حذر الآثاريون في مصر من مخاطر تبديد التراث والآثار العراقية والتي راحت ضحية لعملية الغزو الانجلو امريكي للعراق بعد ان تعرضت - على حد قولهم - لعمليات سطو وتخريب منظم من جانب لصوص قوات التحالف.. وقالوا ان الحرب على العراق لم تكن تهدف لا الى النفط ولا الى اسقاط نظام صدام حسين بقدر ما كانت تهدف الى طمس الهوية الثقافية والحضارة العراقية العريقة التي كانت - ومازالت - تمثل القوة الحقيقية في مواجهة الحضارة الامريكية المعدومة. وشددت ندوة حول الآثار المسروقة اثناء الحرب على العراق واهميتها وضرورة استرجاعها نظمتها اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين امس على اهمية التحرك العربي السريع لاستعادة تلك الآثار والحفاظ على ما تبقى منها بالعراق وذلك من خلال جهود المثقفين العرب والتي يجب ان تخاطب المؤسسات والمنظمات الدولية لاتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تداول تلك الآثار وتجريمه. ففي البداية اوضح الدكتور زاهي حواس - الامين العام للمجلس الاعلى للآثار - ان العراق بلد له تاريخ عميق ويستحق الاهتمام العربي من اجل الحفاظ على آثاره وتراثه الذي صنعه الشعب العراقي على مر التاريخ بدءا من عصور ما قبل التاريخ والتي افرزت حضارة تل جرمة وحضارة سمراء الى ان ظهرت الحضارة الاكاديمية وعصر الاحياء السوماري وهي فترة اسفرت عن 30 تمثالا من اهم التماثيل في العالم كان اغلبها موجودا في المتحف القومي لبغداد هذا بالاضافة الى انها شكلت اكثر من 300 موقع اثري و 7 متاحف من اهم المتاحف في العالم كان اهمها المتحف القومي الذي تم تدميره وسلبه على يد قوات الاحتلال. واشار حواس الى خطورة ما تعرضت له الاثار العراقية على يد القوات الانجلوامريكية وقال ان العراق كانت احدى الدول التي تعرضت لهجمات المغول عام 1258م وتعرضت لاشد انواع الدمار الانساني الثقافي حيث فعل المغول ما لم يفعله احد قبلهم فدمروا القصور والمباني الاثرية والقوا بالكتب في نهر دجلة ليعبروا عليها ومنذ وصول جنود قوات التحالف الى بغداد واعمال السلب والنهب تتم على مرآهم وان كان بعض العراقيين ساهموا في سرقة الآثار وفي تدمير المتحف القومي في بغداد الا ان ذلك لا يعني تحميل الشعب العراقي مسئولية تدمير الآثار فهذا يحدث لكل الشعوب المتحضرة وفي ثورة زنوج امريكا عندما حطموا جزءا كبيرا من مدينة لوس انجلوس مؤكدا ان المسئولية تقع بالدرجة الاولى على عاتق قوات التحالف التي كان يجب عليها وضع خطة للحفاظ على الآثار العراقية بمجرد دخولهم اليها. واعرب حواس عن خيبة امله في المؤسسات الدولية التي تم ارسال استغاثات لها وفي مقدمتها منظمة اليونسكو من اجل الحفاظ على آثار العراق والتي تم التوقيع عليها من 231 عالم آثار من 25 دولة قبل الحرب ولكن دون جدوى وايضا جامعة الدول العربية التي كان ينبغي ان يكون لها دور ثقافي في هذا الشأن خاصة بعد ان فشلت في الدور السياسي واشار الى موافقة الجامعة على انشاء صندوق عربي لترميم آثار العراق المدمرة والذي تتولاه مصر باعتبارها صاحبة خبرة باعمال الترميم وقدرة على اعادة الآثار لما كانت عليه. وقال حواس ان حماية آثار العراق مهمة ليست بالعسيرة اذا ما قام رؤساء هيئات الآثار في الدول العربية بايقاف التعاون مع اي متحف يشتري قطعا اثرية عراقية ومطالبتهم اليونسكو بتطبيق قوانينه ضد التجار الذين يشترون هذه الآثار. وقال الدكتور محمد الكحلاوي - استاذ الآثار الاسلامية - ان المغول عندما هاجموا العراق اسقطوا الخلافة ولم يسقطوا