الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    التركي فاتح تريم يصل إلى الدوحة لبدء مهامه مع الشباب    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السريحي: القصيبي جنى على الرواية السعودية بمقدمته التشجيعية ل“بنات الرياض”
نشر في المدينة يوم 20 - 07 - 2010

اعتبر الناقد الدكتور سعيد السريحي أن الدكتور غازي القصيبي قد جنى على الرواية السعودية بالمقدمة التشجيعية التي كتبها على الغلاف الأخير لرواية “بنات الرياض”، معتبرًا أن هذه الرواية وسلسة طويلة تبعتها من الروايات اعتمدت الفضح في حد ذاته غاية مبررة لها، مشيرة إلى أن كاتبتها رجاء الصانع فلحت في استدراج القارئ والمترجم إلى هذا الباب، فكان الاهتمام بها اهتمامًا بالتعرّف على المجتمع وليس التعرف عن الفن الذي يقدمه هذا المجتمع، مستثنيًا من ذلك «فضائحية» الروائي عبده خال في بعض كتاباته، مبينًا أنها «فضائحية منتجة» خلافًا لما هو سائد في روايات أخرى. مشيرًا إلى أن الخلاف مع الغذامي يكمن في أن الغذامي يطرح فكرة النقد الثقافي مشفوعة بإعلان موت النقد الأدبي، وهو بذلك يرتكب جريمة غير مشروعة. كذلك سخر السريحي من محاولة بعض النقاد العرب لإيجاد نظرية نقدية عربية، مؤكدًا أن النظريات النقدية يجب أن تبحث عن جينات عرقية أو قومية أو مذهبية، مشيرًا في ذلك إلى أن مسمى الأدب الإسلامي والأدب الماركسي سقطا معًا في فخ الأيديولوجيا بمحاولتهما نزع الأدب من أدبيته. العديد من المحاور طي هذا الحوار مع الناقد الدكتور سعيد السريحي. بدعة عربية * هل تعتقد أن جهود بعض النقاد لإيجاد نظرية عربية للنقد ستكلل بالنجاح؟ إذا اعتبرنا النقد علم خاص له قوانينه وأسسه ومناهجه، فعلينا ألا نبحث عن جينات عرقية أو قومية أو مذهبية، فكما أننا لا نستطيع أن نتحدث عن طب أمريكي أو فيزياء يابانية أو كيمياء فرنسية، فإنه ليس بإمكاننا أن نتحدث عن نقد عربي؛ لأن النقد كعلم ينتمي إلى آلياته ومناهجه وفلسفته، لنتحدث عن نقد بنيوي وتفكيكي ولا نتحدث عن نقد فرنسي أو إنجليزي، هناك مناهج علمية تنتمي إلى تسميات تتصل بالأسس التي تنبثق منها، وعلينا في العالم العربي أن نشارك في تطوير هذه النظريات، وبإمكاننا كذلك أن نعمد إلى تأسيس نظريات أخرى تنتمي للمعرفة دون أن تنتمي للعرق، فما ينبغي أن نفكر فيه هو كيف نستطيع أن نشارك في النظرية، أو أن نؤسسها دون أن نعتقد أنها نظرية عربية، وأعتقد أن الدعوة إلى نظرية عربية لا تخلو من رغبة في الانزواء دون الآخر، ليس رغبة في المشاركة في صياغة النظرية بقدر ما هي رغبة في الاستغناء عن الآخر والانغلاق دونه، وهي تتصل أيضًا بنظرة استعلائية لدى العرب؛ لأنهم يشعرون بشيء من الامتعاض حين يجدون أنفسهم عاجزون عن صياغة نظرية؛ فيلجأون إلى ما يشبه الحلم والبحث عن نظرية في النقد وتلك هي بدعة لم يعرفها الأوائل، فنحن نتحدث عن النقد، ولا نقول النقد عند عبدالقاهر الجرجاني مثلًا، لم يتحدث العرب عن نظرية ينسبونها لأنفسهم، وإنما تنسب لمن توصل إليها أو العلم الذي تخدمه. سقطات الأدب الإسلامي * الإسلام أحد مرتكزات الثقافة العربية.. فهل يمكن أن يكون أساسيًّا في نظرة العرب للنقد؟ حينما أتحدث على النزعة التي تبدو على السطح، فهي تأخذ البعد القومي عندما نتحدث عن النقد العربي، وتأخذ أحيانًا الطابع الأيديولوجي، فنتحدث عن الأدب الإسلامي، ليس هناك أدب إسلامي وأدب يهودي أو مسيحي، يمكن للأدب أن ينتسب إلى لغتهن ولا نتحدث عن أدب ينتمي إلى أيديولوجيا، تلك سقطة من سقطات الأدب الإسلامي، يماثلها على النقيض الآخر الأدب الماركسي، فكلامهما يحاول أن ينتزع من الأدب أدبيته ويحوّله إلى مضامينه التي يمكن أن تكون موضوعًا لخطبة أو بيانًا، ولكنها لا تستطيع أن تكون موضوعًا لعمل إبداعي. رواية فضح المستور * هل يمكن أن يكون هناك اتجاه نقدي جديد قادر على مواكبة الثورة الإبداعية الجديدة على الإنترنت والمدونات؟ دعنا نتوقف عند القيمة الفنية لكثير مما ينشر في المواقع الإلكترونية، بل ما تدفع به دور النشر، أعرف أن في المملكة هناك ما يشبه الطفرة الروائية، ولكنها تذكرني بكلمة العقاد: “مثل قصب السكر، قنطار خشب وكيلو واحد سكر”؛ لأن كثيرًا من الأعمال التي ظهرت في الآونة الأخيرة لا تملك العمق الفني الذي يصنع منها عملًا إبداعيًّا، وإنما تتكئ على محاولة فضح المستور في البنية الاجتماعية لدينا، وكثير من الاحتفاء بمثل هذه الأعمال له صورة نزعة استشراقية تقصد التعرّف على عالم غامض ومغلق؛ لذلك فهذه الأعمال تكتب من باب الفضح، وتقرأ من باب التعرف، غير أن كثيرًا منها لا ينتمي إلى الفن الذي يكتب وفق معايير الفن، ويقرأ بمقاييس فنية كذلك، فإن ما يحدث في المملكة لا يستدعي تطوير النظرية النقدية؛ لأنها تتغير لنمو الفكر النقدي وليس للأدب الموازي، وكان هناك تزامل لتجربة القصيدة الحداثية والاتجاهات النقدية لمسايرة هذه القصيدة، ولازال هذا التزامل قائمًا، لكن لا علاقة لهذه المسايرة بما يمكن أن نسميه بأدب الإنترنت، مع تحفظي على تسميته بالأدب. جناية القصيبي * بمَ تعلل ذيوع رواية “بنات الرياض” من واقع أنها أصبحت من ضمن الروايات العربية الأكثر انتشارًا في الأعوام الأخيرة؟ “بنات الرياض” هي الأحسن في الأسوأ، لها فضل فتح هذه البوابة التي ولجها كثير من الكُتّاب والكاتبات. وللرواية بعد فني لم تستثمره الكاتبة كما ينبغي، من حيث استثمار تقنيات الكتابة على الإنترنت أو رسائل الجوال، ولكنها اتكأت على فضائحية المجتمع من ناحية أخرى، فنحن أمام هدم مركب، أن يكون هناك حديث عن البنات في السعودية، وبنات الرياض العاصمة المحافظة؛ عندئذ تخلق هذه المفارقة بين العنوان وبين ما تهتك سره الرواية، وأعتقد أن كثيرًا من الصدى الذي وجدته الرواية لا يعود إلى فنيتها بقدر ما يعود إلى جرأة الكاتبة في أن تفضح هذه الممارسات المسكوت عنها، أنا لست ضد أن تفضح المجتمع، لكني ضد أن تعتبر الفضح عملًا فنيًا بحد ذاته، نحن لدينا مستويين من الكتابة التي تعتمد الفضائحية في حد ذاتها مبررًا للإبداع، والكتابة التي تستثمر الفضائحية لخلق عمل فني. “بنات الرياض” وسلسة طويلة تبعتها من الروايات اعتمدت الفضح في حد ذاته غاية مبررة لها، ونجحت الكاتبة في