تلعب الشركات والمؤسسات المالية بصفة عامة وشركات التأمين بصفة خاصة دورا هاما في الحياة الاقتصادية المعاصرة. وتأتي أهمية التأمين من خلال عمله على تقديم الحماية للأفراد والشركات والمؤسسات من الخسائر التي قد تلحق بها, لتقليل درجة المخاطر التي تصاحب في العادة هذه الشركات والمؤسسات مما قد يجعلها تندفع نحو تطوير أعمالها ونشاطاتها الاقتصادية بثقة وزخم كبيرين وتسهم في توفير البيئة المناسبة لتحقيق النمو الاقتصادي والمنشود. كما تلعب شركات التأمين دورا مهما في ضخ الأموال لتمويل حركة الاقتصادات الوطنية للعديد من الدول. وتؤكد دراسة حديثة صدرت عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي نشرنا جزءها الأول السبت الماضي وننشر اليوم جزءها الثاني. انه على الرغم من التطور الاقتصادي الكبير الذي شهدته دول المجلس خلال العقود القليلة الماضية, إلا ان نمو قطاع التأمين في هذه الدول كان أقل بكثير من النمو الذي شهدته قطاعات مماثلة ومنها القطاع المصرفي, حيث لم يتمكن هذا القطاع من التطور بنفس الدرجة التي تطور بها القطاع المصرفي من حيث المنتجات ونوعية الخدمات وكفاءة العمليات. وتشير الدراسة الى ان هذا الواقع أدى الى محدودية الدور الاقتصادي الذي تلعبه شركات التأمين في دو مجلس التعاون بسبب مجموعة من الصعوبات والمشاكل التي تعانيها هذه الشركات. وقد هدفت الدراسة الى تقييم الدور الذي تلعبه شركات التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي والتطور الحاصل على هذا الدور خلال الأعوام القليلة الماضية, والتعرف على طبيعة المشاكل والصعوبات التي تعانيها واقتراح حلول لها ودراسة تأثير بعض المتغيرات الدولية والإقليمية في المجالات الاقتصادية وغير الاقتصادية على أداء هذه الشركات. في هذا الجزء من الدراسة الذي نستعرضه اليوم يتم استعراض المشاكل والصعوبات المتعلقة. بشركات التأمين وآثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر على قطاع التأمين وتأثيرات الانضمام الى منظمة التجارة العالمية على القطاع وموضوعات جانبية أخرى. أولا: المشاكل والصعوبات الداخلية المتعلقة بشركات التأمين: 1 ضعف الملاءة الرأسمالية لشركات التأمين: تتصف شركات التأمين في دول المجلس بمحدودية قاعدتها الرأسمالية, حيث يقدر ان ما لا يقل عن 50% من الشركات لا يزيد رأسمالها عن 5 ملايين دولار مما جعل نشاط هذه الشركات يركز على اسناد عمليات التأمين الى معيدي التأمين في الخارج والاكتفاء بتحقيق هامش العمولة المتحققة عن مثل هذه العمليات. ويرجع هذا الواقع في أساسه الى ان القوانين والتشريعات التي تنظم عمل شركات التأمين تضع حدودا دنيا منخفضة لرأسمال شركات التأمين كما أشرنا الى ذلك سابقا. وبطبيعة الحال فإن رؤوس الأموال المحدودة لشركات التأمين تجعلها عاجزة عن التوسع والنمو والتطوير والمنافسة وقبول أخطار جديدة والوفاء بمتطلبات الملاءة المالية وفقا للمعايير الدولية وتدعيم قدراتها التقنية المتطورة التي تساعدها على تلبية احتياجات السوق بل انها في بعض الأحيان تكون غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها. وقد أدى هذا الواقع الى انعدام التلاؤم بين رأس مال شركات التأمين وحجم الأقساط السنوية التي تحصلها في كثير من الاحيان. بل ان الأقساط السنوية لبعض شركات التأمين تكون أقل بكثير من حجم رأسمالها المدفوع الذي يوجه قسم كبير منه الى الاستثمار