التراث الى ان جاءت قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية واسقطت نظام الحكم ومن قبله اسقطت التراث والحضارة وذلك من باب الحقد الحضاري الذي يرجع في جزء كبير منه الى الهوة الكبيرة ما بين الحضارة العراقية صاحبة التاريخ وما يسمى بالحضارة الامريكية التي هي والعدم سواء ولذلك حاولت الولاياتالمتحدةالامريكية ان تعمل قبل البترول وقبل اسقاط نظام صدام ان تسقط التاريخ وذلك ضمن سياسة العولمة التي تنتهجها والتي تعني طمس الآخر واجباره على التعامل معها. واعرب الكحلاوي عن اسفه بشأن امكانية استعادة الاثار المسروقة وقال ان سرقة الآثار العراقية لم تتم بمعزل عن سرقة السجلات التي تحفظها فالصواريخ الذرية استطاعت التي ان تفرغ المتاحف من كل ما تحتويه وقامت قوات المارينز بنقل التماثيل التي يصل وزنها في بعض الحالات الى اكثر من طن ونصف الطن وقامت قوات الاحتلال بتجريد دار الكتب من 40 الف مخطوط في عملية سطو منظمة من اجل طمس التاريخ والحضارة العراقية التي كانت ولاتزال القوة الحقيقية في مواجهة حضارة البطش الامريكية. واكد ان ما تعرضت له الآثار العراقية اكبر من عملية الاستنكار لما حدث وانما هي في حاجة الى وقفة جادة من جانب الدول العربية التي تقع عليها مسئولية مراقبة كل المتاحف العراقية خاصة وان الآثار لابد لها وان تنقل ويؤكد ذلك عمليات التحقيق التي تمت مع 14 من قوات التحالف ومنهم 3 صحفيين بتهم حيازة الآثار و 650 مليون دولار والهدف هو اغتيال الحضارة العراقية. واشار الكحلاوي الى تدمير اول مدرسة للفن الاسلامي وهي مدرسة سمراء المدرسة الأم التي يعتبرها علماء الفن الاسلامي اساس مراحل تخطيط الفن الاسلامي بنيران قوات الاحتلال وهو ما يوضح الى اى مدى اتت قوات التحالف في غزوها على حضارة الرافدين التي ناطحت الدهر على مدى 6 قرون وهو الامر الذي يستوجب وقفة عربية جادة من اجل الحفاظ على التراث والحضارة العربية والاسلامية. واكد الدكتور احمد نور - رئيس المعهد القومي للفنون التشكيلية - ان الحرب على العراق لم يكن الهدف منها البترول او اسقاط نظام صدام بقدر ما كانت تهدف الى عملية محو ذاكرة شعب باكمله ولمحو حضارة عريقة ضربت بجذورها في اعماق التاريخ. وقال ان ما حدث في العراق افقدها 170 الف قطعة فنية تخص 5 آلاف عام من تاريخها بعد ان تجاوزت العدوان عليها كل اصول الحرب بمفاهيمها حيث قامت مجموعة من اللصوص بسرقة ونهب الآثار وقاموا بتدمير التماثيل الكبيرة التي تعبر عن تاريخ وحضارة العراق. واوضح نوار ان متحف مركز صدام للفنون كان من اهم المتاحف المعاصرة على مستوى العالم لانه كان مليئا باهم الحركات الفنية على مدى قرن من الزمان وهو الامر الذي يستوجب على الجهات النقابية ضرورة القيام بدور فعال من اجل محاكمة الولاياتالمتحدة باعتبارها اللص الذي سرق وبدد التاريخ العراقي ويبرز في هذا المجال الدور الهام لكل من نقابتي المحاميين والصحفيين. واشار الدكتور علي رضوان - استاذ الآثار المصرية ورئيس جمعية الآثاريين العرب - الى ان الحرب على العراق بجانب انها كانت تحمل خوفا على الشعب العراقي فانها كانت تحمل وبنفس الدرجة خوفا على التراث والحضارة العراقية التي ضربتها قوات التحالف في مدينة اريدو والتي تعد من اقدم معابد الدنيا ومدينة اور ومقابرها الملكية التي لا يعرف التاريخ اجمل منها وعروس المدائن بابل المشهورة بعلمائها وقرائها والتي سجلت في عهد حمواربى ومدينة نيناوا مدينة العبد الصالح يونس وعاصمة الآشوريين دون ان يحرك كل هذا التاريخ العظيم اى ذرة من احساس بالقيمة لدى القوات الغازية. واوضح الدكتور رضوان انه من خوف الاثريين على ما حدث بالعراق لم يكن وليد الحرب وانما سبقها بعام حينما تم توجيه تحذيرات للامين العام للجامعة العربية من مخاطر تدمير القنابل الذكية او الشيطانية للآثار وتم التنويه الى ان الدنيا قامت ولم تقعد عندما قامت قوات طالبات بتحطيم احد تماثيل بوذا في افغانستان ولم تقم لمخاطر ما حدث في بغداد. واشار الى حملة السلب والنهب والتدمير للآثار التي صاحبت عملية الغزو واعتبرها اولى عمليات العولمة التي تعني من وجهة النظر الامريكية بان الذي بلاحضارة يسير مع الذي هو صاحب حضارة والتي تعنى ايضا محو التاريخ من ذاكرة الشعوب كي تتعايش مع الآخر فهي عولمة المحو والتدمير وهي عملية لم تكن غوغائية وانما كانت منظمة تهدف الى تضييع حضارة العراق وسط بحر من دماء ووحل وعار على الأمة العربية. واوضح الدكتور رضوان ان الجرم الذي ارتكبته الولاياتالمتحدة في العراق ليس في حاجة لا الى الاممالمتحدة ولا الى الجامعة العربية لاخذ القصاص منها وانما هو في حاجة الى ان تحل كارثة عليها وعلى حلفائها بما ظلمت الحضارة العراقية وما حدث يعتبر نوعا من العار على جبين الامة العربية كلها لا يزيله الزمن او انسان ولذلك فان الخطوة القادمة تكون على الامة العربية نفسها وليس على المؤسسات الدولية او محكمة العدل الدولية وانما على الدول العربية التي يقع عليها عبء محاصرة من يتاجر بالآثار العراقية المسروقة ومقاطعة المتاحف التي تتعامل مع تجارها. وتحدث الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض - استاذ القانون الدولي والقاضي بمحكمة العدل الدولية- فقال ان انقاذ الامة العربية من الكارثة التي ألمت بها في طمس حضارة بلد عربي عريق لم يعد من اختصاص الحكومات وانما من اختصاص المجتمع المدني غير الرسمي خاصة وان هناك جريمة منظمة تم ارتكابها من جانب الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا وهي جريمة انسانية خالفت المواثيق والقوانين والشرعية الدولية فالحرب لم تعد شرعية الا في حالة الدفاع عن النفس وعن الامن القومي مهما كانت المبررات التي تساق من اجل تشريعها وعلى ذلك فان الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة في حد ذاتها تعتبر اول مخالفة في حق العراق بعد ان سيطرت على الادارة الامريكية نظرية جديدة تسمى الحرب الاستباقية وهي ليست بالدفاعية ولا التي للحماية وهي حرب لا يوجد مفهوم لها في القاموس الدولي والانساني. واشار الدكتور رياض الى مخالفة اخرى ارتكبتها قوات التحالف وهي متعلقة بعدم الالتزام لا بقواعد حماية التراث والبنية التحتية ولا بحماية المدنيين وغير المحاربين وهو ما يعني ان مخالفة دولية تم ارتكابها من جانب الولاياتالمتحدة وبريطانيا وهو ما يعنى ايضا انه في الامكان من الناحية القانونية وجوب تقاضيهما على الجرائم التي ارتكبتاها في حق التراث والحضارة العراقية ويزيد من هذا الحق العربي ان محكمة العدل الدولية اعتبرت القانون يفوق شريعة الغاب التي تنتهجها الادارة الامريكية ومن ثم لم يعد هناك من هو فوق القانون الدولي وبالتالي يحق الحصول على تعويض مادي نتيجة للاضرار التي ارتكبتها قوات التحالف بالمخالفة للقانون الدولي الانساني. واكد الدكتور رياض ان صدام حسين ومن قبله اسامة بن لادن قد نجحا في تصفية الولاياتالمتحدةالامريكية من اى حضارة وعملا على تحويلها الى دولة ارهابية واكد ذلك ما ارتكبه جنودها من جرائم في حق التراث والحضارة