نعمة ونقمة .. ترى ما هذه النعمة التي قد تنقلب لتصبح نقمة؟ إنها آلة صغيرة في جسد ابن آم ولكنها قد تكون سببا في ان يهوى بها في نار جهنم والعياذ بالله. قال صلى الله عليه وسلم :( ان الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا فيهوى بها سبعين خريفا في النار) وفي رواية ( ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه الى يوم القيامة , ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه الى يوم القيامة) انه اللسان .. ترجمان القلب , جرمه صغير وخطره عظيم تساهل الخلق في الاحتراز من آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله. حول أهمية حفظ اللسان وخطر الشائعات تحدثت المشرفة التربوية نورة المالكي مشرفة وحدة التربوية الإسلامية بمكتب الإشراف التربوي بالخبر فقالت: اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه ولا يستبين الكفر من الإيمان الا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان. وقد تساهل الخلق في الاحتزار من آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله مع أنه أعظم للشيطان في استغواء الانسان وقد قال تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون) (المؤمنون 1 3) الدعوة الى حفظ اللسان قال تعالى ( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) (ق:18) وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الأخر , فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه. وقال معاذ بن جبل للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار .. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسالم بلسانه فقال : (تكف عليك هذا) قلت:0 يا نبي الله ! وإنا مؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال ( ثكلتك أمك يا معاذ ! هل يكب الناس , على وجوههم في النار , الا حصائد السنتهم ؟) والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته فإن الانسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع , فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة , ومن زرع شرا من قول او عمل حصد الندامة.. وكان ابن مسعود رضي الله عنه : يحلف بالله الذي لا إله الا هو ما على الأرض شيء أحوج الى طول سجن من اللسان , صحيح الترغيب والترهيب. وللسان آفات كثيرة ومنها ما سنتطرق اليه في لقائنا هذا وهو الاشاعة فماذا تحدثنا الاستاذة نورة عن الاشاعة ؟ تقول هي نشر الأخبار والشائعات بدون تثبت ولا علم. وبعض الناس يوجدها لأغراض خبيثة ويتناقلها بعض الناس بحسن النية دون التثبت من صحتها, ودون التحقق من صدقها. والإشاعة في أغلب الأحيان هي تضخيم للاخبار الصغيرة واظهارها بصورة تختلف عن صورتها الحقيقة. وتبدأ الشائعات عادة بكلمة صغيرة ثم يزيدها الناس من هنا وهناك حتى تتصاعد بسرعة الى عنان السماء. ومن اين تتولد الاشاعة عادة؟ قالت الأخت نورة من ايجاد خبر ليس له أساس من الصحة. او تلفيق خبر لجزء فيه نصيب من الصحة او المبالغة الجسيمة في نقل خبر ينطوي على بعض الصحة. نماذج الشائعات أضافت ان التاريخ الإسلامي مليء بالحوادث والأخبار التي ظهرت فيها الآثار السلبية للشائعات ومنها: (حادثة الإفك المشهورة) حيث كانت تلك الفرية الآثمة التي اشاعها بعض المنافقين , ورددها بعض المؤمنين بدون تورع او تثبت وهي من أثقل ما مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وصحبه رضوان الله عليهم. وقد أنزل الله عز وجل في ذلك آيات تتلى الى قيام الساعة , واستعراض تلك الآيات بتدبر وخشوع , يرسم لنا منهجا محكما في السلوك الإسلامي القويم , وفي كيفية التعامل مع الإشاعات التي تنتشر بين الناس. أسباب انتشار الشائعات وعن أسباب انتشار الشائعات قالت نورة المالكي: إن أسباب انتشار الشائعات كثيرة منها: فصاحة قول المشيع وحسن منطقه واجادته في عرض الشائعة. كون المشيع ممن تميل اليه قلوب سامعيه إما بسبب الصحبة او التخريب او غيرها وهذا يمنع السامع من البحث أو النظر فيما ينقل اليه. موافقة الخبر هوى في نفس السامع كأن يرى في هذا الخبر انتصارا لنفسه وفئته , او تقليلا من قدر الفئات الأخرى. ان ينطوي موضوع الشائعة على شيء من الأهمية بالنسبة للمتحدث والمستمع. ان تتسم الوقائع الحقيقة بشيء من الغموض. الفراغ : حيث يشغل الفارغون البطالون اوقاتهم بالقيل والقال ويصبح جل همهم البحث والتنقيب في احوال الناس. دوافع الإشاعة: 1 سوء التربية: حيث ينشأ الطفل في بيئة تعودت ان تردد اخبارا تقدم لها بهذه المقدمة. 2 الذاكرة الانسانية: فهي لا تحتفظ بصور الاشياء كاملة وتفاصيل الأمور والأحداث الى آماد طويلة. 3 عجلة الانسان وتلهفة على الأمور. 4 الحقد والانانية على المنافسين و الخصوم. ومن هذا الصنف الطلبة الفاشلون في امتحاناتهم يلجأ الكثير منهم الى رشق المدرسين والطلبة الآخرين بالتآمر والخيانة والمحاباة تبريرا لفشلهم وعلى اية حال فإن الدوافع وراء الإشاعات عديدة يصعب حصرها وإنما هذا بعضا منها. المنهج الشرعي لتقلي الأخبار أولا: التثبت في الأخبار: ونحن في هذا العصر بحاجة الى احياء هذا المنهاج لكي يتضح الطريق أولا/الأمر بالتثبت جاء الأمر بالتثبت في قبول الأخبار في آية عظيمة من كتاب الله عز وجل قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات :6) ثانيا/ حسن الظن: سوء الظن يجعل الانسان يتجه اتجاها مغايرا لما أراده الناس , ويقوم بتفسير الكلمات والوقائع والأخبار بناء على خلفيات نفسية مبيتة قال تعالى محذرا من هذا الخلق:( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم) (الحجرات:12) خلاصة القول في موضوع الإشاعة فلابد من التنبة الى أن الأخبار التي تصل الينا إذا لمحنا فيها ظاهرة الإشاعة وعدم التحقق فيجب علينا ان نتوقف عن تصديقها وإذا ثبت لنا صدقها توقفنا في إشاعتها ونشرها بين الملأ. لعدم المصلحة من ذلك .. وما أروع الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى حين يقول: كلام الأقران بعضه في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك انه لعداوة او لمذهب او لحسد و وما ينجو منه الا من عصمه الله , وما علمت ان عصرا من الأعصار سلم اهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ولو شئت لسردت من ذلك كراريس) ولا نغفل اهمية التربية ودورها في حفظ الألسن فتنفيه القلب من الغل والحقد يحتاج الى ترويض وتربية للنفس وطول مجاهده ومراقبة .. وأن من أعظم ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من أدران الفساد , تعلقها بالله سبحانه وتعالى , وتلاوة كتابه الذي انزله نورا ورحمة لعباده المؤمنين. قال تعالى :( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا) (الإسراء : 82) وأشير أخيرا الى ان ما تقدم لا يعني النهي عن تصحيح الاخطاء والتنبيه عليها , وتقويم الاراء والتوجهات , فلا بد من ذلك , ولكن بالضوابط الشرعية المقررة من التزام الأدب والانصاف واللين. وما احوجنا الى الحوار العلمي الهادئ بدلا من تقاذف التهم , وحينما يفقد الانسان لسان المنطق والاقناع فإنه يلجأ الى لسان التشهير والتقريع. قال عبد الله بن المبارك: ( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خصال: فقها في الدين , وزهادة في الدنيا , وبصرا بعيوبه)