ادرك تماما انني اطرح هذا الموضوع قبل انعقاد الندوة الكبرى التي تقيمها وزارة المعارف والموسومة ب (ماذا يريد المجتمع من التربويين؟ وماذا يريد التربويون من المجتمع), بوقت قليل قبل انعقادها وعتبي على نفسي ومشاغلها اذ تلقيت دعوة كريمة من اخ كريم وهو مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية لحضور لقاء تعريفي ونقاشي حول التطورات التي ستبنى عليها هذه الندوة. ولعلنا نعلنها وقفة هنا.. اذ في الحقيقة ان الاسلوب الذي اتبع من خلال وزارة المعارف باستشراف اهتمامات المجتمع والتربويين حول هذه الندوة من خلال عقد ورش العمل ودعوة المهتمين بقضايا التربية والتعليم لطرح حواراتهم عما ينبغي ان تكون عليه هذه الندوة لهو بحق اسلوب يميل الى المنهجية في تنظيم الندوات خاصة تلك التي تهدف الى الخروج بتوصيات وارشادات تعين على اجابة تساؤلات محور هذه الندوة. وسأتناول عبر هذه المقالة التساؤل الخاص بماذا يريد المجتمع من التربويين؟ لاسباب منها ان التربويين بالتأكيد على دراية بماذا يريد المجتمع خاصة من واقع الدراسات والبحوث والتقارير وفي بعض الاحيان يصعب تنفيذ ما يعبر عنه المجتمع اذ يكون عادة اقرب الى المثالية خاصة ان وضعنا في الاعتبار ان العامة من الناس بحاجة الى من يعينهم على التعبير عن آرائهم وحاجاتهم اذ ما يعبر عنه من قبل المجتمع على انه حاجة (need) ليس من الضورة ان يكون كذلك فقد تكون هذه الحاجة معبرة عن ارادة شخصية (want) اذا العملية بحاجة الى نوع من تحليل الاحتياجات ومناقشتها والاتفاق بشأنها الى حين الوصول الى الصيغة النهائية والتي نبني عليها تصوراتنا ونستشرف العمل المستقبلي من خلالها ومثل ذلك بالطبع يتطلب جهودا مضنية ومشتركة من كافة الاطراف ذات العلاقة العملية التربوية وان كانت المسألة محاطة بالتعقيدات لشمولية الطرح. ولعلي ابدي رأيا حول بعض الحاجات والتي يعبر عنها المجتمع في المنتديات واللقاءات العلمية او حتى في المجالس الخاصة وبالطبع فهي احتياجات مثالية ولكن كما ذكرت يأتي دور التربويين في تحليل هذه الاحتياجات وتحويلها من ماذا يريد المجتمع الى ماذا يحتاج المجتمع اذ من المتعارف عليه ان هناك فرقا بين ماذا يريد المجتمع وماذا يحتاج المجتمع (deed andwant) كما اسلفت ولو سردت ماذا يريد المجتمع هم دون تحليل لاصبح تحقيقه صعبا للغاية ولكني ساحلل ذلك الى واقع من خلال الوصول الى ماذا يحتاج المجتمع وساركز في هذا الجزء على موضوع واحد وهو تمهين التعليم الثانوي وستستمر السلسلة ليكون موضوع كل جزء منها حاجة محددة للمجتمع. واحذر هنا من طاقات المجتمع المنظرة والتي تأخذ من البعد الفلسفي غاية من كل حدث واحسب ان مثل هؤلاء سيطرحون القضايا التربوية من جانب فلسفي وتنظيري لا يمت الى للواقع بصلة واتخوف ان يؤثر هذا الطرح على نواتج هذه الندوة والتي نتوقع ان تخرج علينا بتوصيات وارشادات لاتصطدم بامكانات او انظمة معينة اذن يسوقنا ذلك الى التحرك نحو الايجابية وان كانت لا تصل الى المثالية ولكن على الاقل بايجابية تجاه المشكلة مثار البحث. في وقتنا الحاضر هناك تفوق في اعداد مخرجات التعليم الثانوي عن القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي لاسباب عدة تكاد تكون معروفة لدى الجميع ولكن ليس هذا هو موضوعنا الرئيسي انما هو رغبة العديد من هذه المخرجات في شغل الوظائف البسيطة المتاحة في السوق ومن جانب آخر حتى اصحاب العمل لهم الرغبة في توظيف مخرجات التعليم الثانوي على هذه الوظائف لتطبيق قرارات السعودة ولكن تكمن المشكلة في عدم تمكين خريج الثانوية العامة بقدرات تعينه على القيام باحتياجات ابسط الوظائف والتي احسنت وزارة المعارف صنعا عند اقرار