تناول بيتر ساذر لاند رئيس مجلس ادارة شركة بريتش بتروليوم ورئيس مجلس ادارة شركة جولدمان ساكس انترناشونال، في محاضرة حملت عنوان: ازالة الحواجز التجارية: العالم العربي، جبهة اقتصادية موحدة التطورات التي احدثتها توجهات تحرير التجارة العالميةواستحداث آلية يحكمها القانون تحت مظلة اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيث تطرق الى كيفية تحقيق المنطقة العربية للاستفادة المنشودة من وراء ظاهرة العولمة مع تقليص آثارها السلبية اضافة الى استعراض ايجابيات وسلبيات تكوين (تكتل اقتصادي) او (سوق موحدة) بما يعزز الموقف التنافسي للمنطقة العربية في عصر الاقتصاد العالمي الجديد. ويبدأ ساذرلاند حديثه بالقول: ان هذا الجهد مطلوب في عصر بات فيه من الصعب الوصول الى مستقبل اقتصادي سليم يضمن الرخاء لاصحابه، مستشهدا بالطفرة الاقتصادية التي شهدتها منطقة جنوب شرق آسيا والتي يصفها المحللون بانها (معجزة اقتصادية) يصعب فهم معطياتها فهما دقيقا، الا انه على الرغم من هذاالغموض الذي يحيط بتلك الظاهرة اكد على وجود عنصرين أساسيين في عملية التنمية الاقتصادية هما اولا الانفتاح على التجارة والاستثمارات الدولية وثانيا ايجاد سياسات اقتصادية محلية مشجعة للاستثمار. التحديات الاقتصادية امام الدول العربية وقد حاول المتحدث تلخيص المشكلات التي تواجه المنطقة العربية على الصعيد الاقتصادي وقال ان ابرز تلك التحديات يكمن في ضعف معدلات التنمية خلال الفترة الماضية حيث عقد مقارنة بين الاقتصاد المصري واقتصاد كوريا الجنوبية وقال ان متوسط الدخل الفردي في مصر خلال عقد الخمسينيات كان يوازي متوسط الدخل الفردي في كوريا الجنوبية اما الآن فان الفارق اصبح في صالح كورياا لجنوبية حيث اصبح متوسط دخل الفرد هناك يوازي خمسة اضعاف متوسط دخل الفرد المصري وقال ان معدل النمو الاقتصادي في منطقة جنوب شرق آسيا قد تراوح حول معدل 4ر7% خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية مقارنة بمعدل 3ر3% لمجمل الدول العربية مجتمعة. وضرب رئيس مجلس ادارة شركة بريتش بتروليوم مثالا بانخفاض معدلات تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة على المنطقة كأحد الدلائل المبرهنة على ضعف الاداء الاقتصادي العربي وقال ان غياب تلك الاستثمارات يشكل مصدرا للقلق في ظل وجود تيارين احدهما يدفع بمسئولية رؤوس الاموال الاجنبية عن حالة التردي التي تعاني منها اقتصادات الدول الفقيرة والآخر تيار قومي يرفض تواجد رأس المال الاجنبي وشغله حيزا من اقتصاده حيث اعرب المتحدث عن اعتقاده بان العراقيل التي تواجه التدفقات الاستثمارية الاجنبية تمثل العائق الاكبر امام جهود التنمية الاقتصادية في المنطقة. وقال بيتر ساذرلاند ان اهمية الاستثمارات الاجنبية المباشرة لا تنحصر فحسب في قيمتها المباشرة في تقديم مورد اضافي لرأس المال ولكنها تمتد ايضا الى آثار قد لا تكون ملحوظة ولكنها على قدر كبير من الأهمية مشيرا الى دخول الاستثمارات الدولية متعددة الجنسيات الى دول المنطقة يتيح لها فرصة نقل المعرفة كما يفتح امامها فرصا غير مسبوقة للوصول الى اسواق عالمية جديدة وهما فائدتان جوهريتان في اقامة بناء الاقتصاد العالمي الجديد. واوضح ان المنطقة العربية لم تنجح في تحقيق استفادة حقيقية من طفرة الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي بدأت منذ عقد