تراجع أسعار النفط    ترامب يهدد المكسيك برسوم إضافية بنسبة 5%    البديوي يلتقي النائب الأول لرئيس أذربيجان    أمطار على منطقة القصيم    ريما بنت بندر تشارك أهالي عسير فعاليات "10KSA"    الرعاية المنزلية: خدمة إنسانية تقلل عبء المستشفيات    رئيس وزراء الصين: عواقب الرسوم الجمركية تزداد وضوحا    زيلينسكي: أوكرانيا ستطلع أمريكا على خطة السلام المعدلة اليوم    إصابة 30 شخصا بعد زلزال قوي في اليابان    إطلاق 37 كائناً فطرياً في «محمية الحجر»    4.8 % نمو الناتج المحلي    ولي العهد وأمير قطر يتفقان على تعزيز التعاون والروابط التاريخية.. قطار كهربائي سريع بين الرياض والدوحة    حماس منفتحة على مناقشة تجميد السلاح.. إسرائيل تضع حدوداً جديدة لغزة ب«خط أصفر»    هل ينشر الإنترنت الجهل؟    أمير قطر يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه ولي العهد    ولي العهد والرئيس الفرنسي يبحثان الأوضاع الإقليمية والدولية    برعاية وزير الرياضة| انطلاق بطولة مهد الدولية للقارات في نسختها الثانية    في الجولة السادسة من دوري أبطال أوروبا.. إنتر لاستغلال ظروف ليفربول.. وبرشلونة يواجه فرانكفورت    بنصف مستوى سالم    القيادة تهنئ رئيس سوريا بذكرى يوم التحرير لبلاده    موجز    متحدث الجوازات: تفعيل الجواز شرط للسفر بالهوية الوطنية بعد التجديد.. ولا يشمل الإصدار لأول مرة    تمطيط    الشورى: منجزات نوعية ساهمت في تعزيز الفرص التنموية ورفع كفاءة سوق العمل    ولي العهد وأمير قطر يشهدان التوقيع.. اتفاقية لتنفيذ مشروع قطار السعودية – قطر السريع    القوات الخاصة للأمن البيئي تشارك في معرض (واحة الأمن) بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10) بالصياهد    الرسالة الأهم.. أنت تختلف عنهم    ماجدة زكي تبدأ تصوير رأس الأفعى    «مندوب الليل» يجسد أحلام الطبقة الشعبية    العلا.. عالمية في السياحة الثقافية    إطلاق «هداية ثون» لتطوير الخدمات الرقمية بالحرمين    «الشمالية».. محطة الطيور المهاجرة    الميكروبات المقاومة للعلاج (3)    إحالة منشأة إلى النيابة لبيعها أجهزة طبية مخالفة    "التخصصي" يتوّج بثلاث جوائز    إحالة منشأة إلى النيابة لتداول أجهزة طبية مخالفة    أسطح منازل الرياض مؤهلة لتغطية 40% من استهلاك الكهرباء بالطاقة الشمسية    24 دولة مشاركة في معرض جدة للكتاب    سفارة المملكة في واشنطن تقيم حفلًا لدعم مبادرة 10KSA    الاجتماع الأول للجنة الصحة المدرسية لمناقشة مهامها ضمن إطار انضمام محافظة بيش لبرنامج المدن الصحية    أين وصلت محادثات السلام؟    السودان يقف بين تفاقم الأزمة الإنسانية ونقص التمويل    أمانة القصيم تعمل خطة ميدانية محكمة استعدادا للحالة المطرية في منطقة القصيم    هل القرآنيون فئة ضلت السبيل.؟    خيرية مرض ألزهايمر تحصد شهادة الأثر الاجتماعي    الرياض أول مدينة سعودية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن العالمية    الشيخ البصيلي يختتم المحاضرات التوجيهية لمراكز الدفاع المدني بعسير    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    لا تلوموني في هواها    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    Bitcoin تذبذب وتقلبات حادة    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو إستراتيجية وطنية لاستيعاب خريجي الثانوية العامة.. ( 1- 3)

