاً ومعالجة القضايا السياسيّة وقضايا حق المرور الحسّاسة واستغلال السوق الإقليميّة لتمويل الدين والاستفادة من دور القطاعين العام والخاص وأخيراً إشراك الشركاء الاستراتيجيّين في التنفيذ. استخدام الغاز على المستوى الإقليميّ إنّ توافر الغاز بأسعار تنافسيّة- 0.75 إلى 1.50 دولار لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة مقابل دولارين في كندا و2.70 دولار في المملكة البريطانيّة المتّحدة وثلاثة دولارات في الولايات المتّحدة الأميركيّة- كفيل باجتذاب الصناعات التي تعتمد على الطاقة لاسيّما البتروكيماويّات والصناعات الأساسيّة الأخرى كالألمنيوم إلى المنطقة. يحوي الشرق الأوسط جزءاً لا يستهان به من مصانع تكسير الإيثين مثل التجمّعات الصناعيّة في المملكة وإيران التي تعدّ من الأضخم في العالم والتي تتمتّع بميزة تفضيليّة مقارنةً بالصناعات القائمة على النافثا في أوروبا وآسيا وبخاصة في الفترات التي ترتفع خلالها أسعار النفط. ومن الممكن مثلاً تسليم طنّ من البولي إثيلين العالي الكثافة المصنّع في المملكة إلى كوريا الجنوبيّة بتكلفة أقلّ من تكلفة إنتاج البولي إثيلين في سوثها المحليّة. وفي الإطار نفسه تتّخذ غالبيّة المشاريع الجديدة لصهر الألمنيوم موقعاً لها في منطقة الشرق الأوسط كما ويعتزم المصنّعان الرئيسيّان وهما دوبال (Dubal) في الإمارات العربيّة المتّحدة وألبا (Alba) في مملكة البحرين مضاعفة طاقتهما الإنتاجيّة في السنوات المقبلة. التحوّل إلى الغاز إنّ التحوّل إلى استخدام الغاز بدلاً من أصناف الوقود الأخرى ينطوي على منافع ومزايا اقتصاديّة وبيئيّة جمّة اعتباراً لكونه غير مكلف في معظم العمليّات الصناعيّة وبخاصة إذا ما قورن بمنافعه. ومن الجدير بالذكر أنّ الأسعار الصناعيّة للغازالطبيعيّ في معظم الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (أقل من دولارين لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة) هي دون أسعار أصناف الوقود الأخرى كزيت الوقود بفارق كبير (حوالى 7.50 دولاراً لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة). كما إنّ الغاز الطبيعيّ يمتلك فعاليّة أكبر ويولّد مقداراً أقلّ من الانبعاثات السامّة. وتبقى العقبة الأساسيّة أمام التحوّل إلى استخدام الغاز الطبيعي فرصة الحصول على الغاز علماً بأنّ البنية التحتية لنقل الغاز وتوزيعه لا تزال في الطور البدائيّ في معظم البلدان المنطقة. توليد الطاقة يستقطب نظام توليد الطاقة الموزّع- بدلاً من النظام المركزيّ- عدداً متزايداً من الصناعات وبخاصة تلك التي تعتمد في المقام الأوّل على نوعيّة الطاقة وعلى الاستفادة من الحرارة المتأتية من توليد الطاقة وكذلك على كون المصانع متباعدة و/ أو قائمة في مناطق نائية. فتوليد الطاقة محليّاً في مصانع تبريد مركزيّة أقلّ تكلفةً من استخدام طاقة الشبكة الوطنيّة. ومن المتوقّع أن تبدأ عمليّة التحوّل إلى نظام توليد الطاقة غير المركزيّ بعد تحرير صناعات الكهرباء في المنطقة. وتنطوي التقنيّات الجديدة، كإسالة الغاز، على فرص مجدية لاستغلال احتياطي الغاز في المناطق النائية. غير أنّ مصادر الطاقة الجديدة التي قد تغيّر قواعد المنافسة الحاليّة وتجعل النظام الحاليّ القائم على الغاز نظاماً بالياً لن تبرز قبل 20 عاماً حيث لا تزال العوامل الاقتصاديّة والبنية التحتيّة الضروريّة للأنظمة القائمة على الهيدروجين أو نظام توليد الطاقة الموزّع القابل للتجديد كالطاقة الشمسيّة والطاقة الهوائيّة غير مؤاتية في المدى القصير إلى المتوسّط. التغيّرات التنظيميّة ومن المرجّح أن تتّجه الأنظار إلى الاستفادة من التغيّرات التنظيميّة واتّخاذ المواقع على امتداد سلسلة القيمة مع انفتاح الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واستقطاب وافدين جدد إلى السوق. ومن خلال تملّك الأصول الموقعيّة الأساسيّة أو السيطرة عليها يشتري اللاعبون الرئيسيّون خيارات تنطوي على ميزات تفضيليّة هامّة تتيح لهم تلبية متطلّبات الأسواق في المستقبل. وفيما يتعلق بالخطط التي يتعيّن على اللاعبين الرئيسيّين في هذه الصناعة اعتمادها لشقّ طريقهم في السوق المتنامية هذه، يرى الحسيني إنّ "الصدارة في ظلّ سوق متسارعة النمو رهن بالإدارة الفاعلة للأصول التي تعتمد على تصوّر محدّد لواقع السوق في المستقبل وتسعى من أجل بلوغه.