يعد الإعلام المرئي المتدفق من شاشة التلفاز اقوى وسائل التأثير في الرأي العام, مما يحتم على الامة ان تخطط لتوجيهه, والافادة من كل دقيقة منه, بحيث تكون ممتعة ومفيدة في الوقت نفسه, بل ويحفز جهاز الرقابة فيه ان يكون في اعلى درجات الدقة في فسح المواد المبثوثة من خلاله, لانها تسهم في صياغة روح الامة, واعدادها للمستقبل. ولكون الاحداث الجارية تحتم على اصحاب الاقلام ان يسهموا في الكشف عن كل ما زرع حب العنف في النفوس الغضة, فانه لا يجوز ان ندع سببا في غاية الاهمية, وهو هذا الجهاز الذي تغب منه اعين وقلوب اطفالنا وشبابنا ليل نهار. يقول احد علماء النفس: (إذا كان السجن هو جامعة الجريمة, فان التلفزيون هو المدرسة الاعدادية لانحراف الاحداث).. ان هذه المقولة على قلة ما تحويها من كلمات الا ان فيها كثيرا من المعاني التي يجب الا نغض الطرف عنها, والا بذلنا الثمن من امننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا. ان كثيرا من الافلام تقوم بتلقين الطفل كيفية فتح ابواب السيارة وابواب البيوت بدون مفتاح, وكيفية اضرام التيار الكهربائي بيد رجل بريء آخر بطريقة سهلة للغاية, وتشتمل على حروب وقتال لبلوغ اهداف دنيئة, وجرائم متقنة التصوير والاخراج, مبسطة مسهلة ليدركها الطفل بفهمه المحدود, وان تكرار هذه المشاهد في الافلام العادية, وفي افلام الرسوم المتحركة يترك اثرا بالغ الخطورة على اطفالنا, الذي يعيشون في مجتمع آمن بفضل الله تعالى, يقول احد الكتاب المختصين: (ان الاطفال الذين يشاهدون سلوكيات عدوانية بحجم كبير في التلفزيون, بمقدورهم خزن هذه السلوكيات ومن ثم استعادتها وتنفيذها وذلك حالما تظهر المؤثرات الملائمة لاظهار هذه الاستجابة السلوكية العدوانية, وإن تذكر السلوك العدواني الذي يقدم حلا لمشكلة يواجهها الطفل قد يؤدي الى اطلاق هذا (المكبوت) من السلوك العدواني, ويصبح المفهوم العدواني مقترنا مع النجاح في حل مشكلة اجتماعية, ويظل التلفزيون الوسيلة الفعالة في قوة التأثير اعلاميا). ولعل كل اب وام لاحظا كيف ينشدُّ الطفل اكثر عند المشاهد الاكثر عدوانية, مثل: الاكثار من الاصوات العالية والشتائم المتكررة, والعدوان المباشر ضد الاشياء: مثل ضرب الابواب بعنف, وبعثرة الاشياء, والكتابة العشوائية على الجدران, وتكسير الاشياء, واشعال الحرائق, والعدوان ضد الآخرين مثل: الاندفاع نحو الآخرين بعنف, ومهاجمتهم ومحاولة جرحهم بل وقتلهم والفتك بهم حرقا وتمزيقا. وشكون من انطلاق الاطفال في اعمال مشابهة فور انتهاء هذه البرامج, وقد اظهرت بعض الدراسات العلمية في اسبانيا ان 39% من الشباب المنحرفين تلقوا معلوماتهم التي استخدموها في تنفيذ جرائمهم من التليفزيون. وتشترك مع الرسوم المتحركة كل افلام الرعب والبوليسية والتحقيق الامني, للكبار والصغار, وكثير من المجرمين يعترفون حيث يقبض عليهم انهم يقلدون جرائم الافلام التي تعرض عليهم, والحوادث الواقعية اكثر من ان تحصر في هذا الاتجاه. اجريت دراسات على اطفال تتراوح اعمارهم بين خمس وعشر سنوات في احدى الولاياتالامريكية, فاتضح ان الاطفال الذين استخدموا لعب الحرب اكثر عدوانية من الاطفال الآخرين, واما الاطفال الذين استخدموا العابا اخرى, كالالعاب التي تعلمهم التعاون والتفكير المشترك, فانهم كانوا اكثر هدوءا وبعدا عن الاعتداء. انني أؤكد وبكل قوة ان هذا المجتمع لم يكن يعرف كلمة العنف من الاصل, لانه مصطلح مستورد, ومصنوع في بلاد الغرب ولا فخر, فالغرب الذي عاش على اشلاء الشعوب ولايزال, وامتص دماءهم عقودا من الزمن تحت اسماء عديدة, هو اليوم يمارس الفكر نفسه, ولكن باسماء وروايات أخرى مصبوغة بكل الوان الطيف, بينما يتباكي على السلام العالمي, وعلى الامن, والامان النفسي, ويرفع شعارات القضاء على الارهاب, وهو لا يزال يشحن برامجه الاعلامية, ومنتجاته السينمائية, بما يغرس جذور العنف والبغضاء والحقد في قلوب الصغار الابرياء ويغرقهم في اوحال الشر باستخدام التقنيات المتطورة, واستغلال توجهاتهم وميولهم لاقحامهم في عالم الجريمة بأساليب براقة ومؤثرات قوية..!