لمعظم شرائح المجتمع السعودي كل صيف موعد لا يخلف أبدا مع مستقبل خريجي الثانوية وسيناريوهات استيعابهم ودور الوزارات والمؤسسات المعنية بذلك، ومع أن هذه القضية قد تبدو للبعض موسمية وروتينية وللبعض الآخر صداعاً مزمناً لا فكاك منه؛ إلا أن حرارة صيفنا اللاهب تمنحها زخماً ووهجاً لا يهدأ؛ مما يؤهلها بامتياز لتكون القضية الأبرز على أجندة المسئولين وصناع القرار على المستوى الوطني، مع أنها ليست كذلك في معظم دول العالم. وبوصفي أحد المهتمين بهذه القضية، وتفاعلاً مع ما (الاستفتاء الاجتماعي) الذي طرحه معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري لمعرفة رأي الفعاليات الاجتماعية المختلفة في توجه الوزارة في قبول 86% من خريجي الثانوية العامة في الجامعات لهذا العام- فإنني سوف أحاول في هذه السلسلة من المقالات أن أطرح أفكاراً للمناقشة حول تطوير استراتيجية وطنية لاستيعاب خريجي الثانوية العامة، فأقول:
رغم الحداثة النسبية في عمر التعليم العالي السعودي - قياساً بالتجربة العالمية، وبعض التجارب العربية - فإنه يواجه بعض التحديات التي تشغل المعنيين برسم سياساته والتخطيط لخريطة انتشاره، وبناء خططه وبرامجه. فالتعليم العالي يمثل منظومة فرعية (sub-system) في منظومة التعليم السعودي عموماً، الذي هو بدوره يمثل إحدى المنظومات الفرعية للنظام الاجتماعي السعودي الأكبر (super-system). وانطلاقاً من هذا المدخل النظامي (systematic Approach) في التعامل مع مسألة القبول في علاقتها بنظام التعليم الجامعي عموماً، يصبح (القبول) في ضوء هذا المدخل أحد العناصر المدخلية في منظومة التعليم الجامعي. فهو يمثل أحد (المدخلات) التي تؤثر - إيجاباً أو سلباً - على مختلف عناصر نظام التعليم العالي من (عمليات) و(مخرجات).. إلخ.
وعليه، فإن القبول - كمدخل - يخضع لتأثيرات العديد من المؤثرات وربما الضغوط من المجتمع عموماً (الظروف السياسية والاقتصادية، والسكانية، وتنامي الطلب الاجتماعي، والاعتبارات الثقافية)، ومن مرحلة التعليم العام السابقة (أعداد خريجي الثانوية العامة، المستويات الأكاديمية والتحصيلية للخريجين، واهتمامات وميول الطلاب..)، مضافاً إلى ما تقدم القفزات الهائلة في النمو السكاني والتحول من المجتمع الصناعي إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وظهور أشكال الاتصال الحديث، والنمو المتسارع في عالم التقنية، والتوجه الجارف نحو العولمة، كل ذلك قد دفع بالسكان لمزيد من التوجه لمؤسسات التعليم العالي بحثاً عن تعلم وتأهيل يمكنهم من مزيد من الانخراط والمشاركة في سوق العمل ومجالات الحياة المتنوعة، الأمر الذي يجعل قضية القبول موضوعاً يحظى باهتمام المجتمع كله، والنظام التعليمي بفرعيه العام والعالي.
