تعد دول مجلس التعاون الخليجى أكبر قوة نفطية فى العالم، حيث تقدر احتياطاتها النفطية بنحو 474 مليار برميل ، ما يعادل 8ر45 بالمائة من اجمالى الاحتياطى العالمى، و تمتلك واحدا من أكبر احتياطيات الغاز بواقع 6ر25 تريليون متر مكعب، ما يمثل 5ر16 بالمائة من احتياطى الغاز. في الوقت الذي تعد فيه الصين أكبر سوق استهلاكي فى العالم يضم 20 بالمائة من سكان العالم، أمام الصادرات الخليجية من النفط والبتروكيماويات. وفي ظل هذا الواقع، بدت هناك ملامح تشير الى تنامي العلاقات الخليجية الصينية، نظرا الى ثقل هاتين القوتين على الساحة الاقتصادية الدولية. فهل ستعتبر دول الخليج الصين شريكا استيراتيجيا لمساندة جهودها الرامية لنقل التكنولوجيا وتنويع مصادر الدخل القومى ونمو التجارة الخارجية وتعزيز الاستفادة من امكاناتها الاستثمارية ؟ تشكل العلاقة النفطية لب التعاون الاقتصادى الخليجي الصيني، في ظل وجود تقديرات عالمية تؤكد ان 95 بالمائة من واردات شرق آسيا ومنها الصين سيأتى من الشرق الأوسط مع حلول عام 2020م. ويأتى ذلك بسبب أمرين أولهما تزايد الطلب الصينى على النفط فى ضوء الانتعاش الاقتصادى والنمو القوى الذى يحققه هذا الاقتصاد منذ بدء سياسة الاصلاح الاقتصادى فى التسعينات من القرن العشرين، والأمر الثانى تميز الدول الخليجية باحتياطيات ضخمة ومؤكدة تكفي لعقود طويلة، فيما ستتحول الدول المنتجة للنفط خارج المنطقة الخليجية وخاصة ماليزياوأندونيسيا الى دول مستوردة للنفط خلال السنوات القليلة المقبلة. الا ان دول مجلس التعاون الخليجى لم تتمكن حتى الآن من الاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية الى يتيحها الاقتصاد الصينى العملاق رغم ما بذلته من جهود فى السنوات الأخيرة، علما بأن من أهم المجالات والفرص المتاحة أمام الدول الخليجية العمل على تسويق المنتجات الخليجية ذات القدرات التنافسية العالية مثل البتروكيماويات والألومنيوم والحديد والصلب داخل السوق الصينية. وأكدت دراسة صادرة عن مركز الخليج للدراسات الاستيراتيجية ضرورة قيام المستثمرين الخليجيين بتوجيه جانب أكبر من رؤوس أموالهم الى الصين لما تملكه من قنوات استثمارية عديدة ومتنوعة تمكنها من اقامة مشروعات مشتركة فى مجالات عديدة. وذكرت الدراسة ان هناك زيادة مستمرة فى حجم المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجى والصين وان كانت تشهد تذبذبات واضحة تعود فى معظمها الى التقلبات التى تشهدها أسعار النفط فى السوق الدولية باعتباره المكون الرئيسى للصادرات الخليجية، في اشارة الى ان المبادلات التجارية الخليجية - الصينية ارتفعت من خمسة مليارات دولار عام 1995 الى 12ر10 مليار دولار عام 2000 قبل أن تتراجع الى 75ر9 مليار دولار عام 2001. ورأت الدراسة ان القاء نظرة تقييمية على العلاقات الاقتصادية الخليجية الصينية سيوضح انها مازالت دون الطموحات - رغم تطورها الايجابى ولا تتناسب مع ما يمتلكه الجانبان من امكانات اقتصادية كفيلة بدفع خطوات التنمية الاقتصادية فى تلك الدول النامية الى خطوات . وأضافت انه اذا كانت البلاد العربية احتلت المركز السابع بين أهم الشركاء التجاريين للصين عام 2000 فان دول مجلس التعاون الخليجى تعد الشريك الأول للصين بين الدول