في نشاطات غير تأمينية ويقتصر نشاط الشركة على الاحتفاظ بقدر محدود من أقساط التأمين المتحصلة فيما تقوم بإعادة تأمين القسم الأكبر من عقود التأمين لديها شركات خارجية بحيث تحول دور معظم هذه الشركات من مؤسسات ضامنة للأخطار المؤمن ضدها الى دور سمسار لدى شركات إعادة التأمين او وسطاء إعادة تأمين خارجيين. لقد بات من الاهمية بمكان العمل على رفع الحد الأدنى لرأسمال شركات التأمين الخليجية بما لا يقل عن 25 مليون دولار من خلال اتخاذ عدة خطوات أهمها الانتقال بشركات التأمين العائلية الى شركات مساهمة, وفتح شركات التأمين ذات الأسهم المغلقة وإدراجها في سوق الأوراق المالية. 2 شركات التأمين والاندماج: بالاضافة الى صغر حجم شركات التأمين في دول المجلس وضعف ملاءتها المالية, ما زالت غالبية هذه الشركات كما هو الحال في بقية الدول العربية شركات عائلية صغيرة الحجم. وفي ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية فإن الاندماج بين هذه الكيانات قد يكون الملجأ الوحيد والآمن للاستمرار والبقاء, حيث ان هذه الشركات قد لا تتمكن من الحصول على اتفاقيات مناسبة لإعادة التأمين خاصة في ظل التشدد الذي يتوقع ان يمارسه معيدو التأمين على الصعيد الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولكي تتمكن شركات التأمين واعادة التأمين الخليجية من أداء دور أكثر تميزا في مجال الخدمة والمنافسة فانها مطالبة بدراسة إمكانية الاندماج فيما بينها لتكوين كيانات تأمينية كبيرة قوية قادرة على المنافسة مع الشركات العالمية من خلال القدرة على تنويع منتجاتها التأمينية واكسابها قوة تفاوضية أكبر من شركات اعادة التأمين العالمية وبالتالي زيادة قدرتها الاحتفاظية. وفي هذا الإطار لابد من اعادة النظر في قوانين الإشراف والرقابة على شركات التأمين بحيث تتضمن توفير المزيد من الحوافز المشجعة لعمليات الاندماج بين شركات التأمين أو زيادة التحالفات الاستراتيجية بينها على المستوى المحلي او على المستوى الاقليمي. 3 نقص الكودار المؤهلة والمدربة في مجال التأمين: تعاني شركات التأمين من نقص حاد في مستوى الكفاءات الفنية والبشرية المواطنة والتي تتمتع بالتأهيل العلمي الحديث والاعتماد كثيرا على القدرات الفردية مما ألحق الأذى بمفهوم التأمين نتيجة الاستعانة بالمؤهلات غير المدربة والفنية. وتنخفض نسبة المواطنين العاملين في معظم شركات التأمين العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي بحيث لا تزيد على 5% في عدد من الدول كالإمارات وقطر ولا تزيد على 25% في بعضها الآخر كالمملكة العربية السعودية. في هذا الاطار فان هناك حاجة ماسة ضمن إطار عملية تنظيم قطاع التأمين بدول المجلس لاعادة رسم السياسة الإدارية للشركات العاملة في هذا القطاع بما يؤدي الى ايجاد فرص عمل لعدد كبير من المواطنين في نشاط التأمين والمجالات المرتبطة به كإعادة التأمين ووساطة التأمين ومقدري الخسائر واستثمارات التحكم بالمخاطر والمحاماة والمحاسبة وغيرها من المجالات الأخرى. وهناك حاجة ماسة أيضا الى العمل على تحسين مستوى أداء الكوادر الإدارية لشركات التأمين ورفع الكفاءة الفنية والإدارية للعاملين فيها وتطوير مهارات المديرين والفئات المهنية الأخرى بما يتطلبه ذلك من تطوير أنظمة العمل وإدخال أسلوب الجودة الشاملة وتطوير اللوائح التنفيذية ووضع معايير محددة لتقييم العاملين وتحديد الحد الأدنى للمؤهلات الفنية للمديرين والعاملين. إن وضع هذه الأنظمة وتطبيقها في شركات التأمين يساعد على إيجاد مناخ إداري يشجع على تطوير الكفاءات الخليجية القادرة على العمل والإبداع. كما انها ترفع الكفاية الانتاجية للقيادات الإدارية وللموظفين وتؤدي الى الاستغلال الأمثل للعنصر البشري. 