رواية (أشجان مدريد) لطه وادي توحي من خلال العنوان بأنها تدور في مدريد عاصمة اسبانيا، وأنها من وحي هذه المدينة أيضاً، والرواية محددة الزمن من فبراير إلى أبريل 2002، وهذا ما تبنته من خلال أحداث الرواية نفسها. وتدور الرواية حول فنان مصري ( كارم قنديل) هو الراوي والبطل المهيمن على أحداث الرواية. بدأ صراعه مع الحياة منذ وفاة والده تاركاً إياه في السادسة عشرة من عمره، وتاركاً كذلك أمه في الأربعين من عمرها، ويتخرج البطل في كلية الفنون الجميلة ويساعده أحد أساتذته في العمل رساماً في إحدى المجلات، حيث كان لابد لهذا الابن الوحيد من أن يريح أمه التي تفرغت له بعد موت أبيه، ورفضت الزواج اخلاصاً لزوجها ورعاية لابنها.وظلت أعمال هذا الفنان تدور حول الريف إلى أن نصحه أساتذته وزملاؤه بالاقتراب من مدارس الفن المعاصر. والشيء الذي يمكن أن نستنتجه أن هذا الفنان قد يكون مقتنعاً بهذه النصيحة، لكنه ظل مؤجلاً لها، إلى أن زارت أحد معارضه امرأة علقت على لوحاته، وكان رأيها نقطة التحول في حياته الفنية، لأنها كانت الدافع إلى القيام بفعل إيجابي من أجل التعرف على مدارس الفن المعاصر، واختار السفر إلى أسبانيا، وكل هذا نتعرف عليه من خلال تيار الوعي الذي يستعين به المؤلف في أكثر من موضع، لكنه بلغ في تذكر الأحداث السابقة على سفره إلى أسبانيا نحو سبع صفحات، حيث ان الرواية تبدأ بوصوله إلى مدريد، وكانت أول مرة يسافر فيها إلى أوروبا بعد أن ظل يعيش في الشرق مدة أربعة وأربعين عاماً منذ مولده، وكان هذا أول لقاء له بالغرب، حيث يبدأ الصراع داخله بين الانتماء إلى الشرق والانبهار بالعقل الغربي والحياة الغربية، لكن يظل البطل طوال الرواية مخلصاً لهدفه الذي جاء من أجله إلى أسبانيا " جئت أبحث عن قبس من النور، يجدد آفاق الخيال. ينشط مشاعر الوجدان، يعيد جريان المياه في النهر الساكن" لكن إضافة إلى هذا الهدف هناك هدف آخر هو البحث عن المرأة التي عدها ملهمته، لكنه لا يعرف لها اسماً أو عنواناً " ثمة سبب آخر. لم أجرؤ على قوله لأحد. امرأة جميلة. رأيتها لحظة باتساع الآفق. وامتداد الزمن. قلبي يحدثني هذه هي الملهمة المجهولة، لم أعرف لها عنواناً في القاهرة. جئت أبحث عنها في مدريد. تلك حقيقة أم رؤية فنان..؟ كان في استقبال البطل في مدريد صديقه طارق منصور، وهذه الصداقة هي التي تجمع بينهما رغم اختلاف ميول كل منهما، إذ أن طارق يحب الانطلاق، لذلك هاجر إلى أسبانيا بعد اتمام دراسته الجامعية واستطاع أن يصبح رجل أعمال، وتزوج من أسبانية. تتدفق الرواية بين مد وجزر بين شعور الفنان بالفخر وبين آلام الحياة وانكساراتها وتحدياتها، هل يتلقى الفنان التشجيع فيندفع أم يستمع للإحباطات فيتوقف، ذلك ما يحاول الكاتب إثارته من خلال الحوارات المكثفة والوقفات المتأنية. صراع البطل الداخلي بين الانتماء إلى الشرق والانبهار بالغرب انتهى إلى الانتماء إلى الشرق مع أخذ الإضافات الملائمة من الغرب. الرواية كتبت بلغة مكثفة، وقد ضمنها المؤلف العديد من الأشعار التي تأتي في مواقف تخدم الأحداث، ونلتقي فيها بأسماء شعراء من الأندلس، مثل: ابن عبد ربه الأندلسي، ولادة بنت المستكفي، ابن زيدون، لسان الدين بن الخطيب.. وقدم الراوي من خلال جولته في أسبانيا وصفاً للأماكن التي زارها مثل طليطلة وغرناطة.. وخلال الرواية يعيش القارئ في الجو الأسباني، حتى من خلال الكلمات، حيث يقدم المؤلف بعض الكلمات باللغة الأسبانية مع مقابلها العربي، ويهتم بإعطاء معلومات عن بعض الأشياء: مثل قوله: (مدريد اسمها يعني مجرى الماء).