قضية أحمد الجلبى زعيم المؤتمر الوطنى العراقى فى الأردن شائكة وهى القضية التى يعتقد أنها ستكون العائق الرئيسى أمام الجلبى لتحقيق حلمه بحكم العراق بعدما بدأت عدة دول عربية فى استخدام هذا الملف ضده. وقصة احمد الجلبي، الذي يعتبر اكثر الشخصيات العراقية المعارضة جدلاً في تاريخها وحاضرها، وهو شخصية معقدة الى ابعد الحدود، لا سيما وان دولا عربية وحتى سياسيون امريكيون يعتبرونه شخصية لا يمكن الاعتماد عليها في اي شيء، بل انه يعتبر الوحيد من بين افراد المعارضة العراقية الذي لم يعش في العراق سوى في فترة محاولة الانقلاب على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين مع الاكراد ومجموعات عراقية اخرى عام 1992. وصفه مسؤول اردني سابق تولى مناصب رفيعة في الثمانينيات ب الثعلب، ويقول عنه إنه شخصية ذكية جدا خصوصا في طرق الاحتيال والاقناع. وبتقليب اوراق ملف احمد الجلبي في محكمة أمن الدولة الأردنية يتبين ان محكمة أمن الدولة اصدرت في 9/4/ 1992 على المدعو احمد عبد الهادي الجلبي الفار من وجه العدالة حكماً بالسجن 15 سنة مع الاشغال الشاقة لادانته بالاختلاس، وحكمًا آخر بالسجن اربع سنوات، وادانته بالاحتيال بالاشتراك والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وبالنتيجة قررت أمن الدولة جمع الاحكام الصادرة بحق الجلبي والحكم عليه بالسجن 22 عاما مع غرامة مالية قدرها 27 مليوناً و226 الف دولار امريكي، و775 الف مارك الماني، و9945 جنيهاً استرلينياً، ومليون و332 الف دينار اردني. وأوضحت محكمة أمن الدولة الأردنية أن الجلبي مارس الاحتيال بالتعاون مع اقارب له. ويشير ملف الاتهام للجلبي انه ومنذ توليه رئاسة مجلس ادارة البنك عام 1982 ومن قبل ذلك ادارة بنك البتراء ومن خلال مساعدة اقرباء له في البنك اقام شبكة علاقات مع بنوك كان يطلق عليها اسم البنوك الشقيقة، وهي بنوك عائدة بمجملها الى عائلة الجلبي، حيث سخر اعمال البنك لخدمته وخدمة اقربائه، ويؤكد الملف ان ذلك تم بطرق متعددة سواء باختلاس اموال معينة، او بالتصرف باموال البنك باقراضها والتفريط بها، على نحو لا يتفق مع مصالح البنك. ورأت المحكمة في حينه ان اخطر ما في تعاملات الجلبي انه كان يتعامل مع بنوك عديدة جميعها كان هو الآمر الناهي فيها. وجاء في ملف القضية ان الجلبي استطاع دس مراسلات ومكاتبات غير صحيحة هدفها تضليل مساهمي بنك البتراء والبنك المركزي، بل ان المحكمة قالت انها اكتشفت ان هناك كتبا ومراسلات مزورة قام بها الجلبي في سبيل التضليل للبنك المركزي، اضافة الى ان التحقيقات اثبتت انه كان يعمل اولا بأول على اتلاف الحسابات الصحيحة للبنك ومن ثم القيام بانشاء قيود وهمية في الحسابات المختلفة، واستعمال حسابات وهمية لا وجود لها. ولعل من اخطر القضايا التي رأت المحكمة ان الجلبي كان يقوم بها كانت قيامه باستنزاف الاموال والعملات الصعبة من قطاع الصيارفة، وهو ما اثر سلبا على الاحتياطي الوطني الاردني من العملات الأجنبية التي تبين انه كان يقوم ببيعها في اسواق سوداء. كما جاء في ملف الاتهام ان الجلبي قام بشراء ديون معدومة من بنوك ودول، بل انه سخر موارد البنك للمتاجرة بالذهب والمعادن الثمينة اضافة الى تجارته بالعملات الصعبة وتهريبها الى الخارج، تمهيدا لتجميعها في شركات ومؤسسات مالية تابعة له ولاقرباء له من ال الجلبي منها بنوك مبكو (بيروت، وسوكوفي) جنيف، وبترا/واشنطن، ومؤسسات أخرى من مثل شركة الرمال التجارية وانفستمنت غروب في لندن. ولعل اشهر عملياته في الخارج أنه قام عام 1984 بالمساهمة من خلال البنك في تأسيس البنك السوداني في الخرطوم برأس مال بلغ مليوناً و750 ألف دولار، ووقع اتفاقيات المساهمة بالتعاون مع هذا البنك ومن شروط هذه الاتفاقيات أتعاب إدارة سنوية لبنك البتراء بلغ مجموعها للسنوات من 1983 ولغاية 1986 مليونين