بالأمس، فقدنا في العالمين العربي والإسلامي سيدة عظيمة نحن مدينون لها بالكثير جدا. سيدة هي أكبر من قدموا خدمات جليلة للإسلام، وللثقافة والحضارة العربية والإسلامية في الغرب. رحلت بالأمس إلى جوار ربها الدكتورة آن ماري شميل عميدة المستشرقين في ألمانيا والغرب كله في العصر الحديث، عن 80 عاما. هذه السيدة العظيمة نذرت حياتها العلمية والعملية كلها في خدمة الإسلام، دينا وثقافة وحضارة، وفي الدفاع عن العرب والمسلمين في العالم كله. على امتداد ما يزيد على ستين عاما من التدريس والبحث والكتابة عن الإسلام والثقافة والحضارة العربية والإسلامية توافر للدكتورة آن ماري ما لم يتوافر لأي مستشرق، وهو ما أعطاها مكانتها الفريدة. أولا: كانت معرفتها بالإسلام والثقافة العربية الإسلامية، وبأحوال العرب والمسلمين معرفة موسوعية، الأمر الذي مكنها من أن تقدم للغرب صورة شاملة للإسلام والمسلمين تتسم بالدقة والموضوعية والإنصاف. يكفي أن نلقي نظرة على الموضوعات التي بحثت فيها وكتبت عنها عشرات الكتب ومئات الأبحاث والدراسات والمقالات لندرك ذلك. لقد كتبت، على سبيل المثال فقط، في التعريف بالإسلام، وعن الرسول الكريم، وعن تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وعن الصوفية والفكر الصوفي، وعن الشعر العربي والفارسي والتركي، وعن الخط العربي، وعن الحياة المعاصرة للمسلمين.. الخ الخ. ثانيا: الدكتورة آن ماري كانت عالمة متخصصة مدققة تخاطب المتخصصين أستاذة ومحاضرة وباحثة. لكنها في نفس الوقت، كانت لديها قدرة فريدة على مخاطبة غير المتخصصين من الغربيين العاديين، وعلى شرح أمور الإسلام والمسلمين لهم بأسلوب هادىء سلس بسيط. ثالثا: كانت جريئة صريحة لا تخشى أن تعلن رأيها ومواقفها وتعبر عن مشاعرها رغم كل الحملات التي تعرضت لها عبر حياتها العملية الطويلة. فقد كان من الطبيعي أن يترصدها أعداء الإسلام وأعداء العرب والمسلمين، وأن يشنوا عليها حملات ضارية بين الحين والآخر. لكن لم يحدث، ولا مرة، أن تراجعت عن آرائها ومواقفها. في عام 1981 مثلا، صدر كتابها (محمد رسول الله) وقد صدرته برباعية لشاعر هندوسي يقول فيها: (قد أكون كافرا أو مؤمنا. هذا شيء علمه عند الله وحده. لكن أود أن أنذر نفسي كعبد مخلص لسيد المدنية العظيم محمد رسول الله)، هبت على آن ماري بعد صدور الكتاب عاصفة من النقد لدفاعها المجيد عن الرسول الكريم. قالت بهدوء وحزم: (إنني أحبه.. أحب محمدا رسول الله). كثيرون قالوا إن آن ماري شميل اعتنقت الإسلام. وسواء صح هذا أم لم يصح، فإننا ندعو الله أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يجزيها خير الجزاء لقاء ما قدمته من خدمات جليلة للإسلام وللعرب والمسلمين. للحديث بقية اخبار الخليج البحرين