4 اتباع استراتيجيات تسويقية غير ملائمة: تتصف الاستراتيجيات التسويقية لشركات التأمين في المنطقة بالضعف من حيث الأجهزة القائمة على التسويق وهياكلها التنظيمية والوظيفية مما أدى الى عجز هذه الشركات عن تقديم خدمات تأمينية جديدة ومحدودية القدرة على إيجاد خيارات متعددة لجذب فئات جديدة من الناس الأمر الذي كرس ضعف السوق وعمق من هشاشته. من هنا وفي ضوء انخفاض متوسط الانفاق الفردي على التأمين في دول المجلس كما تمت الإشارة اليه سابقا فان هناك حاجة ماسة لتطبيق استراتيجيات نمو وتوسع متعددة المحاور تتمثل في التوسع الرأسي والتوسع الأفقي (الامتداد الجغرافي) كي تنطلق السوق لتصل الى كامل الطاقة الاستيعابية المفترضة والوصول الى العملاء في كافة المناطق. أما استراتيجيات التوسع الرأسي فهي تتمثل في تنويع خدمات التأمين والخدمات الأخرى المصاحبة لتشمل تغطيات تأمينية جديدة لتلبية الحاجات المستحدثة للعملاء سواء كانوا مستثمرين او أفرادا. ثانيا أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأثرها على قطاع التأمين أفرزت أحدث الحادي عشر من سبتمبر واقعا وتحديات جديدة أمام شركات التأمين قد لا تمحى آثارها وانعكاساتها لسنوات طويلة قادمة. فالخسائر التي لحقت بشركات التأمين على المستوى العالمي تتراوح حول 70 مليار دولار وفقا لمعظم التقديرات مما نتج عنه افلاس العديد من الشركات وخروجها من السوق وتعرضت بعضها الى هزات عنيفة. وقد أدت هذه الأحداث الى تغييرات جوهرية على صناعة التأمين في نواحي عديدة أهمها السياسة الاكتتابية لمعيدي التأمين وأهمها: 1 فرض شروط اضافية بهدف زيادة حدود الاحتفاظ للشركات المسندة والزام شركات التأمين المباشر بالاحتفاظ بحدود معينة. 2 تخفيض العمولات والسعي الى ربطها بالنتائج الفعلية. 3 تقليص الطاقة الاكتتابية. 4 زيادة حدود التحمل لاسيما بالنسبة للاخطار الطبيعية. 5 مضاعفة القسط الخاص بغطاء اخطار الحرب. 6 استثناء تغطية التخريب العمدي والارهاب. 7 الغاء حجز الاحتياط او على الأقل زيادة معدل الفائدة عليها. 8 اشتراط تسديد الارصدة خلال فترة معينة وربطه باستمرارية سريان اتفاقيات إعادة التأمين. 9 تراجع ملحوظ في الطاقة الاستيعابية للخطر الواحد. كما ان الأحداث الأخيرة المؤسفة قد تعمل على إعادة رسم خريطة توزيع محافظ اعادة التأمين العالمية فبعض الشركات مرشحة للاندثار او الاندماج مع بعض شركات أخرى بحيث يتوقع ان ينحصر عدد كبرى شركات اعادة التأمين الى ما لا يزيد على 12 شركة حيث انه لن تتمكن من الصمود في ظل الظروف الجديدة إلا الشركات ذات الملاءة العالية القادرة على احتواء حجم مماثل من الخسائر. وحيث ان شركات التأمين في دول المجلس تعتمد بشكل كبير على اعادة التأمين لدى شركات التأمين العالمية, فقد عمدت هذه الشركات الى اتباع سياسات اكتتابية جديدة رفعت بموجبها أسعار اقساط التأمين المباشر على عملائها في وقت تواجه الاسواق التأمينية الخليجية ظروفا اقتصادية عامة صعبة وغير ملائمة ذات تأثير سلبي على القدرات الشرائية للمواطنين وبالتالي على الانفاق