الثمانينيات وقال انه في الوقت الذي حققت فيه بعض دول شمال القارة الافريقية تحسنا نسبيا في استقطاب تلك الاستثمارات مؤخرا، الا ان الصورة العامة في المنطقة تبقى بعيدة عن الاهداف المنشودة حيث انخفض نصيب المنطقة العربية ككل من التدفقات الاستثمارية المباشرة الى اقل من مليار دولار على الرغم من ان حجم سكان المنطقة يكاد يضاهي حجم سكان القارة الاوروبية مجتمعة. والمح المتحدث الى اهمية دور الاصلاح الاقتصادي في احداث تغير نوعي نحو استقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة وضرب مثالا بالصين التي نجحت في استقطاب اكثر من 2ر5 مليار دولار خلال العام 2002 حيث ارجع ساذرلاند هذا النجاح الكبير الى اصلاح الصين لنظامها الاقتصادي بما في ذلك انضمامها الى منظمة التجارة العالمية حيث اسهم اصلاح القواعد والنظم الاستثمارية في زيادة معدل تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة على الصين الى اكثر من 50% سنويا. الانفتاح التجاري وشدد بيتر ساذرلاند على اهمية عنصر الانفتاح على التجارة العالمية وقال ان هذاالعنصر كان له الاثر الاكبر خلال العقد الماضي في دفع عجلة النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر في العديد من دول العالم من بينها الصين واوغندا وفيتنام حيث ساعد الانخراط السريع لتلك الدول في النظام التجاري العالمي على تحقيق اسرع معدلات النمو وتقليص لمساحة الفقر، في حين نفى الرأي القائل بان الدورات العديدة التي شهدها العالم في مجال تحرير التجارة لم تأت بنفع يذكر على الدول النامية بينما تركزت منافعه على اثراء العالم المتقدم وقال ان النصيب التجاري للدول التي تبنت توجهات وسياسات العولمة قد زاد زيادة ملحوظة. وقال المتحدث ان توجهات تحرير التجارة العالمية تواجه منعطفا خطيرا مع وجود العديد من التحديات حيث اعرب عن امله في ان تفلح الجولة المقبلة من محادثات تحرير التجارة العالمية في الدوحة في ايجاد حلول للمسائل المعلقة متمنيا ان يساعد الاتحاد الاوروبي على تحقيق ذلك من خلال التوصل الى قرار مبكر بخصوص اجراءات الاصلاح الزراعي. اتفاقات التجارة الاقليمية والتعددية واكد ساذرلاند على اهمية دور اتفاقات الاقليمية والثنائية لتحرير التجارة ولكنه نبه الى ان تلك الاتفاقات لاتعوض عن الاتفاقات متعددة الاطراف حيث ان الاولى لاتوفر فرص الاستفادة التي من الممكن الوصول اليها من خلال الاطار التعددي كما نبه الى الكلفة الناجمة عن تعديل الاوضاع الاقتصادية بما يتواكب مع توجهات تحرير التجارة والناجمة عن تضرر بعض الفئات مع انتقالها من ظل الاجراءات الحمائية القوية الى ساحة المنافسة العالمية المفتوحة. وقال انه من الخطأ بمكان ان تعتقد بعض الدول الفقيرة ان تراجعها عن الانضمام الى اتفاقية التجارة العالمية الحرة قد يفيدها استنادا الى ذريعة مؤداها ان انضمامها الى هذه الاتفاقية لن يكون مصدر فائدة لها معربا عن قناعته بان عزوف بعض الدول عن اتخاذ مثل هذه الخطوة قد يكون احد المسببات الرئيسية في تراجع معدلات التنمية بها. من ناحية اخرى المح الى الاثر المحتمل لاتفاقات تحرير التجارة الاقليمية في اعاقة عملية تحرير التجارة على المستوى متعدد الاطراف وقال ان مثل تلك الاتفاقات الاقليمية قد يكون من شأنها اقامة حواجز حمائية امام التدفق التجاري القادم من خارج دول الاقليم مشيرا الى ان تلك الظاهرة