نظمت الامانة العامة لجائزة نايف بن عبدالعزيز ال سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الاسلامية المعاصرة منذ أيام قلائل محاضرة بعنوان (كيف نختلف) القاها فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة وذلك فى صالة النشاط الثقافى بمدينة الامير محمد بن سعود الرياضية بالمدينةالمنورة. وبدأت المحاضرة بمقدمة لفضيلة رئيس قسم الدعوة بكلية الدعوة فرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالمدينةالمنورة الدكتور راشد العدوانى اوضح خلالها ان الاختلاف سنة الله فى كونه وحكمة الله فى صنعه حيث جعل الاختلاف بين الناس فى السنتهم والوانهم كما جعل الله الاختلاف بين الثمار والنباتات والجبال والحيوانات. وقال: لا ريب ان اقوى عامل على رفع منار الامم وافضل معين على بلوغها القمم هو اجتماع القلوب واتحاد الكلمة فما تمسكت به الامة الا ظهر سلطانها وقويت شوكتها ودامت دولتها وصدت شانئها واعداءها فالاجتماع والالفة النعمة المهداة والمنحة المسداة قال الله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا). وما تفرقت امة واختلت كلمتها وتنازعت فى امرها الا اضمحل سلطانها وضعفت قوتها وذهبت دولتها وتبدل عزها ذلا ورفعتها ضعة وانحطاطا. وقال فضيلته: فى هذه الليلة المباركة فى طيبة الطيبة نحضر الدورة الثانية فى برنامجنا الثقافى الذى تقدمه جائزة نايف بن عبدالعزيز ال سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الاسلامية المعاصرة فى محاضرة بعنوان كيف نختلف لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد بن عبدالله العودة الحاصل على شهادة الماجستير من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية من قسم السنة وعلومها عمل مدرسا بالمعهد العلمى ببريدة ثم محاضرا فى فرع جامعة الامام بالقصيم ويشرف الان على موقع الاسلام اليوم كما يدير مؤسسة الاسلام اليوم القى محاضرات متعددة فى داخل المملكة وخارجها فى جميع مجالات العلم وفنونه تضمنت العزة والاباء وتوضيح امراض القلوب والاهواء وبيان مخططات الاعداء كما شارك فى عدة مؤتمرات وندوات فى الداخل والخارج منها الجنادرية ومؤخرا مؤتمر الحوار الوطنى الذى عقد بالرياض له العديد من الكتب والرسائل العلمية. عقب ذلك القى فضيلة الشيخ العودة محاضرته أشاد فيها بادارة الجائزة بتنظيم برنامج للنشاط الثقافى وفى اختيار موضوع الامسية حول كيف نختلف. وقال فضيلته: اننا كلنا نتحدث بهدؤ عن أخلاقيات الاختلاف وقد نضع نظريات جميلة وطيبة من الناحية اللفظية لكن القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبقوا هذه النظريات ويحولها الى واقع فى سلوكهم العملى وفى علاقاتهم مع الاخرين حينما يختلفون معهم وكأننا نلتمس من الاخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الاخلاقيات حينما نختلف مع الاخرين. وأكد فضيلته على الحاجة الى تدريس ادب الخلاف فى مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عمليا ليتحول الى عادة والى عبادة فى الوقت ذاته فمن حيث انه عبادة فلانه طاعة لله ورسوله واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام واما ان يتحول الى عادة فلكى يتربى المرء عليه ويصبح سجية وطبعا لا يتكلفه ولا يشق عليه. الحاجة إلى أدب الخلاف وقال فضيلته ان أدب الخلاف والحوار يحتاج اليه الحاكم ليحفظ حقوق رعيته حتى ممن يختلفون معه كما حفظ النبى صلى الله عليه وسلم حقوق الناس كلهم فحفظ حقوق المخالفين بالمدينة من اليهود والمنافقين أما أصحابه فلا تسل عن صبره وصفحه وتجاوزه وانصافه من نفسه عليه الصلاة والسلام واعطائه الحق لطالبه وكما حفظ اصحابه العهد من بعده. وتحدث فضيلته عن تقنيات العصر التى فتحت مجالا كبيرا للحوار على سبيل المثال (الانترنت) مفيدا أن كل مواقع الانترنت وساحات الحوار اصبحت مراة تكشف الخلل الكبير فى الية الحوار وفى تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه بين المؤمنين والمسلمين وأهل العلم واهل الدعوة واهل السنة . سلبيات الحوار الالكتروني وتطرق الشيخ العودة الى ابرز سلبيات الحوار الالكترونى المتمثلة فى الخلط بين الموضوع والشخص حيث يتحول نقاش موضوع معين او فكرة او مسألة الى هجوم على الاشخاص وتجريح واتهام للنيات كذلك تدنى لغة الحوار والقعقة اللفظية والاحادية فى الرأى والقطعية فى القول مستعرضا على ذلك بالكثير من الامثلة فى هذا العصر. وبين فضيلته ان كل ذلك يقتضى تزكية النفس والثناء عليها بشكل مباشر او غير مباشر فيقول عن نفسه انه من الناجين ومن المؤمنين الصادقين ومن المخلصين متسائلا فضيلته عن ما المتوقع من ان يكون الحوار اذا اعتقد كل طرف ان ما هو عليه