ان الله سبحانه وتعالى قد حمى النفس من ان يعتدى عليها واكد حرمتها بما انزله من آيات بينات ومن سنن حكيمات ما قرن القتل بالشرك به وعده من السبع الموبقات المهلكات فقال جل من قائل: و(الذين لايدعون مع الله الها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق) وقال تعالى: (ولاتقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق) وان الحق الذي به استثناء هنا ليس لكل احد تفسيره حسب هواه ليتصرف بحسب ما يفتي به نفسه من رؤية تجعله ينتهك الحرمات! لا.. ولكن الأمر لله ولرسوله ولأولي الامر الذين يعلمون احكام الله ويقيمونها بيننا بالحق اذ ان جريمة القتل ليست من البساطة بحيث يسمح لكل متأول أن يركب رأسه فيها ولذا فقد ترتب على قتل النفس المؤمنة بغير الحق من العقوبات مايجعل المقدم المؤمن التقي الورع الوقوف مليا قبل ان يقدم على ما به شبهة فكيف بمن لا شبهة معه لقتل مسلم وازهاق روح انسان بدون حق أو اتلاف عضو من اعضائه أو اصابته بأي اذى في جسده فليس بعد الكفر ذنب اعظم من قتل المؤمن قال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) ولننتبه لوصف متعمدا وان اصل التعمد استخدام أداة تقتل عادة ضد المسلم فكيف والأداة لم تصنع الا للقتل والفتك غير المميز كالقنابل والرشاشات والمتفجرات (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) فأين من هم وراء ماحدث من تفجيرات الرياض المنكرة من هذا الوعيد الشديد؟ وهم قد علموا انهم في بلد اسلامي بل قبلة المسلمين وتحت راية اسلامية وفي دور مسلمة ومن القاطنين مسلمون والحراس مسلمون لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته ان سمع الاذان في بلدة كان ينوي غزوها امسك عنها! فبأي شبهة هؤلاء تتبعوا وتجرأوا وعمدوا الى فعلهم؟ أين هم من هذا الوعيد الشديد؟ اربع عقوبات يرتبها المولى لمن انتهك حرمة دم مسلم اربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس: جهنم خالدا فيها فيا ويله ما أصبره على نار جهنم وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءا وغضب الله عليه، وبئسما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه، ولعنه، فطرده وأبعده عن رحمته، واعد له عذابا عظيما، فهل من عاقل يعرض نفسه لمثل هذه العقوبات جميعا وواحدة منها تكفي لان يرتدع عن قتل الابرياء مهما كانت المبررات! فويل لقاتل المؤمن المتعمد ويل له من هذه العقوبات النار وغضب الجبار واللعنة والعذاب العظيم، وهذا للمؤمن وهل غير المؤمن ليس معصوما؟ ان الدماء كلها معصومة الا بحق وان ازهاق الانفس لم يوكل امرها للهوى ووجهات النظر وخطب المحطات الفضائية ورسائل اشرطة الفيديو يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) البخاري وقال ابن عباس رضي الله عنهما سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي المقتول متعلقا رأسه باحدى يديه متلبيا قاتله باليد الاخرى تشجب اوداجه دما حتى يأتي به الى العرش فيقول المقتول يارب هذا قتلني فيقول الله للقاتل تعست أي هلكت ويذهب به الى النار وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو ان اهل السماء واهل الارض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) وهؤلاء المقتولون في الرياض بعضهم من المسلمين وبعضهم مجهولو الحال فلربما قد اسلم منهم من اسلم حتى وان كانوا ليسوا منا وهم بحكم المسلمين لانهم بينهم وبعضهم داخلون في المعاهدين من اهل الكتاب فلهم من الحقوق ما للمسلمين، فأي جرم قد ارتكبه من وراء هذا العمل بأي قناعة ياترى استطاع ان يقنع من قام بالتفجير بنفسه بالآمنين اللهم سلم سلم. وقد يتفاوت الناس في مفاهيمهم ومداركهم ولكن هناك امورا من الوضوح والجلاء مالا يزيغ عنها الا هالك محجة بيضاء الله يقول: (ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى) ونقولها لمن يدعي انه يجاهد عدوا غير مسلم ويدفع ظلما بظلم، نقول يا مسلم لاتأخذك العزة بالاثم وقف عند حدود الله ولا تظلم وان ظلمت وقتلت يا مسلم ان جهاد الظالم مراتب واحوال فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كم جلس عن مقاتلة الكفار وقد نهاه الله عن مقاتلتهم لعدم حصول التكافؤ بالقوة ولحكم تقتضي ذلك ان مثل هذه التصرفات حتى وان وهم فاعلها ان فيها نكاءة بعدو فان مردودها السلبي على امتنا ومجتمعنا واحوال المسلمين لسيىء جدا ولربما فتحت باب الفتنة عليهم من عدوهم فنكأ بهم كما حصل في افغانستان والعراق وغيرها لقد آن الاوان ان نحكم الحكمة فينا والا تأخذنا الخطابات الحماسية من اناس هم غائبون عن ساحتنا وواقعنا وليست لهم دراية بأولويات قضايانا واني لاعجب من انكفاء امثال هؤلاء عن تصرف عمر رضي الله عنه لما رأى من عدو الله ما رأى حتى حكم عليه في قرارة نفسه انه يستحق