العراقية وبالتالي فمن الممكن ان يتم رفع الامر للقضاء لمحاكمة القادة الامريكيين والبريطانيين على انهم مجرمو حرب ويتم ذلك في اى مكان من خلال محكمة دولية. وقال الدكتور رفعت سيد احمد - المحلل السياسي ومدير مركز يافا للدراسات والابحاث - ان القضية ليست قضية سرقة الآثار العراقية وتراث الشعب وانما القضية قضية سرقة وطن باكمله وعلى ذلك فالحديث عن سرقة الآثار يجب الا يتم بعزل عن سرقة الوطن ومن ثم تظهر اشكالية في الحديث عن امكانية استعادة الآثار دون استعادة الوطن مشيرا الى ان العراق تمت سرقته كوطن من خلال النظام الاستبدادي القديم واتت الولاياتالمتحدة لتكتمل علمية السرقة التي شاركت فيها وبشكل خفي وبعيدا عن مسرح الاحداث اسرائيل التي قامت باستغلال الحرب على العراق وقامت بسرقة نصوص توارتية قديمة يعود تاريخها الى آلاف السنين مؤكدا ان الجانب الصهيوني له مخطط هو الآخر في سرقة الوطن العراقي ومحيطة وهذه الاصابع الصهيونية بدأت من مناطق الاكراد الى الجنوب الشيعى وكانت تبحث ليس عن الآثار ولكن ايضا على النفط وعن عمق استراتيجي للمواجهة. واكد ان الذي اوصل العرب لهذه الحالة فكر يجب مواجهته ولذلك فان العمل يجب ان ينطلق من دراسة حقيقية لما تم ومن تم تجديد الافكار التي اوصلت الامة العربية الى حد الهزيمة السياسية والثقافية والحضارية مشيرا الى انه لا سبيل للخروج من هذه الهزيمة الى حالة النصر الا بالديمقراطية والحرية في البلدان العربية التي تعتبر نقطة البداية على طريق الوصول للفكر المقاوم وهي الحقائق التي كانت غائبة عن النظام العراقي الساقط والذي اوصل العراق والامة العربية الى حافة الخطر. وقال جمال الغيطاني - رئيس تحرير مجلة الادب والنقد - ان الحفاظ على التراث وعودة الآثار المسروقة ليس له علاقة بقضية الديمقراطية من عدمها وانما هي مسألة مرتبطة بحالة الفوضى التى سادت العراق اثناء الحرب والتي كانت تستهدف بالدرجة الاولى اصابة الرموز وليس ادل على ذلك من ان دبابات قوات التحالف كانت تستقر تحت النصب التذكاري في ميدان التحرير وفي ساحة الاندلس التي سقط فيها تمثال صدام وفي النصب التذكاري للجندي المجهول ودليل ذلك ايضا ان قوات المارينز كانت تمتطي الاسد البابلى وتدوسه بالاقدام في تعبير من جانبها على اهانة الرموز ليؤكد ذلك ان ما حدث جريمة منظمة في حق الحضارة العربية عامة والعراقية خاصة وهي جريمة تستهدف محو التاريخ حتى تتساوى الرؤوس مؤكدا ان هذا الحدث لا يجب ان يمر كما مرت غيره من الاحداث وانما يجب على المثقفين العرب مخاطبة المجتمعات العلمية في العالم من اجل الحفاظ على الهوية العربية ومن اجل الحفاظ ايضا على المتحف المصري الذي من الممكن والسهل جدا ان يلحق به ما لحق بمتحف بغداد. اما الكاتبة الصحفية الدكتورة نعمات احمد فؤاد فقد اكدت انه لا بديل عن مواجهة الولاياتالمتحدةالامريكية التي ازالت الهنود الحمر وحلت محلهم وذلك من خلال عقد مؤتمر دولي في القاهرة يشارك فيه علماء الآثار من البلدان العربية والاوروبية واساتذة الجامعات وممثل اليونسكو لتقديم حجم مشكلة سرقة الآثار العراقية ووضع الحلول الممكنة للحفاظ على ما تبقى منها وايضا العمل على ملاحقة المتاجرين بالآثار العراقية المسروقة. ودعت الدكتورة نعمات المثقفين العرب الى توجيه احتجاج لليونسكو ورفع دعوى قضائية على الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا للتعويض المادي وإعادة عرض اتفاقية لاهاى لعام 1954م الخاصة بحماية الآثار والنفائس. من الحضارة العراقية