عندما اشرقت شمس الصباح، وشعت بضوئها المذهب في أرجاء الكون الواسع الفسيح، معلنة عن بداية يوم جديد، فهذه أسرة مكونة من خمسة أفراد الأب والأم وولدان وبنت واحدة، استيقظت مبكراً من أجل العمل، في جلسة أسرية حميمة يستعدون ليوم عمل جديد. فالأب ارتدى ملابسه وجلس في صالة الطعام ينتظر أولاده، والأم تنادي عليهم لمشاركة والدهم وجبه الإفطار، حضروا جميعاً ما عدا فاطمة، وسألت الأم أين أختكم ؟ وبينما هي تسأل فإذا بفاطمة تجلس بجانب والدها، فتناولوا الفطور معا. نهض الأب وتبعه أولاده، أما فاطمة فتأخرت قليلاً، حيث أسرت لأمها حديثا فقالت: اليوم سوف ألقي موضوعا في الإذاعة المدرسية، فأدعى لي بالتوفيق، فرفعت والدتها كفيها مستقبلة القبلة ودعت لها بالتوفيق. استبطأ والدها حضورها فضغط على بوق السيارة، حضرت بسرعة وركبت فأدار الأب مفتاح السيارة، وسار بهم كل إلى مدرسته، ثم ذهب هو إلى مقر عمله. دخلت فاطمة من بوابة المدرسة، فوضعت حقيبتها في غرفة الفصل ثم توجهت إلى غرفة الإذاعة المدرسية ، حيث بدأ البرنامج اليومي لطابور الصباح، فتوالت الفقرات حتى جاء دور فاطمة فقرأت موضوعها الذي يحمل عنوان (أهمية ربط حزام الأمان أثناء القيادة) تحدثت بطلاقة حتى ختمت موضوعها فصفق لها الجميع، وأثنت عليها كل الطالبات والمعلمات، وباركن لها حسن الاختيار، وحسن الإلقاء ، وقالت لها إحدى زميلاتها: أنت خطيبة رائعة، فقد كان أسلوبك رائعاً، وعباراتك جزلة وواضحة .. وفاطمة لم تتمالك نفسها، فقد اغرورقت عيناها بالدموع، فعاتبتها زميلة أخرى قائلة: هذه دموع فرح ؟ أم دموع حزن ؟ قالت فاطمة: وهي تلبس رداء الخجل هذا الأطراء لا استحقة، ولكن يعود الفضل بعد الله للمعلمات اللاتي دائما يشجعنني ويققن بجانب كل طالبة مبدعة، ولا أنسى كذلك تشجيع زميلاتي الطالبات، وبينما هي يتجاذبن الحديث، جاءت إحدى الطالبات تزف البشرى إلى فاطمة قائلة لها: سوف تقوم إدارة المدرسة يوم الغد في طابور الصباح بتكريمك .. فتعانقت فاطمة مع زميلاتها، ولم يفرقهن إلا قرع الجرس لدخول الحصة، وفاطمة تعيش في أجواء يوم الغد المشرق، وأنها سوف تخبر أسرتها بهذه المناسبة، ولم يقطع حبل أفكارها من هذا الحلم الجميل إلا جرس المدرسة، معلنا نهاية يوم دراسي، فخرجت فاطمة من المدرسة في انتظار والدها، وتذكرت أن والدها قد أسر لها خبرا بأنه سوف يتأخر اليوم لظرف طارىء ! ففضلت أن تركب اليوم السيارة الخاصة بنقل الطالبات، وهي تعيش في أجواء حلم طويل لم ينته بعد ! ركبت فاطمة السيارة، وتململت من الوقوف المتكرر، وما أن وصلت بجوار منزلهم ضغطت على زر جرس الوقوف ، توقفت السيارة، نزلت فاطمة منها، وفي عجلة من السائق أغلق باب السيارة وسارت فتعلقت عباءتها بالسيارة وفاطمة تلوح بيدها فمصيرها في خطر !!! لا صوت !! ولا كلام !! وكأن كابوسا جثم عليها !! فقد دهستها عجلة السيارة حتى تساوت مع الأرض ملطخة بدمها !! لقد فارقت الحياة !! وبجوار منزلها ، والناس ينظرون إلى هذا الموقف الحزين، حيث غطت سحائب الحزن ذلك الشارع !! والكل يواسي الآخر في مواقف متكررة لمثل هذا الموقف !! يكتفي ببرقيات العزاء !! وكل مؤمن صابر يؤمن بالقدر، ولكن كل حادث مثل هذا يتهمون به القدر !وما أن وصل الخبر إلى أهل فاطمة حتى نزل عليهم كالصاعقة !! وصمت الجميع يعتلجهم الهم والحزن، وهم يرددون كلمة كل مؤمن صابر ومبتلى (انا لله وانا إليه راجعون) . وانتشر الخبر في كل مدينة وقرية، بما في ذلك مدرستها فعم الحزن فيها، وهن يرددن ماتت فاطمة !! عبارة غصت بها الحناجر وذرفت الدموع من العيون حزنا عليك يا فاطمة. عبدالله بن حمد المطلق