استدراج القارئ والمترجم إلى هذا الباب، فكان الاهتمام بها اهتمامًا بالتعرّف على المجتمع وليس التعرف عن الفن الذي يقدمه هذا المجتمع، وساهم في ذلك كلام الغلاف الأخير الذي كتبه الدكتور غازي القصيبي، وتحدث فيه قائلًا: “هكذا ينبغي أن نكشف أسرار المجتمع”، وأعتقد أنه كان يجني على الفن الروائي بهذه المقدمة التشجيعية للكاتبة، وتطرقت لذلك في محاضرة لي في معرض كتاب الشارقة، وأوشكت أن أجعل عنوانها “جناية غازي القصيبي على الرواية السعودية”، ولكنني لم أورد هذا العنوان، وكان المتن دالًا عليه. فضائحية مبدعة * ولكن هنالك روايات سبقت “بنات الرياض” اعتمدت على الفضح مثل أعمال لعبده خال، فلم هي بالذات؟ عبده خال يكتب بتقنيات روائية لا تجعل الفضح ظاهرًا ومباشرًا؛ لذلك لم ينظر لهذه الفضائحية بحد ذاتها؛ لأنها كانت المادة التي تعامل معها فأنتج عملًا روائيًّا. في “بنات الرياض” وما تلاها، الفضائحية هي التي تطفو على السطح دون أن تصاحبها تقنيات روائيّة تحول أحيانًا بينها وبين أن تكون فضحًا خالصًا. جلبة مضادة * ولكن يظل هناك بناء سردي جيد يحتفى به نقديًّا في هذه الرواية؟ أحتاج أن أكون صريحًا عن أن أكون محايدًا، ولا أستطيع أن أكون هادئًا؛ لأن الجلبة التي صاحبت “بنات الرياض” لا تترك الفرصة لأن أبحث عن جماليات موجودة فيها، ولكن الذين تحدثوا عنها كان لهم من الجلبة بحيث يحتاجون صوتًا مرتفعًا؛ ليقول لهم هذا ليس العمل الذي يستحق كل ما كتب عنه. حكم القيمة * هل يعني هذا أن الحركة النقدية أبطأ من الحركة الإبداعية؟ ليس بالضبط؛ ولكن المشكلة لدينا أن الاتجاهات الحديثة لا تعنى بحكم القيمة، وتهتم أكثر بتفسير الأدب وتحليله، وتفضّل الصمت أمام النص الذي لا يشكّل قناعة، وغياب حكم القيمة في النقد الحديث جعلنا نؤثر الصمت عمّا نتوجس منه ونعتقد واهمين أن صمت النقّاد سوف يسقط العمل الذي لا يمتلك قيمه فنية، والمشكلة أن من بيننا من لا يتردد في استخدام حكم القيمة للإشادة بأعمال كان الأولى به أن يسكت عنها أو يكون صادقًا في حكم القيمة الذي تحدث عنه. كسر دائرة العزلة * مرت الرواية السعودية بفترة انتعاش نقدي بعد فوز رواية عبده خال “ترمي بشرر” بالبوكر العربية في حين قوبلت بهجوم ورفض داخل المملكة، فهل تعيد الرواية قراءة الأدب السعودي عربيًّا؟ دعني أتحفظ على فكرة أن رواية عبده خال قوبلت بهجوم داخل المملكة؛ لأنه كان موضع احتفال من الأجهزة الرسمية والمؤسسات الأهلية، ومن القارئ السعودي الذي يبحث عن الرواية في كل مكان، وبعض الأصوات المتشددة لا تمثّل القارئ السعودي، وقراءة عبده خال في مصر على سبيل المثال لا تعني أنه قابل تلقيًا طيبًا بحتًا؛ لأن القضية الوحيدة التي رفعت ضد “خال” كانت من مصر؛ إذن نحن أمام تلقٍ مركّب مثلما قبلت في السعودية، ورفضت قبلت أيضًا في مصر ورفضت، وذلك هو قدر الأعمال الكبيرة، وهو ما حدث مع نجيب محفوظ من قبل، في كل مجتمع سيكون هناك من يقبل ومن يرفض العمل الإبداعي، وأعتقد أن الجائزة ستكرس معرفة متحققة؛ لأن الوطن العربي قبل أن يحتفي بعبده خال احتفى بمحمد الثبيتي شاعرًا، ومحمد الحربي وعبدالله الغذامي، دائرة عزلة الإبداع السعودي كسرت من قبل، وأري أن فوز عبده خال علامة على هذا الاحتفاء وليس سببًا له. صدفة وليس استهدافًا * على ذكر القضية المرفوعة ضد عبده خال، هل إدراج شخصيات روائية تتماس مع الواقع يقلل من القيمة الرواية للعمل؟ لا أعرف إلى أين وصلت القضية في القضاء المصري، ولكني أعتقد أننا لو بحثنا في المائة مليون عربي سنجد 10 آلاف أسمهم محمد رحيم، والصدفة وحدها والصدفة غير المستبعدة قدرت أن يكون هناك من يحمل مثل هذا الاسم، هكذا قال لي عبده خال، ولا أعتقد أن خال يعرف أن هناك ملحنًا مصريًّا يحمل نفس الاسم، وليس هناك معنى لأن يستهدف عبده خال هذا الرجل بالذات؛ لأنه ليس من طبعه أن يستهدف أشخاصًا بقدر ما يستهدف أنساقًا اجتماعية أو مؤسسات داخل الرواية. انغلاق وانتكاسة * إذن كيف نحاكم الأدب؟ إذا امتلكنا قضاءً واعيًا فليس من حقّنا أن نحجر على من رأى أنه من حقه أن يلجأ إلى القضاء، فقط أضمن لي قضاءً عادلًا وواعيًا ومستقلًا وعندها ستتساوى الكفتين. من حق المبدع أن يكتب ومن حق المواطن أن يلجأ للقضاء، هذا فيما يتعلق بالمسائل الشخصية؛ أما ما يتعلق بالأعمال الكبرى مثل ما حدث مع “ألف ليلة وليلة” فإن ما يحدث علامة على انغلاق الأفق العربي، وأذكر أن أول طبعة لألف ليلة وليلة وغير منقحة أشرف على تصحيحها علماء الأزهر، وأول طبعة منقحة صدرت في بيروت أشرفت عليها الكنيسة، كانوا قبل قرن من الزمن -المسلمون- يمثلون الانفتاح والتسامح والقدرة على الاستيعاب، وكانت الكنسية تمثّل الانغلاق، انعكست الآية الآن، وأصبحنا نحن الذين نشذب ولا نتفهم أفق الأدب المفتوح، هذا في الأعمال الكبرى، هي علامة على الانتكاسة، أما بالنسبة للقضايا الشخصية مثل محمد رحيم فمن حقه أن يلجأ للقضاء، فإن كان له حق حكمت له المحكمة بعدلها، وإن لم يكن معه حق حكمت المحكمة بوعيها للكاتب. فئتان من المتشددين * من له اليد العليا في ذلك، القانون أم سلطة المجتمع؟ المجتمع ليس له سلطة، إن كان هناك قضاء، فإن سلطة القانون هي القضاء، والمجتمع من حقه أن يطالب بحمايته، ولن نستطيع أن نصادر فئة من فئات المجتمع، الحديث يدور حول المتشددين، ولكن هناك فرقًا بين متشددين يلجأون للقضاء، ومتشددين يأخذون حقهم بأيديهم، حينما نغلق منافذ القانون ضد هذه الفئات، فإننا سنجبرهم على أن يحكموا بأنفسهم وينفذوا أحكامهم. مشكلة الجرجرة * إذن أنت مع قضايا الحسبة؟ أنا مع أي دعوة؛ لأني لا أحجر على أي إنسان أن يلجأ للقضاء شرط أن يكون قضاءً عادلًا، ليس من حقك أن تصادر حق فرد أو جماعة في أن تلجأ للقضاء، ولو أصلحنا أمور القضاء لن نكون بحاجة إلى الحديث حول “جرجرة” المبدعين للمحاكم، وهي ليست مشكلة الذين لجأوا للقضاء، ولكنها مشكلة القضاء الذي يستخدم أسلوب الجرجرة. تفسير الانكسار * برأيك لماذا خفت صوت الشعر أمام صوت الرواية في المملكة؟ لم يخفت صوت الشعر، وإنما ارتفع صوت الرواية، لا تزال هناك الأمسيات الشعرية موجودة ولها جمهورها، ولكن زاحمتها الرواية باعتبارها الفن الأكثر قرائية، الناس تقرأ الرواية أكثر ما تقرأ الشعر؛ لأنها الفن المعبر