وإذا كانت مسألة القبول بالتعليم العالي تواجه تحديات في مختلف النظم التعليمية - حتى المتقدم منها - فإنها تكون أكثر تعرضاً لمثل هذه التحديات وغيرها في الحالة السعودية.. لماذا ؟ لأن الحداثة النسبية لتجربة المملكة في التعليم العالي والجامعي، وكون التعليم العالي القناة شبه الوحيدة في استيعاب خريجي الثانوية حيث تتحمل الجامعات الحكومية العبء الأكبر، وسعي المملكة لتسريع معدلات التوسع في التعليم العالي والجامعي، استجابة لتنامي الطلب الاجتماعي وتنامي احتياجات التنمية، والسعي الجاد لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة في سوق العمل،وتوجه المملكة نحو تطوير التعليم العالي وجودته.. كل هذا وغيره يمثل تحديات يواجهها التعليم العالي، ومن ثم تواجهها سياسات القبول المتبعة أو المعتمدة، إذ إن التعليم العالي السعودي، مطالب في آن واحد بالتعامل مع مطلبين قد يبدوان متناقضين وهما:
1- مطلب التوسع الكمي والقبول بالتعليم العالي لاستيعاب أكبر عدد من خريجي الثانوية العامة الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي، وهو مطلب مشروع للطالب، وحيوي للمجتمع نفسه حتى يجد من المخرجات - مستقبلاً - ما يمد به سوق العمل ومختلف القطاعات التنموية والحديثة والإنتاجية.
2- مطلب الجودة والجدارة في نوعية التعليم العالي القائم وهو مطلب مشروع وحيوي لكل من الطالب والمجتمع لتجويد (العمليات) وتحسين الكفاءة الداخلية للنظام، وتقليل الهدر، ورفع الكفاءة الخارجية للنظام وتزويد المجتمع بما يحتاجه من خريجين يتميزون بالجودة والجدارة.
ومعطيات العصر، وخاصة تلك التي تتبناها المنظمات الدولية، وتستجيب لها السياسات الوطنية، لم يعد بوسع أي نظام تعليمي أن يغض الطرف عنها. فهناك معطيات تتعاطى مع الجوانب "الكمية" في التعليم تتعلق بطروحات ومبادئ ومفاهيم مثل: "حق التعليم" و"التعليم للجميع" و"تكافؤ الفرص التعليمية" وهناك معطيات تتعلق ببنى تعليمية جديدة، وصيغ وأساليب تعليمية مستحدثة مثل: "التعليم المفتوح" و"التعلم عن بعد" و"التعلم المتناوب" و"التعلم الإلكتروني" و"الجامعات الافتراضية" و"التعليم الموازي" و"الانتساب".. إلخ.
وهناك معطيات معاصرة تتعاطى مع الجوانب "النوعية" للتعليم العالي مثل: "الجودة" و"الاعتماد" و"العائد من التعليم" و"التكلفة" و"الوظيفة التنموية للتعليم" و"الكفاءة الداخلية" و"الكفاءة الخارجية".. إلخ. وفوق هذا وذاك من معطيات تتعلق بالقبول بجانبيه الكمي والكيفي فهناك المعطيات والضغوط والتحديات القائمة خارج النظام نفسه ولكن حوله، أي تلك المتعلقة ببيئة النظام ومحيطه.
ومن المتعارف عليه - منهجياً - أن بنية النظام ومحيطه تؤثر على مختلف عناصره من (مدخلات) و(عمليات) و(مخرجات). وينطبق ذلك على مسألة القبول بالتعليم العالي ربما أكثر مما ينطبق على غيرها من مسائل تعليمية. فمن بيئة النظام ومحيطه تأتي المدخلات (الطلاب المتقدمين للقبول) بمستوياتهم التعليمية السابقة، واهتماماتهم وميولهم، وطموحاتهم.
ومن بيئة النظام ومحيطه تأتي توجهات الطلب الاجتماعي على التعليم العالي. ومن بيئة النظام ومحيطه تأتي مواقف وتأثيرات الرأي العام ومنظمات المجتمع (دعماً) أو (نقداً) لأداء مؤسسات التعليم العالي. ومن بيئة النظام ومحيطه يأتي تمويل التعليم العالي والإنفاق عليه، والإسهام في التوسع في مؤسساته وتمويل عملياته (كما في التعليم العالي الأهلي).