التأميني. وفي الوقت نفسه تتسم شركات التأمين العاملة في المنطقة بالتشرذم والضعف والمنافسة الحادة بينها وبين الشركات الأجنبية. وتشير التقديرات الأولية الى ان الشروط الجديدة السابقة تسببت في ارتفاع أسعار التأمين بنسبة تتراوح بين 20 الى 40% وقد اضطرت بعض الشركات الى امتصاص قسم من هذه الزيادة وعدم تحميلها كليا للعملاء مما أدى الى انخفاض مستويات ارباحها بدرجة كبيرة, ومن غير المتوقع ان تستطيع شركات التأمين في دول المجلس من تجاوز الانعكاسات السلبية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر في المديين القصير والمتوسط. اما في المدى البعيد فان الأمر منوط بمقدرة هذه الشركات على اعادة هيكلة أعمالها بما يتوافق وطبيعة مستلزمات تطوير هذه الصناعة في دول المجلس. ثالثا: قطاع التأمين وانضمام دول المجلس إلى منظمة التجارة العالمية @ التزامات دول مجلس التعاون الخليجي الأعضاء بالنسبة لقطاع التأمين يعد قطاع التأمين من القطاعات الخدمية، لذا فان القواعد المحددة في اتفاقية الخدمات ضمن اطار منظمة التجارة العالمية هي التي تحكم طبيعة الالتزامات المترتبة على دول المجلس في مجال التأمين عند الانضمام. لذلك سنقوم قبل تحليل التزامات دول المجلس في مجال قطاع التأمين باستعراض اتفاقية الخدمات في منظمة التجارة العالمية ومن ثم تحليل التزاماتها في مجال الخدمات بصفة عامة. 1 اتفاقية الخدمات: نظرة عامة: من أجل العمل على تحرير تجارة الخدمات كان لابد في البداية من تحديد واضح ودقيق لوسائل نقل الخدمات وتبادلها بين الدول الاعضاء، فتم في الاطار العام لاتفاقية الخدمات تحديد اربعة انواع لوسائط نقل الخدمات تم تصنيفها بالاعتماد على العلاقة التي تربط بين مقدم الخدمة ومستهلكها، وتشمل الانواع الاربعة مايلي: توريد الخدمة عبر الحدود، الاستهلاك في الخارج، التواجد التجاري، وحركة الاشخاص الطبيعين (خدمات الترحال). ونظرا لان تجارة الخدمات تختلف عن التجارة في السلع في ان الاخيرة يتم تقييدها عن طريق فرض رسوم جمركية وغير جمركية ملموسة وقابلة للقياس، فيما لاتوجد قيود بهذا المعنى التقليدي على تجارة الخدمات، فمن ثم لايمكن التحكم عند الحدود بدخول وخروج الخدمات من خلال فرض رسوم وقيود كمية محددة. بل يجري تقييد تجارة الخدمات وتنظيمها في الغالب من خلال تطبيق مجموعة من التشريعات والقوانين والاجراءات الادارية التي تفرضها الدولة على موردي ومستهلكي الخدمات. وفي هذا الاطار ارست اتفاقية الخدمات عددا من المبادئ والضوابط التي على الدول الاعضاء التقيد بها لتعزيز وتسهيل التبادل التجاري لانواع الخدمات المختلفة، وهي تضم ما يلي: أ عدم التمييز: ينص هذا المبدأ على المساواة بين الدول الاعضاء فيما يتعلق بازالة الحواجز على التجارة في الخدمات من خلال تطبيق قاعدتي الدولة الاولى بالرعاية والمعاملة الوطنية. وعلى عكس التجارة في السلع فان تطبيق القاعدتين السابقتين يعتبر اقل صرامة وشمولا في تجارة الخدمات فالمجالات التي تشملها قاعدة الدولة الاولى بالرعاية تكون على اساس الجداول السلبية، أي ان الاتفاقية تسري على كافة الخدمات فيما عدا الخدمات التي تحددها كل دولة عضو في تلك الجداول. ب النفاذ الى الاسواق: نظرا لكون اتفاقية الخدمات تسعى الى تحرير التجارة في الخدمات من خلال السماح للشركات الخدمية الاجنبية بالعمل في اي بلد عضو بأقل قدر من القيود والضوابط التشريعية