قتل ابن لادن.. لكن لم تقتل القاعدة.. هذه هي مواقف المحللين والمراقبين سواء كانوا من الخبراء السياسيين المتابعين لرحلة التنظيم الذى بني منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى، أو من الخبراء العسكريين الذين زاروا أفغانستانوباكستان أو حتى متخصصين التقوا بقيادات من التنظيم، فضلاً عن قادة الحركات الاسلامية. ويقول اللواء عادل سليمان مدير مركز الدراسات الدولية والمستقبلية في القاهرة والذى زار أفغانستان قبل شهور قليلة، إن القاعدة تعتبره فكرة أكثر منها تنظيماً، وعليه فإن مستقبل التنظيم يتوقف على الحاجة الفكرية له بعد عملية اغتيال ابن لادن، فدائماً الافكار أياً كانت ايجابية أو سلبية تبدو مرتبطة بشخص لديه من الزعامة الكبيرة أو الكاريزما، ما يعطي لها نوعاً من الزخم الكبير او الالهام للأشخاص المحيطين به، وفي حالة القاعدة فإن هذا الفكر أو الالهام تبلور الزخم فيه حول الجهاديين المقرّبين من ابن لادن، ثم يبثون تلك الحالة من الزخم أو الالهام لدى المجندين حولهم في التنظيم مركزياً أو الفروع التابعة له. ويضيف اللواء سليمان: من الصحيح أن ابن لادن كان يمثل الاسطورة من منطلق الكاريزما الخاصة به والتي من المؤكد أنها زادت خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وما تبعها من رد فعل أمريكي سواء بالحرب على أفغانستان مباشرة والتى لم تنتهِ حتى اليوم، أو الحرب التي شنتها على العراق والتى خلفت وراءها ابن لادن آخر، ربما كان هو الوحيد من منظمات القاعدة المرتبط بالتنظيم مركزياً. تنظيمات فرعية التسجيلات التي كانت تبث ل"ابن لادن" من فترة لأخرى عبر مؤسسة السحاب الاعلامية كانت بمثابة الحالة الخاصة لروح التنظيم والتى أسبغت عليه فكرة القدرة أيضا في الاستمرار، ويعتبر سليمان أن زوال هذا الرمز وغياب تلك الروح ستكون له تداعياته السلبية بالتأكيد على التنظيم وفروعه. أما عن دور التنظيمات الفرعية في مواصلة المشوار بعد ابن لادن عبر امكانية التواصل بينها يرى سليمان أن تلك الفروع هى مجرد علامة مسجّلة، وقد تكون هناك محاولات للاتصال بينها مستقبلاً، لكن لم يثبت أنه كان هناك ارتباط عضوي في السابق يسمح بذلك. أما عن فكرة من سيخلف ابن لادن فمن المؤكد أن الظواهري هو أول الشخصيات المعروف أنها ستخلفه، وكل الشواهد تقول ذلك، كما يقول سليمان، فهو كان مساعده وذراعه اليمنى، وعمل الى جواره لسنوات ليس كقيادي فقط ولكن كمفكر أيضاً، ولكن من المتوقع أن قيادة الظواهري ستعمل وفقاً لنظرية القصور الذاتي. فمن المتصور أن تتحوّل القاعدة في السنوات القادمة إلى تجرية محدودة القوة، ويمكن أن نشبهها على سبيل المثال بالتجربة القومية التى دشّنها الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر في حين أن الفكرة الناصرية حدث لها انحصار كبير من بعده. قادة التنظيم في السياق ذاته يقول علي بكر الخبير في شئون الحركات الاسلامية فى مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والذي التقى بالعديد من قادة التنظيم ومنظّريه في افغانستان والجزائر واليمن وباكستان – رفض ذكر اسم اي منهم – يقول إنه يجب التأكيد على أن التنظيم وجّهت له ضربة قوية من التحالف الدولي والولاياتالمتحدةالامريكية تحديداً بعد أحداث سبتمبر 2001، وكانت أكثر تلك الضربات قسوة والتى شتت قادة التنظيم وحطمت الكثير من محاوره هي معارك تورا بورا، كما ساهمت معظم أجهزة الاستخبارات من بعدها فى تقطيع كافة وسائل الاتصال التى يمكن ان تربط التنظيم من خلال الشبكات التى كانت تقوم بها القاعدة، وأدى ذلك فيما بعد إلى ظهور نماذج قاعدة وهي فروع تحاول أن تستلهم فكر القاعدة الاصلية أو التنظيم المركزي فقط. ويضيف بكر حول مستقبل التنظيم بعد ابن لادن، اصيب فى مقتل، وضعف على ضعفه، فالرجل لم يكن الرمز فقط لكنه