بدت ملامحها في دول الاتحاد الاوروبي نتيجة للعقلية الاوروبية الحمائية. وتطرق السيد بيتر ساذرلاند الى اتفاقات تحرير التجارة الثنائية والاقليمية داخل المنطقة العربية التي دفع بعدم تحقيقها لاية نتائج اقتصادية كبيرة خلال الفترة السابقة وذلك مع تدني مستوى التبادل التجاري العربي العربي مقارنة بمستوى الناتج الاجمالي المحلي لدول المنطقة مشيرا الى تمسك العديد من دول المنطقة بفرض رسوم جمركية كبيرة وحواجز اخرى متعددة تحول دون تحقيق معدلات التبادل التجاري القوية المنشودة. السياسات الداخلية السليمة ولفت ساذرلاند الى ضرورة الجمع بين الانفتاح على الخارج والاهتمام بوضع سياسات اقتصادية في الداخل وقال ان العنصرين سويا يشكلان وصفة النجاح وقال ان تجربة الازمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدها العالم في عامي 1997 1998 خير دليل على الاثر السلبي للانجراف مع تيار النمو الخارجي واهمال السياسات الداخلية. وقال المتحدث ان ظاهرة التكافل الاجتماعي تلعب دورا هاما في تعزيز جهود اصلاح الهيكل الاقتصادي الداخلي في المنطقة حيث تساعد تلك الظاهرة على تخفيف حدة الفقر وتفاوت الدخل بين طبقات المجتمع واشار الى ان غياب هذا البعد الاجتماعي، ودعم الطبقات الكادحة سواء من قبل الحكومات او المؤسسات الخيرية، كان سببا رئيسيا في فداحة اثر الازمة الاقتصادية في آسيا. وتطرق بيتر ساذرلاند، رئيس مجلس ادارة شركة بريتش بتروليوم ورئيس مجلس ادارة شركة جولدمان ساكس انترناشونال، الى اهمية دور الحكومات في توفير البنية الأساسية التي تتعدى مجرد اقامة الطرق والجسور وشبكات الكهرباء الى ابعاد اعمق من ذلك وتحديدا الى اقامة البنية الاساسية للاتصالات، وقال ان مدينة دبي للانترنت تعتبر خير مثال على هذا الجهد الحكومي المنشود في مجال توفير البنية الاساسية التقنية راقية المستوى وخدمات الدعم اللازمة لها الامر الذي كان له انعكاسه في استقاب مجموعة من اكبر الاسماء العالمية لاقامة مقارها الاقليمية بالمدينة. واشار الى حاجة الحكومات العربية الى الاستثمار في اعداد الكوادر البشرية المدربة والمتعلمة وقال ان العالم العربي يعاني من ارتفاع معدلات الامية وانحصار فرص التعليم الثانوي في الوقت الذي باتت فيه عملية التنمية الاقتصادية تعتمد اعتمادا كبيرا على الاستثمار في العنصر البشري مشيرا الى ان العائدات الاجتماعية لهذا النوع من الاستثمار تفوق الفائدة العائدة على الافراد انفسهم في الوصول الى رواتب افضل. وطالب بيتر ساذرلاند الحكومات العربية بالعمل على تحسين ممارساتها الادارية وانظمتها القانونية كما طالبها باتخاذ خطوات مباشرة في اتجاه رفع كفاءة الخدمات التي تقدمها وايجاد المحفزات اللازمة لذلك والقيام بالاصلاحات الضرورية في اتجاه اتاحة فرص اكبر لمشاركة القطاع الخاص لما له من قدرة على الابتكار والتجديد وخلق الثروات. وتناول المتحدث خلال طرحه المفصل موضوع التكتلات الاقتصادية مشيرا الى تقرير الاممالمتحدة حول الاوضاع الاقتصادية في العالم العربي الذي اوضح صغر حجم معظم اقتصادات المنطقة بما يقلل فرصها في تحقيق نمو سريع الامر الذي يجعل من اقامة تكتل اقتصادي عربي مطلبا ملحا وقال ان مشروع اقامة (منطقة حرة للتجارة العربية) قد يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو اقامة تكتل اقتصادي عربي يخدم تطلعات التنمية والتطوير.