لا أعتقد أن أحداً من متابعي قد نسى ما جاء في الجزء الأول من هذا الموضوع.. ولأولئك الذين نسوا أو لم يقرأوه أذكرهم عن تخيلنا بإنشاء عدة مدن تحمل ألقاباً مختلفة.. من ضمنها مدينة خاصة بالكذابين.. وكيف أن المهندس والمتخصص بإنشاء هذه المدن الخيالية والتي يقوم في شغل وقته الزائد بوظيفة " طبيب نفساني" والذي أجاب على فضوليتي بمعرفة الكذاب من الصادق. قال المهندس: صفات الكذاب ومواصفاته وتعريفاته وشخصيته معروفة عند الجميع وبخاصة عند الكذابين من أمثاله والصادقين على حد سواء.. والكذاب يستخدم ألفاظاً وعبارات وكلمات تفضحه دائماً.. وحبل الكذب كما يقال.. قصير.. وهناك حكمه قديمه تقول: يستطيع الكذاب أن يكذب على شخص واحد أكثر من مرة.. ويستطيع أن يكذب على جميع الناس كذبة واحدة ولكنه لا يستطيع أن يكذب على كل الناس كل المرات".. فقلت له: ولكنك لم تخبرني كيف أميز الكاذب من الصادق؟.. قال: اسمع يا دكتور.. الكذاب يتحدث دائماً عن نفسه.. هو صنع هذا.. وعمل ذاك.. وحقق هذه.. وأشترى تلك.. والتقى مع ذلك.. ويصور لك أنه نابليون بونابرت أو أنشتاين.. والمشكلة أن الكذاب يكذب الكذبة وهو أول من يصدق وهذا يذكرني بمعجزة الفكاهة العربية السيد جحا والذي ذاع صيته في التاريخ القديم والجديد.. وتحضرني هنا إحدى قفشاته حينما مر بمنزل أحد الأصدقاء وكانت رائحة (المندي) تفوح في المنزل فطرق بابه وقال له: أنا أعرف أنك تحب الغوزي والمفطح والجريش والمضغوط.. فقاطعه جاره: نعم أنا أحبها ولكن أين أجد هذه الوجبات الممتازة.. فقال جارنا فلان دعاني ولم أستطيع الذهاب لظروفي العائلية فقال له جاره: ولكني أعددت ( المندي) لي ولعائلتي.. فماذا أصنع به؟.. فقال له جحا: لا مانع لدى من مساعدتك فأعطني أياه.. فأعطاه جاره ( المندي) وأنطلق تجاه جارهما الذي أعد تلك الوجبات.. وبعد لحظات قال جحا لنفسه: ماذا لو كان جارنا بالفعل قد أعد تلك الوجبات فترك ( المندي) وأنطلق نحو منزل جاره الذي طالبهما بأكل له ولأطفاله.. وهكذا.. كذب جحا وصدق نفسه.. قلت لمهندسنا: وهل تعتقد أن هناك علاجا للكذب؟.. قال: يقال أن العلم في الصغر كالنقش في الحجر.. وأنا أقول: الكذب في الصغر يورث جريمة اجتماعية في الكبر.. وعلينا إبعاد أطفالنا عن الكذب حتى لا يصابوا بهذا الداء.. والشاعر يقول: لكل داء دواء يستطب به إلا ( الحماقة) أعيت من يداويها..وأنا أقول الاالكذب.