صواب قطعى وان ما عليه خصمه خطأ قطعى مؤكدا فى هذا الصدد ان هدؤ الانسان واستقرار نفسه وهدؤ لغته وحسن عباراته وقوة حجته هو الكفيل بان تنصاع له القلوب وان يصل الحق الذى يحمله الى أفئدة الاخرين وان يتغلب على باطلهم. أخلاق المعاملة وتناول الشيخ سلمان العودة ما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا من الاحسان بين الزوجين وبين الجيران وبين الشركاء ووضع اسس الاخلاق والمعاملة بين الناس قريبهم وبعيدهم اضافة الى الاحسان فى الدعوة وتاليف القلوب على الخير وتحبيب الناس الى الهدى حتى جعل الله تعالى فى الزكاة سهما للمؤلفة قلوبهم ومنهم الكافر الذى يرجى اسلامه او المسلم الذى يرجى قوة ايمانه او الكافر الذى يرجى دفع شره او الكافر الذى يرجى اسلام نظيره وشرعه سبحانه الاحسان لذات الاحسان حتى لو لم يكن الهدف من ورائه الدعوة. أخلاق الرسول واستعرض فضيلته فى هذا الصدد خلق رسول الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم مؤكدا انه كان مثالا اعلى فى حسن الخلق مع الخاص والعام مدللا على ذلك بقول الله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم). وقال فضيلته: ان الدين لم ينزل كما يظنه البعض لتأجيج الصراع بين الناس بل لضبط العلاقة وتنظيمها وعمارة الارض هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها ولهذا لما خلق الله ادم خلقه من اجل عمارة الارض والسعى فيها والضرب فيها قالت الملائكة لربها تبارك وتعالى أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك مؤكدا ان الفساد فى الارض وان سفك الدماء مما يكرهه الله عز وجل ولم يخلق البشر ولم ينزل الكتب من اجله. الشرائع تحرم القتل لفت فضيلة الشيخ سلمان العودة النظر الى ان الشرائع جاءت بحفظ الضرورات الخمس المعروفة وتحريم القتل والزنى والكذب والسرقة والظلم وغير ذلك مبينا انه من الضرورى اذا ان يختلف الناس اولا لاختلاف عقولهم وافكارهم وتفاوتها فى مداركها فى معرفة فقه المقاصد والمالات فى معرفة المصالح فى معرفة الاولويات وترتيبها وفقهها ومعرفة الفاضل من المفضول وثانيا يختلف الناس لاختلاف النفسيات والميول والامزجة والتركيب وثالثا يختلفون لاختلاف درجة التجرد والاخلاص والقدرة على الانتصار على المؤثرات سواء كانت مؤثرات نفسية او اجتماعية او سياسية او غيرها ويختلفون رابعا لتفاوت حجم او كثرة او قلة المعلومات الموجودة عندهم سواء كانت معلومات شرعية او غير ذلك. ودلل فضيلته على ذلك باختلاف الانبياء عليهم الصلاة والسلام كما اختلف موسى وهارون وموسى والخضر وداوود وسليمان واختلفت الصحابة رضى الله عنهم بل اكابر الصحابة كما اختلف ابو بكر وعمر بحضرة النبى عليه الصلاة والسلام واختلف ابن عباس ومعاوية واختلف عثمان وعلى واختلف الائمة من بعدهم كالاربعة وغيرهم. وتحدث فضيلته عن اخلاقيات الخلاف مثل عدم التثريب بين المختلفين على نحو لست باصدق ايمانا ولا اوسع علما ولا ارجح عقلا ممن تختلف معه والانصاف الذى يقتضى ان تنزل الاخرين منزلة نفسك فى الموقف والتحفظ عن تكفير فرد بعينه او لعنه حتى لو كان من طائفة او كان من اصحاب اضافة الى الاخذ بالظاهر والله يتولى السرائر مستشهدا بقول النبى صلى الله عليه وسلم انى لم أؤمر ان اشق عن بطون الناس ولا ان انقب عن صدورهم وكذلك تسلط الجهال على تكفير علماء المسلمين حيث قد اتفق اهل السنة على ان علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ بل عامة المسلمين لا يجوز تكفيرهم لمجرد الخطأ مركزا فضيلته على أهمية الانصاف والعدل والصبر وعدم التعصب حتى مع الخصوم المبعدين. ضوابط الاختلاف وتناول فضيلته ضوابط ادارة الخلاف من خلال الاعتصام بالكتاب والسنة وما اختلف فيه من شىء فحكمه الى الله مستدلا بقول الله تعالى فان تنازعتم فى شىء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وقول الله تعالى فى المجادلة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتى هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) وكذلك قول الله جل شانه فى الشورى ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر * وأمرهم شورى بينهم) وتفعيل دائرة المتفق عليه وتشجيع الاجتهاد وتوفير المناخ الملائم لخصوبة العقول ونموها وابداعها والامر بالمعروف والنهى عن المنكر داعيا الى ان يكون مدارا بين العلماء وطلبة العلم والدعاة والخاصة والعامة وكذلك الموادعة والمتاركة والوضوح والمكاشفة وعدم التعتيم او التقليل من شأن الخلاف والفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال والاستفادة من علم الادارة الحديث ودراستها المتخصصة. عقب ذلك أجاب فضيلة الشيخ سلمان العودة على أسئلة الحضور.