و620 ألف دولار، قام الجلبي باختلاسها عن طريق تحويلها بواسطة بنك سوكوفي/جنيف إلى شركة (بترا غروب) المفوض هو شخصياً بالتوقيع عنها. كما اشترك الجلبي في استثمارات خطرة يمنعها القانون الاردني، دون اظهار هذه العمليات على حقيقتها، ومنها شراؤه عام 1988 شرائح ديون الحكومة السودانية المعروضة في الاسواق المالية، وقبلها بعام اشترى ديونا بولندية. وخسر في العملية الاولى 255 الف دولار، وفي الثانية مليونا ومائتي الف دولار. وخلال عامي 1988 و 1989 قامت ادارة البنك ممثلة بالجلبي وبقصد توفير السيولة للبنك وللبنوك الخارجية بالحصول على قروض خارجية وذلك بان لجأ الجلبي الى طرحه الاقتراض باسماء مستعارة ودون موافقة البنك المركزي. وقد اقترض نحو 5.7 مليون دولار بكفالة بنك البتراء وقام بتحويل المبلغ الى بنك سوكوفي/جنيف، الذي يملكه هو، وحمّل البنك نحو 600 الف دولار كفوائد وعمولات. ولم تظهر هذه القيود في سجلات البنك. كما جاء في الملف ان الجلبي لم يسجل أي التزام بالقوانين المصرفية النافذة، اضافة الى انه لم يسجل أي التزام بالتعميمات التي كانت تصدر عن البنك المركزي الاردني لضبط العمل المصرفي لا سيما في النسب المتعلقة بالنقد الاجنبي. شخصية الجلبي.. لغز حير العاملين الى جانبه في بنك البتراء.. ولعل ما ورد في ملف القضية حول الطريقة التي يتعامل بها الجلبي في بنك البتراء مع موظفيه كانت مفتاح النجاح لكل طرقه واعماله الاحتيالية، فقد وجدت المحكمة ان الجلبي كان يتصف بين العاملين معه في بنك البتراء بشخصية متميزة في العمل الى حد كبير جدا، مكنه من ذلك، كما جاء في قرار الحكم على الجلبي انه كان يتمتع بنفوذ هائل في البنك كونه مديرا عاما، اضافة الى كونه رئيسا لمجلس الادارة، وهو ما اعطاه نفوذا قانونيا في اعمال البنك، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان الجلبي كان ذكيا لدرجة انه كان يتقن فن اقناع جميع الذين حوله بأهمية ما يقوم به من اعمال وهو ما كان يجعل جميع الذين حوله يرون ان الجلبي يقوم دائما بالعمل الصحيح. فالتحقيقات مع موظفي البنك في تلك الفترة اثبتت ان الجلبي كان يظهر بين الموظفين كشخص على درجة عالية من النزاهة والاستقامة في العمل، ولا هدف له سوى العمل بتفان واخلاص لخدمة مصالح البنك، بل ان التحقيقات اثبتت ان موظفي البنك لم يكن يخطر ببالهم ان الجلبي يقوم باي عمل لا يتفق مع مصلحة البنك، وهو ما جعل الموظفين لا سيما المقربين منه يتسابقون على تنفيذ اوامره الصادرة اليهم لكسب رضاه والتمتع بثقته التي كان يقابلها بالمكافآت والترقيات العديدة وهو ما حول الجلبي الى مدير بدون معارضة او حتى مناقشة لقراراته التي كان العديد منها مخالفا للنظام المصرفي الاردني. خسائر بنك البتراء.. وعلى الرغم من ان كافة ما أدين الجلبي باختلاسه لا يتجاوز بمجمله ال30 مليون دينار اردني، الا ان خسائر البنك تجاوزت ذلك بكثير. فقد جاء في قرار المحكمة ان خسائر بنك البتراء بلغت 233 مليون دينار اردني، منها 157 مليون و 290 الف دينار اردني تم اختلاسها من قبل الجلبي واقرباء له اضافة الى عاملين في البنك أدينوا جميعا بهذا القرار. هروب الجلبي من الاردن والتحذير من اعماله المخالفة للقوانين.. يؤكد الدكتور فهد الفانك المحلل الاقتصادي المعروف انه كتب وعلى مدى سنوات عديدة ابتداء من عام 1982 محذرا من اعمال الجلبي التي كانت مخالفة للقوانين، واشار الفانك الذي كان شاهدا على الكثير من اعمال الجلبي، ان الاخير كان يقوم بفتح حسابات وهمية وتهريب العملات الاجنبية، الا انه يرى ان هناك من ساعد الجلبي على هذه الاعمال. غير ان اقتصاديا مرموقا عايش تلك الفترة وكان احد الشهود ضده امام المحكمة قال ان احد اسباب النفوذ الذي تمتع به الجلبي كان دعمه من قبل شخصيات سياسية رفيعة المستوى في تلك الفترة، وان هذه الشخصيات استطاعت خدمته عندما صدر بحقه حكما بالحجز التحفظي على امواله وممتلكاته ومنعه من السفر الى خارج الاردن في عام 1989 بعدما اصدرت لجنة الأمن الاقتصادي قرارا بحل مجلس ادارة بنك البتراء وتعيين لجنة مؤقتة لادارته، فبعد قرار المنع من السفر بعشرة ايام فقط غادر الجلبي الاردن بطريقة لا تزال تفاصيلها غامضة الى يومنا هذا. 47 متهما الى جانب الجلبي.. وتوضح لائحة الاتهام والحكم الذي صدر عن محكمة أمن الدولة ان عدد المتهمين في قضية بنك البتراء بلغ 47 شخصا من بينهم الجلبي، الا ان الواضح ان عددا لا بأس به من اقارب الجلبي متهمون رئيسيون في هذه القضية الشائكة للغاية. الجلبي يتهم المسؤولين الاردنيين بالتآمر ضده.. غير ان الجلبي الذي يطمح لتنظيف سجله طمعا في اخذ حصة من حكم العراق في المرحلة المقبلة ادعى ومن خلال مقابلة على قناة العربية مؤخرا انه ضحية لمؤامرة عدد من المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين الذين قال انهم تآمروا مع النظام العراقي السابق ضده. غير ان اقتصاديين عايشوا فترة الجلبي اكدوا ان من اتهمهم الجلبي كان عليهم العديد من علامات الاستفهام بل ان هناك من يتهمهم بالتورط في غض البصر عن اعماله الخطيرة التي كان يقوم بها. ويؤكد محلل معروف عايش فترة الجلبي ان الاخير كان محميا بشبكة من العلاقات مع كبار المسؤولين وهو ما حدا بالبنك المركزي في تلك الفترة الى الاكتفاء باصدار تقارير بمخالفات الجلبي دون اللجوء الى تنفيذها فعلا من خلال الادوات القانونية المختلفة، ويشير المحلل الى شخصية سياسية بارزة سابقة لعبت دور الحامي للجلبي ولاعماله المخالفة للقوانين. الا ان الجلبي الذي يعتبر من اكثر الشخصيات التي تكره الاردن وتتوعده بعقوبات اذا ما اخذ حصة من كعكة حكم العراق، كرر اتهامته لمسؤولين اردنيين من خلال مقابلة نشرت الاسبوع الماضي مع مجلة نيوزويك الأميركية، حيث قال انه يملك اطناناً من الوثائق التي وجدت في مقر المخابرات العراقية تثبت العلاقة الحميمة بين نظام الرئيس السابق صدام حسين ومسؤولين اردنيين حاليين. وهو الامر الذي علق عليه احد الوزراء المرموقين في لقاء جمعه بصحفيين الاسبوع الماضي بانه امر طبيعي حيث ان الاردن كان على علاقة وطيدة بالعراق طوال السنوات الماضية. الجلبي والمحاكمة.. وبحسب قانونيين فانه لا سبيل امام الجلبي للتخلص من ارثه القذر في الاردن سوى تنظيم ملفاته مع الاردن قبل التفكير بتولي منصب في عراق المستقبل، والجلبي امامه حل قانوني وحيد وهو المثول امام القضاء الاردني الذي يعطيه حق اعادة المحاكمة وبالتالي تقديم ما يقول انها اثباتات تؤكد براءته، وسيصدر عليه حكم بامكانه تمييزه اذا لم يعجبه. اما الحل الآخر فهو ان يصدر عفو ملكي بحق الجلبي، وهو امر تستبعده دوائر سياسية عديدة لا سيما في ظل الاصرار الذي اطلقه الملك عبد الله الثاني ومسؤولون حكوميون من ان الجلبي شخص مطلوب للقضاء ولا يمكن للاردن التعامل معه نهائيا. اما ما يقال حول احتمالات استفادة الجلبي من قانون الجرائم الاقتصادية الجديد، فان المحامي المتخصص في القضايا التجارية غسان معمر اكد ان الجلبي لا يمكنه الاستفادة من هذا القانون الذي ينص على تسوية القضية المالية من قبل المدعي العام قبل عرضها على المحكمة، وهذا يعني ان القضايا التي صدرت بها احكام غير مشمولة بهذا القانون، عوضا عن ان الحكومة قصدت بتعديل هذا القانون تسوية قضية الشمايلة غيت التي تتهم بها شخصيات رفيعة المستوى. الجلبي يواصل توعده من ناحيتها ذكرت مصادر مطلعة ان الجلبي عاد الى اسطوانة التهديد للاردن مؤخرا، والتوعد بانه سيقوم بالانتقام من الاردن من خلال منع الامتيازات له في العقود التجارية ووقف تصدير النفط الى الاردن، وهي تهديدات كان الجلبي قد اطلقها في واشنطن قبل العدوان الامريكي على العراق. الجلبي خلال لقاء له مع جارنر