كان أكثر من هذا بالنسبة للتنظيم ورجاله، وبعده من المتوقع أن يقود الظواهري التنظيم. ويرى بكر أن الظواهري هو الآخر يتمتع بكاريزما، وإن كانت مختلفة عن ابن لادن، لكنه من الممكن بخبرته التى سبقت ابن لادن فى مجال العمل الجهادي بأكثر من عقد من الزمن، وهي خبرة حركية وفكرية من الممكن أن تساهم في محاولة استيقاظ التنظيم، وهذا هو سيناريو محتمل، ولكن من المؤكد انه لن يكون شكل قمة الهرم المركزي هو نفسه الشكل الذي كان موجوداً حينما كان ابن لادن على قمة هرم التنظيم. واذا توافرت للظواهري تلك الإمكانات فمن المؤكد أنه سيقود ضربات نوعية ضد اهداف أمريكية وفي عواصم أوروبية وفي منطقة الشرق الاوسط، وبعد أن اصبح المطلوب رقم واحد فى العالم، سيكون هو رقم واحد في التنظيم من كل شيء، إلا أن ذلك السيناريو يقابله سيناريو آخر هو احتمال أن يكون هناك طرف آخر أشد رغبة فى الانتقام ل"ابن لادن" هو طالبان افغانستان وطالبان باكستان، أكثر من الافغان العرب، والتى لا تنسى أن ابن لادن قائد مسلم قتله الكفار فى غزوة كما يرون. وهو السيناريو الاقوى من سيناريو التوحيد وإعادة تنظيم الصفوف، إذ كان الظواهرى من قبل وهو الرجل الثانى لم يكن ليمنعه شيء فى هذا السياق من توحيد الفروع واعادة هيكلة التنظيم، بل على العكس قطع نفس التنظيم فى العديد من الاماكن وأصبحت مطاردة من كل مخابرات العالم وحكوماتها، ووضعها فى العراق واضح بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي أو بعد الضربات التي وجّهت له فى شمال افريقيا خاصة مالي وتشاد وموريتانيا. ثلاث إشكاليات سوف تواجه التنظيم بعد ابن لادن هكذا يقول الدكتور طارق فهمي الخبير في المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط، يمكن أن تبدأ أولاها بالتنظيمات الفرعية التي تنتمي الى فكر القاعدة والتى لديها برامج محلية ولديها آليات التنظيم لكن لا يوجد بينها وبين التنظيمات الاخرى أي روابط. والاشكالية الثانية تتعلق بقيادات الصف الثاني في قمة الهرم المركزي في تنظيم مثل الظواهري الذي يعتقد على نطاق واسع انه سيخلف ابن لادن فى القيادة والزعامة، والمهام التي ستوكل الى هذه الفروع في المرحلة المقبلة بعد اختفاء الرمز سواء كانت هذه المهام طويلة الامد أو قصيرة الامد. الصعب الحديث لكن ما يمكن الاشارة اليه أننا بصدد ما يمكن تسميته بإعادة تصويب مسار القاعدة، فهناك تيار في الحركة وهو التيار النخبوي في الحركة من قيادات مصرية وافغانية حريصة على توجيه المسار وتشكيل وحدة في المنظومة الدولية واعادة توجيه ضربات خاصة فى الولاياتالمتحدةالامريكية. ومن ثم سيكون من الصعب الحديث عن تجميد نشاط التنظيم بل إعادة رؤية تأخذ في اعتبارها وضع أماكن متعدّدة كهدف لها من ناحية وتوحيد أهداف متنوعة من ناحية اخرى في اطار ما يمكن تسميته بالقاعدة الجديدة انطلاقاً من توحيد الصف والمهام. وفيما يتعلق بمصادر التمويل يمكن القول إنه سيكون من الصعب تجفيفها هي الاخرى على اعتبار عملية الانتشار والاختفاء هناك نحو 96 دولة تتحرّك فيها مصادر تمويل للتنظيم وجزء مركزي منها فى منطقة الشرق الاوسط التى ستكون محل اعادة تخطيط استراتيجي على مستوى التمويل ايضا. ومن المهم القول إن محيط منطقة الشرق الوسط سيكون الهدف الرئيسي أولا للتنظيم، خط الحدود الإسرائيلية على طوله سيكون هدفاً، لأن هناك ارتباطاً فرعياً لقواعد فرعية للتنظيم لدى جماعات جهادية فلسطينية فى قطاع غزة منها اربعة تنظيمات معروفة.. فضلاً عن مزيد من محاولات تتبع مسارات التمويل، وهو ما سيخلق حالة من السجال بين قوى محاربة ما يسمى الإرهاب والقاعدة فى ثوبها الجديد بعد ابن لادن. ان تنظيم القاعدة يعتمد اسلوب اللامركزية فى اتخاذ القرار ولا يعتمد على مجلس شورى القاعدة المسئول عن إقرار الخطط واتخاذ القرارات اتخاذ القرار من جانبه يؤكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني والاستراتيجي مدير مركز دراسات الجمهورية بالقاهرة أن الناحية العملية والإستراتيجية لتنظيم القاعدة لن تتأثر بمقتل اسامة بن لادن بل ستزداد عدوانية وشراسة أكثر من أى وقت مضى، مشيراً إلى أن واقع الأمر يؤكد أن تنظيم القاعدة كان يُدار فى السنوات القليلة الماضية من قبل الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري، وليس من قبل ابن لادن وذلك بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بمرض الفشل الكلوي. واضاف اللواء سيف اليزل ان تنظيم القاعدة يعتمد اسلوب اللامركزية فى اتخاذ القرار ولا يعتمد على مجلس شورى القاعدة المسئول عن اقرار الخطط واتخاذ القرارات بل يعتمد على القادة الجدد المحليين المرتبطين بالخلايا النائمة فى اطار الهيكل الاستراتيجى للتنظيم وهذا يؤكد ان تنظيم القاعدة يمثل خطراً كبيراً على الدول التى يستهدفها هذا بعملياته لأن اختيار القائد المحلي هو الوحيد الذى يتخذ توقيت وكيفية تنفيذ العمليات الارهابية كيفما يشاء دون الرجوع الى القيادة الرئيسية. واشار اللواء سيف اليزل الى ان أعضاء تنظيم القاعدة سيعمدون خلال الفترة المقبلة على الثأر لمقتل زعيم التنظيم الروحي اسامة بن لادن ليثبتوا للعالم أجمع عدم توقف عمليات التنظيم أو زواله بمقتل ابن لادن. وأكد اللواء فؤاد علام الخبير الأمني والاستراتيجي نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق أن تنظيم القاعدة سيصبح أكثر شراسة عقب مقتل زعيمه الروحي أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية. الزعيم الروحي أما اللواء فؤاد علام الخبير الأمني والاستراتيجي وكيل جهاز مباحث امن الدولة الاسبق في مصر فقد اكد أن مقتل اسامة بن لادن سيحدث تأثيراً كبيراً فى سياسة الحركات الإسلامية خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى العديد من التنظيمات المنتشرة فى جميع بقاع العالم، خاصة الدول العربية التي تتخذ من أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة مرجعية أساسية فى أنشطتها المختلفة ستصبح اكثر شراسة مؤكدا أن مقتل اسامة بن لادن على ايدي القوات الامريكية سيكون له رد فعل عنيف من قبل تلك التنظيمات ضد المصالح الأمريكية في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط. ومن جانبه اكد الدكتور حسن ابو طالب الخبير الاستراتيجي ومدير معهد الاهرام الاقليمي للصحافة بمؤسسة الاهرام: ان مقتل الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة اسامة بن لادن على ايدى القوات الامريكية سيؤدى الى ان التطور العملياتى لتنظيم القاعدة خاصة ما يتعلق بالمواجهة مع الولاياتالمتحدةالامريكية سيزداد خلال الفترة المقبلة اذ ان التنظيم لن يتخلى عن سياسته فى القيام بأى عمل يكون موجهاً ضد المصالح الامريكية وربما فى العمق الامريكي نفسه وبحيث يؤكد اليد الطولى للقاعدة رغم التفوّق التقني الهائل الذى تمتلكه الولاياتالمتحدة ليؤكد ان التنظيم لم يمت وانه على عهده فى توجيه الضربات للولايات المتحدةالامريكية فضلاً عن استمرار اولوية منازلة الامريكيين على أى ارض عربية او اسلامية. ومن جانبه يقول الباحث والخبير الاستراتيجى الدكتور عبد الرحيم علي فى تعليقه: ربما تشهد الايام القادمة شكلاً جديداً للقاعدة وتواجداً اكبر فى الكثير من عواصم العالم وايجاد خلايا عديدة تتحرك فى جميع انحاء العالم وفق توجيهات عامة هدفها الرئيسى الحاق الاذى بكل اطياف واعضاء وحلفاء ابن لادن وتنظيم القاعدة من الصليبيين والامريكيين والغربيين. اما الدكتور عبد الرحيم علي فيقول: يخطئ من يظن أن تنظيم القاعدة سيضعف او ينهار بعد مقتل ابن لادن، فالتنظيم ينمو نمواً ملحوظاً تتسع دائرة تواجده فى مناطق كثيرة من العالم.