والتنظيمية، فقد استحدثت التزاما جديدا على الدول الاعضاء غير موجود في تجارة السلع وهو التزام النفاذ الى الاسواق الذي يتحدد مداه بواسطة قائمة ايجابية يعدها كل عضو بالقطاعات الخدمية التي يسمح للشركات الاجنبية بالعمل فيها داخل السوق المحلي بأقل قدر من القيود. ج الشفافية: ينص هذا المبدأ على ضرورة قيام الدول الاعضاء بنشر كافة التشريعات والانظمة والاجراءات الخاصة بتجارة الخدمات المعمول بها، وانشاء نقاط استعلام لتصبح متوفرة ومعروفة لجميع المستثمرين في كافة الدول الاعضاء الاخرى لكي يتخذوا قراراتهم الاستثمارية في اجواء يسودها الوضوح والشفافية. د الاعتراف بالتراخيص والشهادات: ينص هذا المبدأ على ضرورة التزام كل دولة عضو بقبول مؤهلات موردي الخدمات الاجانب وفق المعايير المتعارف عليها عالميا، وبالتالي منحهم التراخيص والشهادات اللازمة لقيامهم بتوريد الخدمة في السوق المحلي. ه تسهيل المدفوعات الدولية في المعاملات الجارية: يمنع على الدول الاعضاء فرض أية قيود على المدفوعات والتحويلات الجارية للشركات الاجنبية الموردة للخدمات المحددة في الجداول الوطنية. وقدمت الاتفاقية معاملة خاصة للدول النامية في العديد من الجوانب منها السماح لها بتحرير عدد محدود من القطاعات الخدمية بعض الدول النامية قامت بادراج قطاع خدمي واحد في جداولها الوطنية ، وسمحت له بالدخول في اتفاقيات ثنائية او جماعية لتحرير بعض القطاعات الخدمية مع دول اخرى متقدمة او نامية، دون ان تلتزم بتحرير هذه القطاعات مع الدول التي ليست طرفا في هذه الاتفاقيات، ويسمح لها في حالة كون الاتفاق مع دول نامية فقط ان تمنح رعايا هذه الدول وشركاتهم معاملة افضل من تلك التي تمنحها لرعايا دول اخرى ليست طرفا في الاتفاق. وسمح للدول النامية بالدخول في اتفاقيات التكامل في مجال العمل والعمال وما يتضمنه ذلك من مزايا لايتطلب تعميمها على الدول الاعضاء غير المنضمة الى هذه الاتفاقيات. وقدرت نسبة تحرير تجارة الخدمات (يقصد بها عدم وضع اية قيود في مجالي النفاذ الى الاسواق والمعاملة الوطنية) في الدول النامية الكبيرة (التي يزيد دخلها عن 40 مليار دولار) بحوالي 10% مقارنة مع 28% للدول ذات الدخل الفردي المرتفع (وهي دول اوروبا الغربية وامريكا وكندا واليابان واستراليا). غير ان التوجه الجديد بالنسبة للدول التي تريد الانضمام بعد العام 1995 يقضي ان على هذه الدول ان تقدم التزامات تحررية حقيقية على القطاعات الخدمية التي تدرجها في تجارتها الوطنية في مقابل السماح لها بالانضمام الى منظمة التجارة العالمية، ولم يعد مسموحا لهذه الدول ان تقدم التزامات صورية. @ التزامات دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تجارة الخدمات تتميز السياسة الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي بدرجة عالية من التحرر والانفتاح الداخلي والخارجي، لذلك تعتبر هذه الدول في مقدمة الدول التي تفاعلت بايجابية وفاعلية مع متطلبات العولمة الاقتصادية التي كان من احد ابرز ركائزها انشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش عام 1995م حيث وقعت كل من الكويت والبحرين (الاعضاء في الجات قبل هذا التاريخ) على اتفاقية انشاء المنظمة، فيما وقعت قطر على هذه الاتفاقية في عام 1995، والامارات في العام 1996م. وانضمت سلطنة عمان الى الدول الاعضاء فيها بنهاية العام 2000م، وتتمتع المملكة العربية