تروي كتب الحديث والتاريخ الإسلامي ان الخوارج هم اول من كفر غيرهم من المسلمين عندما كانوا في أول أمرهم من أنصار الخليفة الراشد علي بن ابي طالب كرم الله وجهه, والموالين له ثم انقلبوا عليه بعد قبوله وقف القتال في موقعة صفين وقبل التحكيم لحقن دماء المسلمين, حيث رفض هؤلاء التحكيم وخرجوا عليه قائلين:( لا حكم الا لله ومن حكم غيره فقد كفر) فرد عليهم رضي الله عنه بمقولته الشهيرة:( كلمة حق يراد بها باطل). بعد ذلك تبنت بعض الفرق نزعة التكفير التي تصدى لها علماء مسلمون من بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث رد على هذه الفرق وكشف مخالفاتها للكتاب والسنة التي ما لبثت ان اسقطتها قذائف الحق لسنين طوال لتظهر من جديد على ايدي الجماعات الإسلامية التي تبنت طروحات ابي الأعلى المودودي ..وأبي الحسن الندوي من علماء الهند ..وسيد قطب العالم المصري المعروف يرحمهم الله الذين يذكر لهم بالتقدير مواقفهم الجليلة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين .. لكنهم رغم فضلهم بشر يصيبون ويخطئون ينطبق عليهم قول الإمام مالك :( كل انسان يؤخذ منه ويرد عليه الا صاحب هذا القبر ) يقصد رسول الله . وسواء صح ذلك عن هؤلاء العلماء او لم يصح وفقا لبعض الروايات .. او انهم قوّلوا مالم يقولوا فان التكفير محكوم بمقتضيات الأدلة الشرعية ونصوص الكتاب والسنة كما جاءت وتفسيرها الذي لا يخضع للأمزجة والاهواء .. ولا يسخر لمصالح دنيوية .. وهو أمر على درجة كبيرة من الخطورة لا تسمح لكل من هب ودب بالافتاء وبث الآراء الفقهية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير كما الحال في الغلو .. والتشدد والتنطع .. مما يستدعي عدم الاخذ بهذا النوع من الفتاوى والآراء خاصة من يعتقد لطيبة او سذاجة ..أو حسن نية أنها (أرضى لربه .. وأسلم لدينه .. وأحوط لآخرته) !!! وهي مجتمعة نتاج خطاب متطرف لا يمت للإسلام ووسطيته وسماحته بصلة!! اتساءل : كيف لا يخطر على أذهان من فجر المجمعات السكنية في مدينة الرياض ان الاسلام الذي يقيم وزنا لحياة قطة ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها . ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت) لا يجيز الدماء التي سفكت .. والأرواح التي ازهقت . أليست هذه الجريمة جرأة على الله تبارك وتعالى وانتهاكا لحرماته وأن من فكر فيها وساعد وأقدم عليها ظالم لنفسه وغيره يتصف بالظلم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وجعله بين عباده محرما كما جاء في الحديث القدسي . ولأجل مَنء ارتكاب كل هذه المحرمات .. هل من أجل ذلك القابع في أحد كهوف افغانستان الذي نصب نفسه شيخا .. ومعلما .. ومرشدا وإماما لتحقيق شهوة الحكم والزعامة التي استرخص من أجلها الأموال والأنفس المعصومة وأوردها موارد التهلكة؟ من خول ابن لادن ليصبح المصدر التشريعي الوحيد المفروض على أسماعهم وأبصارهم يحلل .. ويحرم كما يحلو له ويشتهي . أين هؤلاء يوم يقف الناس لرب العالمين من قول الحق سبحانه وتعالى :( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) سورة النساء وقول رسول الله : في البخاري : ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما)؟ كيف يستجيب هؤلاء المخدوعون للادعاءات الكاذبة والوعود الزائفة التي تصب في آذانهم صبا .. ويعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض وهم يتلون الكتاب أم على قلوب أقفالها؟ كيف يعتبر المجتمع الذي يؤمن بأن الحكم لله يختصه ويتفرد به ويفصل فيه ..ويرد الاختلاف والتنازع في أصول الدين وفروعه .. . وأمور الدين والدنيا , الى الله سبحانه وتعالى .والى رسول الله .. في استسلام وخضوع كاملين لله .. تحليلا .. وتحريما .. طاعة .. وعبادة .. كيف يعتبر هذا المجتمع (دار كفر) ؟! أليست هذه صفة من صفات الإيمان بالله سبحانه وتعالى حيث يقول:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)؟ سورة النساء (65) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فكل من خرج عن سنة رسول الله , وشريعته , فقد اقسم الله بنفسه المقدسة , أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين والدنيا , وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه) الفتاوى 28: 471 بل إن سيد قطب نفسه يؤكد في تفسيره لقوله تعالى :(وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) سورة المائدة (43) ان عدم تحكيم الشريعة الإسلامية لا يجتمع مع الإيمان (في ظلال القرآن 2/ 894 , 895). إن من يتقرب الى الله بالبراءة من ولاة أمر المسلمين ..ووصف العلماء بأبشع الصفات وقتل الابرياء من المسلمين والمستأمنين والمعاهدين دون وجه حق ناهيك عن تكفير المسلمين وفقا لمفاهيمهم وفكرهم التدميري المنحرف ... إن من يفعل ذلك لم يتخرج في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولم يحمل مشعل الهداية .. والنور منها .. ولم يمتلئ قلبه ووجدانه بالرحمة .. والتسامح .. والمحبة .. وهي من أبرز سمات المدرسة المحمدية!! ولم يستجب لوصيته صلوات ربي وسلامه عليه:(أوصيكم بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فانه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ابو داوود والترمذي. يقول الاستاذ محمد قطب في كتابه :( واقعنا المعاصر) حول مسألة الحكم على الناس ما نصه:(إن الله سبحانه وتعالى لم يتعبدنا بتصنيف الناس الى مسلم أو فاسق , أو كافر , انما تعبدنا بالدعوة الى الله على بصيرة , للمسلم لتبصيره بحقيقة الإسلام . وللكافر لدخوله في الإسلام أولا وتعليمه ما أوجبه عليه الله ثانيا , أما مسألة الحكم وتعميمها على جميع المجتمع فهذا اسلوب الجاهل والعاجز والمغرور وكما جاء في الحديث الشريف :( من قال هلك الناس فهو أهلكهم) (متفق عليه). ادرك أننا بشر بكل ما في البشر من خير .. وشر .. وصواب وخطأ .. ولأن الدين النصيحة فانني ادعو كل من تنكب طريق الهدى .. وسلك سبيل الردى أن يقتبس من صحيح الإسلام ما ينير له الطريق ... ويسدد الخطا والله الهادي الى سواء السبيل.