مشروع تأهيل اذ تساعد اهداف هذا المشروع على تمهين التعليم الثانوي واكساب الطلاب قدرا من المهارات تعينهم على سد بعض احتياجات المهن البسيطة والمتاحة في السوق. اذا هذه مشكلة وسأطرح نظرتي الشخصية لها من واقع ممارساتي العملية وخبراتي مع سوق العمل السعودي وخارجه وايضا من خلال اطلاعي على التجارب العالمية في هذا المسار. لو عدنا الى المنظرين والفلاسفة من اصحاب المثالية لاول ما يتبادر الى الذهن هو ايجاد نموذج على غرار ما هو مطبق في امريكاوبريطانيا والمانيا من المدرسة الى العمل (school to work) ومحاولة ادخال التعديلات المناسبة وتهذيبها بما يتفق مع بيئتنا السعودية ومن ثم الاخذ به. هذه بعض احد الحلول المثالية ولكني اعتقد بعكس ذلك تماما اذ نحن بحاجة الى نموذج سعودي تماما يبني على احتياجاتنا وفي نفس الوقت يتماشى مع الاتجاهات العالمية الحديثة والامر لا يعدو كونه اكثر من الاستفادة من الدراسات العديدة التي اجريت في هذا المجال سواء في الداخل او الخارج بمعنى انني من معارضي اجراء المزيد من الدراسات والبحوث بل التوجه نحو ما يطلق عليه البحث الاجرائي السريع والتقارير اذا ان المشاكل التي تعترض تنمية مجتمعاتنا لن تمهلنا حتى نعد الدراسات والاستراتيجيات الطويلة بل ما نحن بحاجة اليه هو حلول واقعية قابلة للتطبيق الفوري الى حين ان نصل الى نصبو اليه ولعلنا ندرك في ايامنا هذه ان اصعب القرارات التي يتم اتخاذها على مستوى العالم تبنى على تقارير يقوم بها عدة افراد ولكن تستند آراؤهم الى نتائج دراسات سابقة اذ لم تكن المعلومة او المعرفة حصرا على احد وفي حالة تجدد مستمر. اما طرحي الواقعي والعملي حول هذه المشكلة فهو ايجاد آلية بسيطة تتيح لطلاب الثانوية العامة القيام بزيارات ميدانية ومنظمة لمؤسسات القطاع الخاص وتعريفهم بمجالات العمل المختلفة بقطاعاته المختلفة بالاضافة الى دعوة بعض اصحاب ومديري مؤسسات السوق وخاصة من ذوي التجارب الناجحة ليعرضوا تجاربهم من خلال محاضرات منظمة في المدارس وليس من الضرورة ان تقتصر هذه المحاضرات على التجارب بل حتى على اكساب الطالب معارف تعينه على سد احتياجات الوظائف البسيطة. اضف الى ذلك تنظيم ايام للمهنة للمتوقع تخرجهم من المرحلة الثانوية لتعريفهم بمجالات العمل المختلفة في السوق ولا بأس من ان تقوم ادارات التعليم بعملية حصد الفرص الوظيفية والمستقبلية مع افتتاح مكاتب ارشاد وتوجيه مهني تعين الطلاب الراغبين في الالتحاق بالوظائف المتاحة بسوق العمل وان تطلب ذلك تدريبا فبالامكان ان يقوم المكتب بالتنسيق مع مؤسسات تدريبية بالقيام بعمليات التأهيل الحديثة حتى وان كانوا على مقاعد الدراسة ولعل تجارب بعض الدول الناجحة في هذه المسألة خير برهان على ذلك. كما انه بامكان طلاب المرحلة الثانوية في فصلهم الاخير أن يتدربوا عمليا على بعض المهن وليس من الضرورة في مؤسسات سوق العمل اذ قد تواجه هذه المسألة صعوبة خاصة مع محدودية الفرص التدريبية ولكن بامكان المتوقع تخرجهم من الثانوية العامة ولمن يرغب منهم التدريب ميدانيا على بعض المهارات الفنية في المعاهد الفنية ومراكز التدريب المهني سواء التابعة للقطاع العام او حتى للشركات الكبيرة. ان مثل ذلك يساعد تماما على الكشف عن ميول واتجاهات الطلاب ان كانت للوظيفة او لاكمال الدراسة واعتقد ان هناك مسارات متعددة وكثيرة ولكن قد لا يسع المجال لذكرها ولكن الفكرة من كل ذلك هي ربط التعليم بالتوظيف حيث الاتجاهات العالمية الحديثة في كافة الدول سواء المتقدم منها او الساعي للتقدم او حتى النامية ولعل في اتجاهات بريطانيا بدمج وزارة التعليم والعمل في وزارة واحدة بعدا تعليميا وتوظيفيا وهذه بالمناسبة ليست دعوة لذلك.