مع تصعيد واشنطن من لهجتها ضد بغداد وتهديدها بالهجوم على العراق والإطاحة بنظام صدام حسين، تزداد التقديرات أكثر وأكثر من أن الحملة العسكرية الأميركية على العراق هدفها إحداث تغيير جوهري في منطقة الشرق الأوسط. فصحيح حتى هذا اليوم أن واشنطن تشعر بأنها منعزلة في التحضير لتحقيق هدفها لمهاجمة العراق. فحتى بريطانيا والتي تعتبر حليفاتها القريبة تتردد في الانضمام لتلك الحملة العسكرية التي لا تدعمها ولا تشجعها أي من الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، يبدو أن الدولة العبرية هي الحليفة والداعمة الوحيدة الجوهرية والأساسية لأميركا من أجل توجيه ضربة للعراق. ففي الأيام الأخيرة تعيش الصحافة الإسرائيلية في حمى تكاد تكون نوعا من "الهستيريا" إزاء الخطر المتوقع من العراق. فالصحافة تتحدث عن نية السلطات الإسرائيلية التوزيع أقراصا من اليود على السكان وفي المستقبل القريب للتخفيف من تأثير الإشعاعات النووية. وقال عاموس يارون المدير العام لوزارة الدفاع في حديث للإذاعة الإسرائيلية "سنوزع في مستقبل قريب هذه الإقراض من نوع (لوغول) لحماية السكان في قطاعات يمكن أن تتعرض لإشعاعات نتيجة حادث في منشآت نووية". واعتبر أن هذه الأقراص "ستكمل إجراءات الحماية الأخرى مثل الأقنعة التي باتت في متناول السكان". وقالت الإذاعة العسكرية إن توزيع هذه الأقراص تقرر تخوفا من قيام العراق بقصف منشآت نووية في إسرائيل بواسطة طائرات عسكرية أو صواريخ مما قد يتسبب بتسرب إشعاعات. ولكن يبدو أن التهديد العراقي العنيف ضد إسرائيل يخفي في طياته نوايا أخرى. وحسب مقال كتبه ميرون بنفنستي في جريدة "هآرتس" الإسرائيلية ، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون يرغب في تنفيذ خطته القديمة، وهي تحويل الأردن الى فلسطين. ولكن يبدو أن الإدارة الأميركية ستبارك على مثل هذه الخطة أو أنها ستغمض عينها عن ما سيفعله شارون حيث ستكون منهمكة في حربها ضد العراق.. ولن ينسى الناس ما قاله شارون من أن الحل الوحيد لمشاكل الشرق الأوسط يكمن في القضاء على صدام وعرفات! إشارة لذلك نجدها في أقوال الجنرال الإسرائيلي يتسحاق إيتان الذي قال في إحدى المقابلات الصحفية "إن الهجوم الأميركي على العراق سيمس السلطة الفلسطينية كثيراً ". وحسب الصحفي بنفنستي فإن السيناريو التالي وهو الاسوأ، من الممكن أن يتحقق: حيث ستقوم أميركا بمهاجمة العراق، ويرد العراق بقصف إسرائيل بالصواريخ ، وهذا سيدفع شارون الى إرسال سلاح الجو الإسرائيلي وقوات خاصة للقيام بعمليات انتقامية ضد صدام. كل ذلك سيؤدي إلى خلق وضع من الفوضى الذي من الممكن أن يضعضع استقرار الحكم في الأردن. وبذلك سيحقق شارون هدفه وسيبدأ في طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن. وحسب بنفنستي "لن تكون هناك فرصة مواتية أكثر من هذه، إذا سنحت". ويضيف بنفنستي أن العقوبات الجماعية التي تنتهجها حكومة إسرائيل في المناطق الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة ( مثل هدم البيوت والإبعاد والطرد والاعتقالات وغير ذلك ) "هيأت القلوب" للطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية. ويمكن أن نرى دعما معينا لمثل هذا السيناريو في التقارير المتنوعة التي ظهرت في الصحافة الأميركية مؤخرا وبخصوص "خيبة أمل" إدارة بوش من العاهل الأردني. ففي مقال تم نشره في الخامس من أغسطس في جريدة"نيويورك سان" تعجب كاتب المقال كيف "خسرت" أميركا الأردن. ويذكر المقال وحسب مصادر مقربة من البيت الأبيض أن العاهل الأردني يقوم بنقل أخبار ومعلومات حساسة للعراقيين بخصوص الخطط الأميركية. هذه التقارير المتعمدة والتي لم تثبت صحتها بدأت في الظهور في الصحافة الإسرائيلية والأميركية بعد الرفض الأردني القاطع للسماح للقوات الأميركية باستعمال أي جزء من الأراضي الأردنية لشن هجوم على جارته العراق.من كل المعلومات التي ذكرناها، والتي تتداولها الكثير من الصحف، يمكن القول إنه لا يكون هناك أي مفاجأة إذا وصلت أو اجتازت تداعيات الحملة العسكرية الأميركية حدود العراق. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيقوم شارون بإغتنام الفرصة وتحقيق خطته القديمة بطرد الفلسطينيين في وقت تنشغل أميركا في حربها ضد العراق؟. حاليا، يمكن القول إن هذا هو الاحتمال الذي يقبله الرأي الإسرائيلي العام، حيث يعتقدون - وحسب ما يقوله لهم قادة اليمين الإسرائيلي- أن هذا هو الحل الذي سيضع حداً "للإرهاب" الفلسطيني.