ويبدو أن أحد التصورات التي لم تستعد لها إسرائيل جيداً، هو تصور ان صدام حسين قد يتنازل بمحض إرادته عن الحكم في بلاده... إسرائيل جاهزة جيداً للحرب في العراق. الجيش الإسرائيلي جاهز. الجبهة الداخلية جاهزة وكذلك الرأي العام. لا يوجد، تقريباً، أي تطور عسكري محتمل في العراق يمكنه أن يفاجئنا، لقد أخذنا كل شيء في الاعتبار مسبقا، ولدينا أجوبة شافية لكل تساؤل. لكن السؤال المطروح هو: هل تجهزت إسرائيل لحالة اللا حرب في العراق؟ يبدو أن الجواب هو لا. ويبدو أن احد التصورات التي لم تستعد لها إسرائيل جيداً، هو تصور ان صدام حسين قد يتنازل بمحض إرادته عن الحكم في بلاده، لصالح نظام يحظى برعاية دولية، ثم يهجر بغداد ويخلف فيها قوة عسكرية أجنبية، ليقيم في منطقة الفيلات التي أعدت له بالقرب من العاصمة الليبية، طرابلس. التصور بأن يتم تدمير ترسانات الأسلحة غير التقليدية في العراق، وتفكيك جيشه، وضمان وحدته الإقليمية، والبدء بتطبيق الديمقراطية الفدرالية واقتصاد السوق الحرة فيه. ويمكن للتوصل إلى حل غير عنيف للأزمة العراقية، الحل الذي سيرحب به الرئيس بوش ويعتبره - وبحق - انتصاراً لدبلوماسية التهديدات التي اتبعها، أن يشوش التوقعات الاستراتيجية الإسرائيلية. فبدون وقوع الحرب في العراق، مثلاً، ستبتعد كثيراً المساعدات الأميركية الخارجية لإسرائيل. يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تجد نفسها تقف بفم فاغر أمام التطورات، بل يمكن أن ترتسم في العالم كدولة محرضة على الحرب ومتعطشة للدماء. وسيكون ذلك خطأ قومياً كبيراً. فالتحليل السياسي الصحيح يبين أن إسرائيل ستجني الأرباح الكثيرة إذا أطيح بصدام حسين دون خوض الحرب. وستربح، أولاً، انتصار سياسة الردع الأميركي في الشرق الأوسط، هذا الانتصار الذي لا يمكن ابتياعه بدماء أي قتيل عربي. وستكون لهذا الانجاز أبعاده الإيجابية غير الاعتيادية على المكانة المعززة لأميركا في الشرق الأوسط ومقدرتها على فرض السلام الأميركي هنا. كما يمكن لإسرائيل استخدام السابقة العراقية كرافعة لتحقيق مطلبها بطرد ياسر عرفات من السلطة الفلسطينية، وتفكيك ميليشياته وبدء تطبيق الإصلاحات الديمقراطية في الحكومة الفلسطينية. ويمكن لإسرائيل المقارنة والقول: إن ما نجح في بغداد يجب أن ينجح في رام الله. وليس في رام الله فحسب. فاذا تراجع صدام حسين، حقاً، أمام التهديد العسكري الأميركي، فلن يكون هناك ما يمنع من تفعيل التهديد نفسه ضد مصدر آخر للعداء والكراهية، ضد حزب الله. لقد سبق لأميركا اعتبار هذا التنظيم يشكل خطراً على أمنها بشكل لا يقل عن خطر القاعدة. إخضاع صدام حسين ونظامه بطرق غير حربية ما زال يعتبر حلمًا خياليًا. لكنه كلما اقتربت الحرب، تعززت الرغبة في الامتناع عنها، ويمكن الامتناع عنها من خلال انتهاج خطوة بسيطة وسهلة نسبياً: الإطاحة بالدكتاتور عن عرشه. سيما ان العراق هو ليس دولة عظمى كما كان الاتحاد السوفييتي في أيام ستالين. العراق هو دولة ضعيفة، فقيرة، متفككة، ليس لديها حلفاء ولا أيديولوجيا. ومن يوم إلى آخر، تصبح خطابات صدام حسين مشوشة، ويصبح المحيطون به أكثر خوفاً. ويتحتم على إسرائيل، دون الانتقاص من أهمية الاستعداد للحرب، بدء التفكير بما ستفعله إذا لم تندلع الحرب. خبير في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية الإسرائيلية