السعودية بصفة المراقب في المنظمة تمهيدا لاستكمال عضويتها بعد الانتهاء من اجراءات الانضمام التي تجري في هذه الاونة. يعكس حرص دول مجلس التعاون على الانضمام الى منظمة التجارة العالمية ادراكها التام لاهمية التفاعل مع التطورات الاقتصادية العالمية للعمل على استغلال فرصها السانحة وتجنب آثارها السلبية قدر الامكان اضافة الى العمل في الوقت المناسب على المشاركة في صياغة توجهاتها بما يحافظ على مصالح هذه الدول وينسجم مع اهميتها ومكانتها الاقتصادية على الصعيدين الاقليمي والعالمي. وقد اختارات دول المجلس الاعضاء مجموعة من القطاعات الخدمية لادراجها في جداولها الوطنية وهي في معظمها من القطاعات التي تفتقر فيها الى الخبرة المحلية اللازمة وتحتاج فيها الى دعم من الخارج. كما يلاحظ لدى تفحص جداول الالتزامات لدول المجلس في مجال القطاعات الخدمية ان الالتزامات التي تقدمت بها سلطنة عمان كانت اكثر شمولا من حيث عدد القطاعات الفرعية المدرجة في الجداول الوطنية واقل من حيث الضوابط والقيود على تجارة الخدمات في القطاعات المحددة بالمقارنة مع بقية دول المجلس التي وقعت على اتفاقية مراكش عام 1995م ويلاحظ لدى تحليل الالتزامات الذي تقدمت به دول المجلس التي وقعت علىاتفاقية انشاء منظمة التجارة العالمية في القطاعات الخدمية المدرجة في جداولها الوطنية بان هذه الدول تبنت سياسة الحد الادنى بخصوص تحرير تجارة الخدمات. فقد منحت بصفة عامة امتيازات لموردي الخدمات الاجانب في القطاعات الخدمية التي ترى ان فتح السوق فيها يعد ضروريا للتنمية الاقتصادية واكتساب المزيد من المعرفة والكفاءة كقطاع الخدمات المالية والبحث والتطوير والهندسة وبعض انواع خدمات الاعمال المتخصصة. كما انها استطاعت ان تبقى على الضوابط المعمول بها في هذه الدول قبل الانضمام الى منظمة التجارة العالمية والمبينة في القوانين والانظمة المحلية الخاصة بها دون ان تحدث عليها تغييرا جوهريا، وروعي فيها عدم التأثير بدرجة كبيرة على موردي الخدمة المحليين. اما بالنسبة لسلطنة عمان التي انضمت في نهاية العام 2000م فقد وضح التوجه الكبير للدول الاعضاء في الضغط على الدول التي تريد الانضمام لتقديم التزامات اكبر ليس في عدد القطاعات المختارة بل وايضا في اجراء تحرير حقيقي على تجارة الخدمات في القطاعات المختارة حيث وجدنا ان هناك جداول زمنية محددة التزمت فيها السلطنة لتقليل القيود المطبقة على موردي الخدمات الاجانب في مجال نسب التملك والمعاملة على قدم المساواة مع موردي الخدمة المحليين (المعاملة الوطنية). وادخلت دول المجلس قيودا افقية (تنطبق على جميع القطاعات المدرجة في جداولها الوطنية) على توريد الخدمات الاجنبية من خلال التواجد التجاري وانتقال الاشخاص الطبيعيين. وتتضمن هذه القيود تحديد نسبة مساهمة الاجانب في رأسمال الشركات المحلية، وفرض قيود على تملك العقارات والاراضي، ولم يسمح لموردي الخدمة بادخال العاملين الا من فئة الخبراء والمختصين وموظفي الادارة العليا. واشترط لتقديم الخدمات من قبل الاجانب ان يكون التواجد التجاري اما من خلال وكيل محلي يعمل في نفس المجال او في مجال ذي علاقة وذلك بموجب عقد يسجل لدى الجهات المختصة او من خلال المساهمة في شركة محلية بنسب لاتتجاوز 49% او 51% من اجمالي رأسمالها. ونص في الجداول الوطنية لعدد من دول المجلس على ضرورة ان تضيف الشركات الاجنبية من خلال تواجدها في