القتل ولكنه لم يباشر قتله وانما ارجع الامر الى ولي الامر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بحكم موقعه ينظر الى الامور من منظار اخر ومن زوايا اخرى فنهاه عن تصرفه والمضي فيه ليس لان هذا لا يستحق القتل ولكن لجلب مصلحة عامة ترجحت عن مصلحة خاصة ولدفع مفسدة عامة رجحت عن دفع مفسدة خاصة فذكر خشيته ان يقول الناس ان محمدا يقتل اصحابه، فولاة الامر بحكم مواقعهم تحكم تصرفاتهم وقراراتهم امور قد تخفى على العامة لذا فان الله ارجع اليهم ما يختلف فيه من شأن (واذا جاءهم امر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا). ولنعلم جميعا انه بقدر اجلالنا لله يجلنا وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم قدرنا وحرمتنا وان البعض من هؤلاء يقول هل جزاء الاحسان الا الاحسان في استدلال على انه كان يدافع عن كرامة الامة ويطلب عزها ومجدها ونقول ان المؤمن كيس فطن وان الامور لم تترك للأهواء والتصورات ولذا قال تعالى: (فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) فوجب الا يكون المرء احمق يدفع الى البلوى من عدوه ليصطاد بك امتك ولنراقب الله في تحركاتنا وسكناتنا ومن مراقبتنا له الا نقوم الى ما يخالف امره فنعمله او ما يوافق نهيه فنسرع له يقول تعالى: (يايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا) آيات محكمات من جعلهن وغيرهن نصب عينيه وجعل لهن وللسنة الحاكمية في حياته فلن يتجاوزهن الى هوى متبع او ضلال مقنع (اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) ولقد صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الاربعاء 13/3/1424ه بيان بينت فيه ادانتها لاحداث الرياض واوردت النصوص الدالة على عصمة دماء المسلمين واموالهم وعصمة انفس واموال المعاهدين واهل الذمة والمستأمنين ومن ادخله ولي الأمر المسلم بعقد امان وعهد حتى قال: اذا تبين هذا فان ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لايقره دين الاسلام وتحريمه جاء من وجوه.. 1 ان هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها. 2 ان فيه قتلا للانفس المعصومة في شريعة الاسلام. 3 ان هذا من الافساد في الارض. 4 ان فيه اتلافا للاموال المعصومة. وان مجلس هيئة كبار العلماء اذ يبين حكم هذا الامر ليحذر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات ويحذرهم من مكائد الشيطان فانه لايزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك اما بالغلو بالدين واما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله والشيطان لايبالي بايهما ظفر من العبد لان كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه. وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل انفسهم بتفجيرها فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) اخرجه ابو عوانه في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. وجاء في البيان: ثم ليعلم الجميع ان الامة الاسلامية اليوم تعاني تسلط الاعداء عليها من كل جانب وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الاسلام واذلالهم واستغلال خيراتهم فمن اعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الاسلام ثغرا لهم فقد اعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم وهذا من اعظم الجرم. وانتهى البيان بالوصية بالعناية بالعلم الشرعي والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتواصل الشباب مع علمائهم وقال البيان: وليعلموا ان مما يسعى اليه اعداء الدين الوقيعة بين شباب الامة وعلمائها وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم فالواجب التنبه لهذا، فجزى الله علماءنا على نصحهم كل خير، وهنا لنا ان نؤكد كذلك على ان لولي الامر حقا على الرعية بان تنصره وتنصح له وللمجتمع والامة فلا تأخذنا بذلك لومة لائم ولنعلم ان اعداءنا قد ترصدوا بنا يتشفون بما يحدث لنا من فرقة لينقضوا علينا من كل حدب وصوب فالله الله بالالتفاف على من ولاه الله امرنا ولتجنب الانصات او المشاركة فيما فيه اذى له ولعلماء هذه الامة فلولي الأمر حق خاص به كما يشمله وغيره من المؤمنين الحق العام الفارض على كل التزام ما حذرنا الله منه في قوله (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) اللهم ارزقنا اتباع نبينا محمد وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته واسقنا من حوضه وادخلنا شفاعته واجمعنا به في جنات النعيم مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم احفظنا بحفظك واحفظ لنا امننا وايماننا وسلمنا واسلامنا وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. عبدالله بن محمد بن سليمان اللحيدان مدير مركز الدعوة والارشاد بالدمام