تباينت الرؤى والتوجهات على أكثر من صعيد في ختام الزيارة التي قام بها إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي إلى عمان اليومين الماضيين. فالعراقيون ركزوا على «السياسة والأمن» في المباحثات التي سعى الأردنيون إلى حرفها إلى «الاقتصاد». وفوق ذلك : لم تنجز أي اتفاق أو حتى بروتوكول، إذ بينما كانت عمان تطمح إلى «التوقيع بالأحرف الأولى» على أقل تقدير على أي اتفاق. كانت بغداد ترى الأمور من منظار «بحث آفاق التعاون» بين البلدين. وعلى رغم أن زيارة الجعفري كانت مناسبة لفتح ملفات قضايا بعضها عالقة منذ العهد السابق وهي قضايا ذات طابع اقتصادي وديون قديمة والتبادل التجاري وحتى تمكين الأردن من الحصول على نفط عراقي عبر بروتوكولات يمكن تجديدها أو إنشاؤها. وبعضها يتعلق بحركة العبور والجوازات. وهذه الملفات فتحها الأردنيون. أما الملفات التي فتحها الجانب العراقي فكانت سياسية أمنية، تتعلق بتجميد نشاطات القيادات البعثية العراقية في الأردن. وكذلك بالأمن والحدود والإرهاب. وأفادت مصادر قريبة من المباحثات أن بغداد طالبت عمان بضبط نشاطات ضباط سابقين وكوادر في البعث العراقي المنحل تقول انهم «يمولون المسلحين في العراق ويحرضون على الإرهاب من مقر إقامتهم في الأردن». وهؤلاء يمتلكون (وفق الرواية العراقية) أموالا طائلة يستخدمونها في تغذية النشاطات العسكرية للمقاومة البعثية والصدامية داخل الأراضي العراقية. كما حض العراقيون الجانب الأردني على «ضبط الحدود أمام عمليات التهريب» وهو مطلب أردني كذلك، خصوصا في أعقاب حادثة التفجيرات الصاروخية الأخيرة في العقبة. ملف الجلبي على رغم تصريح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن ملف نائب رئيس الوزراء العراقي أحمد الجلبي ومشكلته مع الأردن «ليس أساسيا على جدول أعمال المباحثات»، غير أن هذا الملف كان مدار بحث خلال لقاء مغلق جمع بدران والجعفري وامتد نحو نصف ساعة. وتقول المصادر ان بدران اقترح على الجعفري تسوية الخلاف «سياسيا» بعيدا عن القضاء اذا تعهد الجلبي بدفع المبالغ المترتبة عليه لتسببه في إفلاس بنك البتراء الأردني الذي كان يرأس مجلس إدارته عام 1989. وأوضحت أن بدران طرح عدة سيناريوهات لتسوية القضية برمتها قضائيا وماليا، بتأدية المستحقات المطلوبة من الجلبي». إضافة إلى دفع المستحقات التي أداها البنك المركزي حيال المودعين والتي بلغت نحو مئتي مليون دولارا مشيرا إلى أن الأردن «قد يقبل استبدال المبلغ المطلوب بالنفط العراقي». وشددت على أن «أي تسوية لملف الجلبي سوف لن تتجاوز على حقوق المودعين في البنك ومصالحهم. وحكمت محكمة امن الدولة الأردنية عام 1992على الجلبي بالأشغال الشاقة لمدة (22) سنة مع غرامة مالية تعادل قيمة ما اختلس والبالغة (27) مليوناً و(266) ألف دولار أمريكي, و (775) ألف مارك ألماني, و (9945) جنيها إسترلينيا, ومليونا و (332) ألف دينار أردني. وبلغ مجموع الأموال المختلسة وتلك المتلاعب فيها (194) مليون دولار. فيما قدر مجموع الخسائر التي نتجت عن انهيار البنك (288) مليون دولار. وكشفت المصادر أن الجعفري ابلغ بدران رغبة الجلبي بإنهاء خلافه مع الأردن بطرق دبلوماسية وعبر التفاوض حول المبالغ المالية التي يطلبها الأردن منه. ورجح مصدر أردني مطلع أن يتم إغلاق ملف الجلبي إما من خلال «إجراء تسوية معه(...) أو اصدارعفو خاص». وأوضح أن العفو الخاص سيكون بحق الجلبي فقط وليس القضية» المتورط فيها عراقيون من أقارب الجلبي ولبنانيون. وفي آب، وعد الملك عبد الله الثاني الرئيس العراقي جلال طالباني، خلال زيارة الأخير إلى عمان، بدراسة إمكان إغلاق ملف الجلبي، «بما لا يسبب إحراجا لكلا البلدين». النفط والديون مصدر أردني أبلغ إلى «الرياض» أن عمان ركزت بشدة في المباحثات على ملفي النفط والديون الأردنية المترتبة على العراق، التي تقدر بنحو مليار وثلاثمئة مليون دولار من النظام العراقي السابق. وأكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الجعفري أبدى استعداد بلاده لتسديد تلك الديون وفق بروتوكول خاص يبرم بين البلدين. ونقل المصدر عن الجعفري قوله ان «الحكومة العراقية تعلم بموضوع تلك الديون(...) وهي مستعدة لدفعها». لكنه بيّن أن الأوضاع غير المستقرة في العراق تحول دون المضي قدما في تنفيذ الكثير من الجوانب الاقتصادية والمالية. ويسعى الأردن الى ايجاد شكل من التفاهمات مع العراق لتزويده بالنفط الخام بأسعار «اقل» من الأسعار العالمية او ضمن بروتوكول تجاري يسمح باستبدال النفط بالسلع والبضائع الأردنية.