الاسواق المحلية بعض المصالح والمنافع الاقتصادية ذات القيمة كنقل وتوطين تقنية متطورة والمساعدة في مجال البحث والتطوير وتدريب وتأهيل الايدي العاملة الوطنية، وان تخضع لمعيار الحاجة الوطنية. التزامات دول مجلس التعاون في مجال التأمين: من غير المحتمل ان تكون الالتزامات التي تقدمت بها دول المجلس في قطاع التأمين ذات آثار جوهرية على سوق التأمين في الامدين القصير والمتوسط حيث تتمتع هذه الاسواق بالفعل بهامش كبير من الحرية وهي مفتوحة بشكل كبير على الشركات الاجنبية قبل الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، اما في المدى الطويل فان المكاسب التي سيحققها هذا القطاع ستكون محدودة جدا اذا استمر تشرذمه بالشكل القائم حاليا واستمر عمل معظم شركاته كوكلاء تأمين تقوم باعادة تأمين قسم كبير من اقساط التأمين في الخارج، واذا ما استمرت هياكلها المالية بالضعف الذي هي عليه الان. الخلاصة بينت الدراسة ان عدد شركات التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي قد بلغ 177 شركة في العام 2000م، ولم يطرأ تغير كبير على هذا العدد منذ العام 1995م ويأتي ذلك لتشبع سوق التأمين في دول المجلس، وتشكل شركات التأمين الاجنبية ما نسبته 36% من اجمالي الشركات العاملة في هذه الدول، ويتصف سوق التأمين بمحدوديته وضعفه بالمقارنة مع الدول المتقدمة والعديد من الدول النامية حيث مازال المتوسط الفردي للانفاق على التأمين ونسبة اقساط التأمين الى النتائج المحلي في دول المجلس منخفضة جدا بالمقارنة مع هذه الدول. ويحتل التأمين على السيارات المرتبة الاولى من بين انواع التأمين الاخرى التي تقدمها شركات التأمين فيما تنخفض نسبة التأمين على الحياة لاسباب دينية واجتماعية معروفة. وتقوم شركات التأمين باعادة جزء كبير يصل الى نسبة 52% من اقساط التأمين (75% باستثناء التأمين على السيارات) لدى شركات اعادة التأمين الاجنبية. تعاني شركات التأمين في دول المجلس من مجموعة من الصعوبات والمشاكل الخارجية والداخلية التي تحد من الدور الذي تقوم به في خدمة اقتصادات دول المنطقة، ويتطلب تطوير الدور الذي تلعبه هذه الشركات ايجاد حلول عملية لها من قبل الجهات الرسمية المعنية ومن قبل شركات التأمين نفسها. ومن اهم المشاكل الخارجية التي تواجهها هذه الشركات: ضعف بنية الاقتصادات الخليجية، وانخفاض الوعي التأميني لدى مواطني دول المجلس، وضعف الاسس التشريعية والتنظيمية التي تحكم عمل شركات التأمين في المنطقة. اما اهم المشاكل الداخلية التي تعاني منها شركات التأمين فهي تتمثل في ضعف الملاءة المالية بالمقارنة مع اقساط التأمين المحصلة، وصغر حجمها، وضعف اجهزة التسويق والاعتناء بالموارد البشرية بالشكل المطلوب، ومحدودية التنسيق والاندماج بين شركات التأمين لمواجهة المنافسة الخارجية. وقد أثرت احداث الحادي عشر من سبتمبر على شركات التأمين الخليجية بدرجة كبيرة حيث اصبحت شروط اعادة التأمين لدى الشركات العالمية اشد ورسومها اعلى مما اثر على اسعار التأمين المحلية وادى الى انخفاض مستويات الربحية التي تحققها هذه الشركات. وسوف تواجه هذه الشركات تحديات اضافية نتيجة انضمام عدد من دول المجلس الى منظمة التجارة العالمية وبالتالي احداث مزيد من الانفتاح واحتدام المنافسة في اسواق التأمين محليا واقليميا. التأمين على البواخر بعد المخاطر التي تتعرض لها اعداد الكوادر هام جدا لتطوير القطاع