في حياة د. جميل بن عبدالله الجشي محطات كثيرة تستحق ان نتوقف عندها بالدراسة والرصد. فقد حرص على مواصلة دراساته العليا والتخصص في الهندسة الصناعية ثم شغل عددا كبيرا من المواقع ووظف ما تلقاه من علم لتطوير مستوى الأداء فيها. في تاروت ولد جميل الجشي، كان والده يعمل بتجارة اللؤلؤ وكان احد ملاك الأراضي الزراعية الا ان الفتى الصغير لم يجد في نفسه ميلا الى اي من العملين، فدخل مدرسة تاروت الابتدائية، وكانت الدفعة لاتزيد على عشرة طلاب، وكان الطلاب يعودون الىا لمدرسة بعد العصر لممارسة الانشطة اللا منهجية من صحافة وأدب ورسم وأناشيد والعاب رياضية. واصل جميل الجشي دراسته الابتدائية في القطيف التي انتقل اليها مع الاسرة وانهاها مختصرا عامين دراسيين ثم التحق بالمرحلة المتوسطة وأنهاها في عامين وكان ذلك مسموحا به في ذلك الزمان، ثم سافر الى لبنان ودرس الصف الاول الثانوي ثم عاد الى المملكة واجتذبه حلم ارامكو فالتحق بها. في ارامكو جمع بين الدراسة والعمل، ثم سافر الى لبنان وحصل على الثانوية العامة، ثم عاد للعمل في ارامكو ثم ابتعث لدراسة البكالوريوس في امريكا. اتجهت ميول جميل الجشي الى الطاقة النووية الا ان هذا التخصص لم يناسب ارامكو ثم قرر دراسة الهندسة الكيميائية الا انه لم يجد في نفسه ميلا لبعض موادها، فاختار تخصص الهندسة الصناعية وحصل على البكالوريوس في هذا التخصص من جامعة بتسبرج في بنسلفانيا. بعد البكالوريوس، عاد الى ارامكو ومعه قبول من جامعة (ستانفورد) لدراسة الماجستير الا ان ارامكو طلبت منه البقاء للعمل، فابتعثته وزارة المعارف وحصل على الماجستير وعاد الى ارض الوطن. عمل جميل الجشي في مركز الابحاث والتنمية الصناعية، الذي انشئ بالاتفاق مع منظمة الاممالمتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) وبدأ بوظيفة اخصائي شئون مناطق صناعية، ثم اخصائي هندسة صناعية واخصائي ادارة صناعية وتنظيم وباحث ادارة صناعية وتنظيم ومهندس صناعي ومدير ادارة الأبحاث الصناعية. وكان الهدف من انشاء المركز تطوير الصناعة المحلية واجراء دراسات الجدوى وتقديم خدمات استشارية للمصانع ولعب دورا مهما على صعيد تحقيق هذه الأهداف. تقدم جميل الجشي للحصول على الدكتوراة من جامعة (بتسبرج) في هندسة الادارة وتحديث العمليات ثم عاد الى العمل بالمركز عقب حصوله عليها ثم اعيرت خدماته الى الصندوق السعودي للتنمية. بعد فترة استدعاه معالي د. غازي القصيبي وزير الصناعة والكهرباء في ذلك الوقت وعرض عليه ترشيحه لادارة مشروع الجبيل فوافق وكان عملا ضخما ومشروعا كبيرا يقتضي انشاء مدينة متكاملة، وبدأ بتنفيذ المرحلة الاولى وهي مشروعات البنية الاساسية مثل الكهرباء والطرق والهاتف والمياه، ثم مرحلة الانشاءات والمباني والاسكان والمرافق الصحية والتعليمية، واستمر عمله بالمشروع ست سنوات شعر بعدها انه قدم كل ما يستطيع لخدمة هذا المشروع العملاق. عقب ذلك عمل جميل الجشي نائبا لمحافظ المؤسسة العامة للكهرباء، وشارك في اعداد الخطة اللازمة لمشاريع المؤسسة والاشراف على تنفيذها ومن بين هذه المشاريع محطات توليد الطاقة الكهربائية وشبكات النقل والتوزيع واسكان العاملين في هذه المشاريع. عمل جميل الجشي بعد ذلك وكيلا لوزارة الصحة وشارك في وضع الخطة العامة للوزارة التي تتضمن المشاريع الانشائية واعمال التطوير والتنظيم واعداد القوى العاملة والبحوث الطبية، وعقب تركه الوظيفة عمل مديرا عاما للشركة العربية للاستثمار لمدة خمس سنوات ثم اسس مكتبا للاستشارات الصناعية. وعن تنقله بين اعمال كثيرة يقول ان الاستمرار لفترة طويلة يؤدي أحيانا الى الشعور بالرتابة والاسترخاء والتكرار ويكون الانسان معرضا للخطأ واداؤه للتراجع وحول طبيعة الاعمال التي تنقل بينها يقول ان عمله في مركز الابحاث والتنمية الصناعية استفاد فيه من العمل مع خبراء الاممالمتحدة وساعدهم في تعديل بعض الأفكار لكي تناسب خصوصيات البيئة المحلية وأحس بمتعة الابتكار وايجاد حلول لكثير من المشاكل، فيما كان مشروع الجبيل يمثل تحديا باتجاه الذين يقللون من جدوى المشروع وقدرته على المنافسة وكان عمله في المؤسسة العامة للكهرباء يتوزع على الوطن كله، فالكهرباء خدمة تصل الى كل المناطق والمدن والقرى والهجر، فيما كان عمله في وزارة الصحة يتعلق ب(الانسان) وتخفيف معاناته وتوفير الرعاية الصحية له، وكان عمله في الشركة العربية للاستثمار يشمل الوطن العربي كله وكانت مهمة الشركة انشاء مشاريع صناعية وزراعية وخدمية او المساهمة فيها او شراء المتعثر منها في الدول العربية، وحققت الشركة انجازات طيبة على هذا الصعيد. ويرى ان المؤسسات السعودية تتوافر بها احدث التقنيات، ولكن بعضها يحتاج الى استراتيجية واضحة للعمل والانتاج والتسويق، ووضوح العقود مع موردي الآلات والمصدرين والمستوردين. ويرى ان بلادنا قطعت شوطا طويلا في مجال الصناعة، ونجحت باستثماراتها الصناعية في توسيع القاعدة الانتاجية وتنويع مصادر الدخل، والسبب اننا اقمنا صناعتنا علىاساس احتياجاتنا الحقيقية وما نتمتع به من موارد طبيعية.