عن الحراك الاجتماعي والأحدث ظهورًا والأحوج للدعم والأكثر احتواءً على إشكاليات اجتماعية سياسية وثقافية تجعلها موضع الحوار، وليس بين الروائيين الجدد من هو بقامة عبده خال أو رجاء عالم، والخط البياني الإبداعي في العالم العربي منخفض، وعلينا ألا ننتظر أن يكون لدينا في كل عقد من الزمن أصوات بارزة، عندما نتحدث عن عبده خال أو محمد الحربي وعبدالله الصرخان؛ فإننا نتحدث عن جيل راهن، ربما هذه الأصوات التي ظهرت في العشر سنوات الأخيرة ستتبلور مستقبلًا، لكن من الصعب أن نتوقع نماذج قوية في كل فترة، كان هناك تعليق دال من الدكتور حسن النعمي قال فيه: “إن الشعر هو فرح الأمة المنتصرة، والرواية هي هاجس الأمة المنكسرة”، حيث ربط بين تراجع الشعر الذي كان في عصر النهضة هو المعبّر عن أمّة تدلّ على الانتصارات، وظهور الرواية مع الانكسارات العربية، إنّ العالم العربي يبحث في الرواية، عن عالم موازٍ أو عالم يفسر انكساره”. الأبنودي وخلف بن هزال * ولكن معيار انتشار الرواية ينطبق أيضًا على الشعر الشعبي؟ ليس غريبًا في مجتمع تنمو نسبة الأمية فيه أن يكون أقرب إلى الشعر الشعبي؛ لأنه يعود إلى أمية الشعب، وليس قوّة الشعر الشعبي نفسه، أتحدث أحيانًا عن الكتابة باللغة العامية والموضع عن انتشار نماذج هشّة من الشعر الشعبي، لا أعتقد أن عبدالرحمن الأبنودي مثلًا معروف في المملكة مثلما هو يعرف خلف بن هزال، الأبنودي يستند إلى كتلة مصرية مؤثرة، وخلف بن هزال الذي يعرفه رجل الشارع في المملكة لا يعرفه الناس في مصر، الانتشار ليس الانتشار الفني، وهذا ليس طعنًا في قدرات أي شاعر يكتب بالعامية. موت الشاعر * هل يمكن أن نقول: موت الشاعر مثلما نقول: موت المؤلّف بانتهاء كتابة روايته؟ على المستوى النقدي معنى أن أقول موت الشاعر أني أقرأ القصيدة على اعتبار انتهاء علاقتها بشاعرها عندما وضعها بأيدينا، وهذا يطابق موت المؤلّف باعتباره قاصًّا أو شعريًا، عندما نقرأ رواية مثل “أولاد حارتنا” ونسأل نجيب محفوظ ماذا تقصد، ليس لنا دخل الآن، العمل أصبح بين أيدينا، والرواية قالت لنا ما نفهمه وهذا هو المفهوم النقدي لمقولة موت المؤلف، لا أقول: مات الشعر، وإنما تراجع دور الشاعر الذي كان يخرج الأمة للقتال. جريمة الغذامي * حدث جدل بحثي من قبل حول نظرية الدكتور عبدالله الغذامي في النقد الثقافي، وانتشرت مؤخرًا الأبحاث عن النظرية، فهل تمهد الأبحاث النقدية الطريق لها للانتشار؟ نتحدث على النقد الثقافي عندما نطرحه كبديل للنقد الأدبي، والخلاف ليس حول مشروعية النقد الثقافي، فهو موجود في العالم العربي كما هو موجود في أمم أخرى، الخلاف أن الغذامي يطرح فكرة النقد الثقافي مشفوعة بإعلان موت النقد الأدبي، والنقد الثقافي ممارسة مثل التفكيك أو تحليل الخطاب تتجاور المناهج، ولا يعني أن كل منهج يبعد المنهج الآخر، وحين يطرح الغذامي النقد الثقافي؛ فإنه يطرح عملًا مشروعًا؛ ولكنه حين يعلن موت النقد الأدبي؛ فإنه يرتكب جريمة غير مشروعة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.