العربية، وذكرت ان التجارة الخليجية تصل الى أكثر من 66 بالمائة فى السنوات الثلاث الاخيرة من اجمالى التجارة العربية مع الصين حيث قفزت الى 15 مليار دولار خلال تلك الأعوام وتعد المملكة الشريك التجاري الأول للصين بين الدول العربية والخليج. يذكر أن حجم الناتج المحلى الاجمالى للصين يصل إلى نحو تريليون دولار أى ما يشكل نحو 4 بالمائة من الناتج العالمى و 10 بالمائة من حجم الاقتصاد الأمريكى ، وفي ضوء النمو الاقتصادى الهائل الذى يحققه الاقتصاد الصينى والذى يتجاوز 8 بالمائة سنويا فمن المتوقع أن يحقق قفزات خلال الأربعين عاما القادمة متفوقا على الاقتصاد الأمريكى ، كما أن الصين تشكل رابع أكبر قوة تجارية فى العالم فى السلع والخدمات بعد الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة واليابان بعدما ارتفعت قيمة صادراتها خلال عام 2001 الى 2ر266 مليار دولار بنسبة 70 بالمائة أى ما يمثل 6ر5 بالمائة من الاجمالى العالمي. وبذلك فقد حققت دول المجلس مجتمعة أمام هذه التطورات فى المبادلات التجارية فائضا فى ميزانها التجاري مع الصين بلغ خلال عامي 2000 و2001 أكثر من 76ر2 مليار دولار و61ر1 مليار دولار على التوالى مقارنة بعجز مقداره 7ر621 مليون دولار 1999. وعن الصادرات الصينية الى دول مجلس التعاون الخليجى لاحظت الدراسة أنها شهدت ارتفاعات متتالية من حيث القيمة والكمية من 6ر2 مليار دولار عام 1999 الى 67ر3 مليار دولار عام 2000 أى بنسبة نمو قدرها 9ر40 بالمائة ثم الى 70ر4 مليار دولار عام 2001 بنسبة بلغت 7ر10 بالمائة . وقالت ان دول مجلس التعاون الخليجى عموما تستحوذ على أكثر من نصف الصادرات الصينية الموجهة الى المنطقة العربية بنسبة بلغت 4ر52 بالمائة و 7ر57 بالمائة و5ر56 بالمائة خلال الأعوام المذكورة على التوالي. وتعد الامارات بما تتمتع به من قوة شرائية مرتفعة أكبر الدول الخليجية استيرادا للسلع والمنتجات الصينية حيث حصلت بمفردها على نسب تقترب من 60 بالمائة من مجموع الصادرات الصينية الى دول المجلس خلال السنوات الثلاث الأخيرة تليها السعودية ثم الكويت وعمان وقطر على التوالى . وعلى الجانب الآخر حققت الصادرات الخليجية الى الصين ارتفاعا بنسبة 7ر6 بالمائة عام 1999 حيث وصلت قيمتها الى 989ر1 مليار دولار ثم شهدت قفزة هائلة خلال عام 2000 بنسبة نمو تجاوزت 223 بالمائة فوصلت الى 44ر6 مليار دولار الا أنها انخفضت بنسبة 8ر11 عام لتبلغ 68ر5 مليار دولار. ورأت الدراسة أن الصين يمكن أن تعطى الفرصة للاستثمارات الخليجية للتوسع، مشيرة الى أن الصين تعد ثانى أكبر جهة متلقية للاستثمارات فى العالم، وقد لعبت صناعة النفط دورا محوريا فى تشكيل طبيعة العلاقات الاقتصادية القائمة بين دول التعاون الخليجى التى تمتلك الامكانات النفطية والمالية الهائلة. وركزت الدراسة على أن هذه العلاقات انتقلت الى مراحل متقدمة نتيجة لتحول الصين من دولة تنتج النفط بصفة أساسية لتلبية حاجة سوقها المحلى الى دولة مستوردة للنفط للمرة الأولى منذ عام 1993، وذكرت الدراسة أن التقديرات تشير الى تزايد الاعتماد الصينى على النفط العربى الخليجي والذى مثل حوالى 51 بالمائة من اجمالى واردات الصين النفطية من العالم الخارجى والباقى يأتي من أندونيسياوماليزيا.