أدى النمو الاقتصادي المتسارع في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تفوق حجم الطلب على الغاز الطبيعي على ماتنتجه دول المنطقة. فقد أظهر تقرير صادر عن شركة "إرنست ويونج" زيادة طلب أسواق الشرق الأوسط على الغاز بنسبة تقارب 7% سنوياً، ليتفوق على الزيادة المحققة في إنتاج دول المنطقة منه. وأشار إلى أنه رغم ارتفاع إنتاج الغاز في المنطقة بنسبة 95% خلال السنوات العشر الماضية، إلا أنه ما يزال يمثل نحو 12% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي. وأوضح التقرير أن من أبرز أسباب ارتفاع الطلب المحلي على الغاز في دول المنطقة، النمو الاقتصادي وانخفاض أسعار الغاز والتحول من استخدام النفط إلى الغاز في توليد الطاقة الكهربائية، وحقن الغاز في مكامن النفط الجوفية لزيادة إنتاجها النفطي. يضاف إلى ذلك، توقع تزايد الاعتماد على الغاز وقوداً لتوليد الكهرباء في دول المنطقة، بمعدل 3.6% سنوياً حتى عام 2030. وأضاف إلى أن حدة الجدل الدائر تزداد في الشرق الأوسط حول منح الأولوية في الغاز المنتج لتلبية احتياجات الأسواق المحلية أو لزيادة عائدات الدول المنتجة عبر إبرام اتفاقيات لتصديره إلى الخارج. ورغم أن 41% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة "التقليدية" تقع في المنطقة، وبعيدا عن إيران وقطر اللتين تستحوذان على 73% من احتياطي المنطقة، تتمثل حصة مهمة من تلك في مكامن الغاز المصاحب للنفط، مما يعني أن إنتاجه من المكامن النفطية التي تحتوي على غاز مصاحب لا يتمتع بالمرونة اللازمة لزيادته أو تخفيضه عند الحاجة. كما أن معظم الغاز الموجود في المنطقة غاز "حامض" تخالطه نسبة عالية من الكبريت، مما يزيد من صعوبة وتكلفة استخراجه ومعالجته. وبين التقرير إلى أن السعودية تتطلع إلى زيادة إنتاجها من الغاز بشكل كبير لتلبية احتياجاتها المحلية المتنامية، بينما راحت إمارة أبوظبي تبحث عن مكامن غاز غير تقليدية في الوقت الذي يزداد فيه استخدام الإمارة للغاز المصاحب في إعادة حقنه في مكامن النفط لتعزيز إنتاجية آبار النفط بالضغط الطبيعي. كما دفع تسارع النمو الاقتصادي والدعم الحكومي الكبير لأسعار الطاقة، إمارة أبوظبي إلى اتخاذ إجراءات بديلة لتلبية الطلب المستقبلي على الغاز.وأكد التقرير أن احتمالات تأسيس منظمة لمصدري الغاز على غرار منظمة أوبك في المستقبل المنظور باستمرار تتراجع، ومن المرجح أن تشعر الدول المصدرة كل على حدة، بالتوتر حيال تخفيض الإنتاج إذا لم تخفض سائر الدول المصدرة إنتاجها بالمثل. كما أن شركات النفط والغاز استثمرت مليارات الدولارات في مشاريع إسالة الغاز الطبيعي وهي بحاجة لتشغيلها بطاقاتها القصوى لتحقيق عائدٍ مرضٍ على استثماراتها. وإضافة إلى ذلك، لم يتم تصميم العديد من مصانع إسالة الغاز الطبيعي بأسلوب يتيح لها تخفيض أو زيادة إنتاجها بسرعة ملائمة، استجابة لتقلبات سعرية على المدى القصير. وطبقاً لتوقعات العديد من المحللين، فإنه إذا لم تتحقق وعود إنتاج الغاز من طبقات الصخور الطَّفَلية بكميات تكفي لتغيير قواعد اللعبة، فسوف يؤدي ذلك إلى الإخلال بتوازن القوى النسبي القائم بين الحكومات في أسواق الطاقة. وسوف يشكل ذلك عائقاً إضافياً أمام تشكيل منظمة للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة أوبك. ورجح التقرير تمركز معظم الزيادة في الطلب على الغاز في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، وخاصة في الصين والهند ودول الشرق الأوسط، رغم هيمنة الكثير من عدم التيقن على مدى نمو طلب الغاز في الصين وسائر دول آسيا. وحيث إن أية زيادة في الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال قد لا تجد مشترين جاهزين لها بالكامل، فسوف يؤدي ذلك إلى حدوث فائض في الغاز غير المتعاقد على بيعه واحتمال اللجوء إلى بيعه في الأسواق الفورية. إلا أن معظم الغاز الطبيعي المسال الذي يتم إنتاجه حالياً، لا يزال يباع بموجب عقود طويلة الأمد ترتبط أسعارها بأسعار أنواع الوقود المنافسة الأخرى. ولن تقوم سوق عالمية حقيقية للغاز إلى أن يتحقق المزيد من المرونة في إمدادات الغاز وتتطور البنى التحتية اللازمة لنقله بين مختلف مناطق العالم وتزداد بالتالي المنافسة بين المصدرين. وقال مسؤول خدمات استشارات النفط والغاز في إرنست ويونغ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديفيد بارّينجر في تعليقه على النتائج التي خَلُصَ إليها التقرير "رغم أن استراتيجيات الطاقة التي تنتهجها بعض دول الشرق الأوسط قد تسهم في تعزيز استقلاليتها في مجال الطاقة على المدى البعيد، إلا أنه لا مناص من تلبية احتياجات المنطقة على المدى القصير عبر استيراد الغاز".