حوار يشعل الساحة الثقافية مع ناقد اشتعل زمنا وتوقف.. انسحب بهدوء.. لم يعد كما كان .. هل يعيش الاحباط ام الخوف ام ماذا؟ وصف انسحابه الشخصي بحالة من الرهبة والخوف امام حكمه الذي لا يرغب في تنازله.. اكد انه لا يعيش احباطا عدميا لكن في نفس الوقت يرفض التصالح مع المتاح ويرى ان الكاتب والكتاب العربي يعانيان من الاختناق.. ويحذر من تسطيح الفضائيات والمجلات للثقافة العربية.. ولم يفته وصف الوضع العربي في انتظار عصا موسى.. يمارس النقد.. يستودعه وحشته ويطرح رأيه في الوضع الثقافي بأسمائه المختلفة.. وله آراء في د. عبدالله الغذامي ومحمد رضا نصرالله وعبدالله الجفري والاندية الادبية.. ويؤكد ان مرحلة التوهج الثقافي لن تعود والادب سلعة استفزازية. هذا هو الناقد والباحث ومدير تحرير (الرياض) السابق.. والناشر الحالي.. عبدالله الماجد. تعجل النشر صناعة الكتاب رائجة رغم انتشار المغريات التكنولوجية, كالانترنت اكثر من العالم العربي, مما جعلنا نرى كتابا غربيين تنشر لهم عشرات الالاف من الكتب في الغرب مقارنة بنظرائهم العرب فما رايكم ؟ * في ظني ان السبب يعود الى نقطتين اولاهما مسألة التعود على القراءة كعادة موجودة في الغرب دون عالمنا العربي وثانيهما على المستوى الثقافي او الحضاري العام لدينا واحساسنا بأن ما ينشره كتابنا اقل مستوى مما يكتبه الآخرون والسبب وراء ذلك هو تعجل المبدعين الناشئين بالنشر قبل ان يصقلوا موهبتهم وللاسف ان عددا كبيرا من دور النشر تقوم بعملية النشر دون تحكيم علمي او ادبي والتحكيم دائما يفيد الناشر والكتاب بشكل جيد. حيث يلفت نظر المؤلف إلى ما يجب عليه ان يتداركه.. حتى الكتب المدرسية العربية تبدو قزميه امام مثيلاتها في العالم الغربي سواء كمادة علمية او نشر, السبب مرة اخرى غياب التحكيم العلمي. بهذه الرؤية ننطلق لرأي آخر هو الوضع العربي, رغم ما يعيشه الآن من حالة تهدد مستقبله الا ان هناك من يرى ان الوضع العربي يبشر بخير.. فالى اي مدى تتفق معنا في هذا الرأي وفقا للمعطيات المطروحة؟ * يا للهول الوضع العربي في الحقيقة يتطلب منا العودة للتاريخ وللجغرافيا ومن خلالهما نفسر بداية التاريخ العربي, التي كانت قوية منذ فجر الاسلام وتأسيس الدولة العربية الاسلامية وامتدادها الى الاندلس وتخوم الألب وعنفوان الحضارة العربية التي تألقت في الاندلس, انطلاقا من الجزيرة العربية نفسها ومن الشام ومن مصر الى كافة انحاء العالم لتضيء للامم الاوروبية التي كانت آنذاك تعيش عصر الظلام, بينما كان هناك رواد للتنوير في العالم العربي مثل ابن رشد وابن سينا وحينما تم الغزو المغولي والحروب الصليبية, كانت بداية الانهيار للمشروع الحضاري العربي, وبدأ نجم العرب يؤول الى الافول. ورغم ذلك لم نستطع في العصر الحديث ان نستثمر ذلك ونحاول ان ننهض بالمشروع الحضاري العربي بسبب الاستعمار الذي وقف عقبة امام اي ارادة جادة لبعث مشروع خلافة اسلامية عربية جديدة. حركة النقد باعتبارك احد النقاد كيف ترى حركة النقد الادبي الموجودة؟ * النقد هو عشقي المستمر والاخير ومستودع وحشتى الادبية التي الجأ اليها بين الحين والآخر حينما اريد ان اكتب.. والمشتغل بالنقد كالطبيب الذي يجب ان يقرأ باستمرار وينمي قدراته العلمية والثقافية باستمرار وان يكون واسع الاطلاع على كل ما هو جديد على الساحة العلمية والثقافية والفكرية على كل شيء.. او كما قال الجاحظ يأخذ من كل علم بطرف.. وهذه مسئولية الناقد الحقيقي, بحيث لايتوقف ابدا, ولا يكون مندفعا لمجرد ان يقال انه ناقد يستطيع ان يقيم العمل الادبي او الثقافي او الفني بمجرد جرة قلم, حيث ان مسئوليته اكبر من مسئولية المبدع وهذا للاسف وضع النقد الادبي في العالم العربي حيث فيه جوانب مشرقة وجيدة وهناك جوانب لا صلة لها بالنقد وهي التكلف النقدي وتحويل النقد الى نوع من المعادلات الرياضية وتشريح اللغة بشكل متعثر, رغم ان لغتنا العربية متولدة وموحية, واحيانا يحملها النقد ما لا تحتمل لمجرد توليه ذلك في قوالب علمية وانا لست ضد النقد التشريحي كما يقال, ولكنني ارى ان افضل النقد في ظني هو النقد الانطباعي الذي يفسر الادب. واذا كان الادب هو تفسير للحياة فالنقد هو تفسير للادب وتقريبه الى المتلقى وفك مغلقاته من الابداع.. من الرمز والايحاء والتأويل, اما الذي ألاحظه الآن فللاسف اجد ان النقاد لا يقرأون حتى العمل الذي يكتبون عنه.. ومعظم النقاد يعتمد في ذلك على اسمه الذي صنعه بين وقت وآخر, مما جعله يتعالى حتى على العمل الادبي لمجرد ما يجب عليه والتزاما ان يكتب عن هذه القصة او هذه الرواية او المجموعة القصصية التي لا تستغرق في يده دقائق ثم إذا به يمسك بالقلم ليكتب عن هذا العمل.اذا كيف يعرف وكيف يحكم عليه؟ للاسف هناك بعض النقاد المحسوبين على الحركة النقدية يمارسون ذلك رغم ان لهم اسماء كبيرة الا انهم لا يعطون للعمل النقدي الوقت الكافي من خلال القراءات المتعددة بداية من القراءة الاستكشافية اي القراءة الاولية للعمل, وكأننا نستكشف ارضا بكرا ثم قراءة اخرى كأنك تحرث ما في باطن الارض.. وتنتج ما في باطنها من الدرر واللآلى. اسم كبير هل تعنى ان النقاد يتحملون المسئولية رغم الاسماء الكبيرة مثل الدكتور عبدالله الغذامي؟ * الدكتور عبدالله الغذامي.. اسم كبير, ولكنني لا استطيع الاشارة بأصبعي الى الحالات التي كتب فيها كتابة نقدية متسرعة, او ذاك العمل الذي لم يعطه القدر الكافي من الوقت وقرأه في عجاله. نقد المجاملة ماذا يجب على الناقد ان يتحلى به؟ وكيف ترى الناقد العربي؟ * من الضروري ان تنتهي حالة نقد المجاملة وعلى الناقد ان ينظر الى قلمه 10 مرات قبل ان يكتب عملاً أدبياً, وعليه ان يضع نفسه مكان هذا المبدع, وفي نظري اي عمل ادبي كابد فيه مبدعه, وقد امضى فيه جزءاً عزيزا عليه من الوقت, واظن انه اعطى احسن ما لديه, ولذلك فعلى الناقد الا يحول قلمه الى سكين حادة.. يقطع هذا ويمزق هذا بجرة قلم.. ولكن على الناقد ان يعطي مبرراته.. وان يترفق بمن يتناولهم قلمه بالنقد.. والناقد العربي هو كمن يجلس في محراب الفن العلوي, كالقاضي عليه مسئولية ان يكون منصفا في الحكم. رضا نصرالله وماذا عن رفيق الطريق محمد رضا نصرالله؟ * نعم.. نصرالله هو رفيق طريقي, وقد اطلق هو عليها صداقة من الحبر والورق.. نصرالله مثقف جيد ولديه قدرة جيدة وواعية, ويملك قدرة طرح رؤيته بروح المثقف الواعي, الا ان نصر الله اخذته الصحافة والكتابة اليومية بشكل مستمر, والكاتب اليومي مثل الحاطب احيانا يكون حطبه جيدا. ولكن ماذا عن مشروع نصرالله الفكري؟ * نصر الله.. لديه مشروع فكري واضح هو مشروع المفكر الباحث عن التنوير اي تنوير الامة والمجتمع, وهو يملك هذه الادوات.. فقراءاته متعددة وواسعة حيث يكتب بأسلوب جيد متمكن من ادواته. ولكن ليس لديه مشروع ثقافي محدد كعمل ابداعي؟ * لانه أسس نفسه على ان يكون كاتبا روائيا او شاعرا, وان كان بدأ الشعر قديما, ولكن لم يدر بخاطره ان يكون احد هؤلاء او كاتب قصة او ناقدا بمعنى المتخصص النقدي, ولكن هذا الكاتب المتنوع الشامل يظل مشروعه واضحا. لا توجد رواية خلال توقفك خرجت اسماء في الرواية تشكلت لها اسماء من بينها الدكتور غازي القصيبي واسماء اخرى, ما رؤيتكم لهذا الجيل, وهل يطلق عليه شكل جديد في الرواية السعودية؟ * حتى الآن ومن خلال متابعتي المتواضعة ربما غير المدققة, بحيث تمكنني من الحكم النهائي.. الا انه يبدو لي عدم وجود عمل روائي جيد بالمعنى الذي نجده في بعض ثقافات البلاد العربية, ولكن ما يمكن قوله هو ان مشروعنا الثقافي مازال يتخلق الآن, وقد خطا خطوات متسارعة خلال ال 15 عاما الماضية وربما تكون فيه خطورة لانك لا تسير بخطى محسوبة. الاخلاص للرواية هل تعني فقدان صفات كاتب الرواية؟ * كاتب الرواية لابد ان يكون مخلصا لكتابة الرواية فقط, وان يؤسس نفسه على انه كاتب, ولكننا نجد هناك من يكتبون في الفكر وفي نفس الوقت نجد متخصصين في دراسات اكاديمية اخرى, وليس معنى ذلك أنه ممنوع على المتخصصين في مجالات عديدة الا يكتبوا بدليل ان هناك اطباء يكتبون قصصا وروايات ولكن نجد كل هؤلاء تركوا كل تخصصاتهم الاخرى واخلصوا لفن الرواية.. مثال ذلك يوسف ادريس, الذي قطع صلته بالطب بعدما اعطاه الطب المرجعية والقى بظلاله على ما يكتبه, ولكنه اخلص لفنه, ايضا هناك نماذج اخرى مثل نجيب محفوظ الذي ظل على مدى 65 عاما مخلصا لفنه الروائي ايضا هناك اسماء مثل الطيب صالح الذي احدث دويا في عالم الرواية, الا انه توقف فجأة.. وعندما سئل عن نتاجه الجديد.. كان رده بأنه ليس لديه الان وعندما يكون لديه بنفس المستوى الذي قدمه من قبل فانه سيكتب, وهذا نوع نادر من الاخلاص للفن. إبداعات شابة الجفري قال عنك انك كتاب مفتوح ولست كهفا.. وهذا يجعلنا نسألك عن رحلتك مع الجفري كمرحلة ادبية؟ * الجفري أحد الاقلام الذين تتلمذت على ابداعاتهم وتأثرت بهم, وهو صحفي مبدع وصاحب عبارة لها ظلال في زاويته التي يكتب فيها, وهو كاتب له روائح متعددة لا تمل منها, وعندما كان مديرا لتحرير عكاظ جعل منها صرخة لكل محرر صحفي فكانت هذه الصرخة مجالا لابداعات شابة, وقد خرجنا كأقلام من هذه الصفحات. ماذا عن ذكرياتك مع مجلة العرب؟ * من حسن حظي ان الظروف اتاحت لي الفرصة عندما كنت اتحسس دروب الثقافة, ومن حسن حظي انني عملت فترة في دار الكتب الوطنية القديمة حيث مكنني ذلك من قراءة التراث قبل قراءة الأدب الحديث, وبعد ان قرأت الادب الحديث واذا بمجلة العرب تصدر وسارعت بالكتابة فيها مما اصقل موهبتي بسبب الكوكبة التي كانت تكتب فيها من الشيوخ وكبار السن. اخيرا.. ماذا تقول لقارئك؟ * اقول له.. اذا وجدت فيما قرأته لي منذ زمن اعلى نبرة مما تقرأه لي الآن, فلا تفقد الثقة بي.. لانني مثل القارىء عندما اقرأ ما كتبته منذ 20 عاما اتعجب مما كتبت وهذا هو التحدي لأي كاتب.