ومن ناحية أخرى، فإن بيئة النظام ومحيطه هي التي تستقبل مخرجات التعليم العالي (التي كانت سابقاً مدخلات قادمة منها) فتحكم على هذه المخرجات من خلال مدى مواءمتها لاحتياجات سوق العمل فتوظفها إن كانت في حاجة إليها، ومن ثم تسهم في سعودة سوق العمل، أو ترفضها، ومن ثم تضاف إلى مخزون المجتمع من البطالة!! ولذلك، حكم سياسات القبول - لفترات طويلة نوعٌ من التحديات: تحديات الكمّ، وتحديات الكيف حيث انشغلت سياسات القبول في نظم التعليم العالي المختلفة بالتعامل مع هذين التحديين لأهميتهما في آن واحد.
ولذلك، تنازع معايير القبول في التعليم الجامعي - كجزء من التعليم العالي - اتجاهان: المنظرون المثاليون يرون أن الدراسة الجامعية حق لكل فرد يرغب في ذلك، ومن ثم فإن على الجامعات أن تفتح أبوابها لكل الراغبين بغض النظر عن توفر الشروط لديهم من عدمه. أما المنظرون البراجماتيون/ النفعيون فيرون أنه يجب أن يكون هناك تحديد لأعداد الطلاب وتشدد في القبول وبما يتناسب مع إمكانات الجامعات ومتطلبات سوق العمل من الكوادر.
وكل اتجاه من هذين الاتجاهين لديه ما يبرر به توجهه ولديه الاعتبارات التي تحكم فلسفته في سياسة الباب (المفتوح) أو سياسة الباب (الموارب) كما أن لكل اتجاه إيجابياته وكذلك سلبياته. ومن ثم تبدو أهمية البحث عن صيغ بديلة لا تنحصر بالضرورة في أحد الاتجاهين، ولكن ربما توفق بينهما بحيث لا يؤدي الاهتمام بأحد بعدي مسألة القبول (الكم مثلاً) إلى التضحية بالبعد الآخر (الكيف).
لقد أدى التوسع في التعليم العالي إلى زيادة أعداد المقبولين من خريجي الثانوية العامة بمؤسساته مرتفعاً من (83486) طالباً وطالبة عام 1420/1419ه ليصل إلى (126752) طالباً وطالبة عام 1424/1423ه بمعدل نمو قدره (11%)، ثم يصل إلى (151998) طالباً وطالبة في العام الدراسي 1426/25ه. وتشير بعض الدراسات إلى أن مؤسسات التعليم العالي قد استوعبت خلال الفترة من 1411- 1420ه حوالي (921286) خريجاً، أي ما نسبته 79.0% من خريجي الثانوية العامة للجنسين،وأن هذه النسبة بدأت في الانخفاض ابتداء من عام 1416ه وحتى عام 1420ه أمام زيادة أعداد الخريجين من التعليم الثانوي، حيث انخفضت هذه النسبة حتى وصلت إلى 71.5%. وفي عام (1426/1425ه) ارتفعت هذه النسبة مرة أخرى لتصل إلى (79.9%) حيث بلغ عدد المقبولين في مؤسسات التعليم العالي (200.533) طالباً وطالبة من إجمالي خريجي المرحلة الثانوية للعام نفسه والبالغ عددهم (250.914) طالباً وطالبة.
أما في العام الماضي ( 1429/1428ه) فقد بلغت نسبة استيعاب مؤسسات التعليم العالي مجتمعة 93% من الخريجين، وكان نصيب الجامعات السعودية من هؤلاء الخريجين 71%. ويلاحظ أن هذه النسبة مرتفعة - إلى حد كبير - بالمقارنة بدول العالم، حتى المتقدم منها، كما سيتضح حين نعرض للتجارب ونسب القبول الدولية.
والخلاصة، أن الجانب الإشكالي في سياسة القبول بالتعليم العالي هو أن هذه السياسة يجب أن تراعي اعتبارات متنوعة ومعقدة وأحياناً متضاربة، فمن هذه الاعتبارات ما هو (سياسي) مثل مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، ومنها ما هو (ثقافي) مثل خصوصيات المناطق والاحتياجات النوعية للشرائح الاجتماعية والفئات الثقافية، ومنها ما هو (اقتصادي) مثل احتياجات سوق العمل وقضايا التنمية والتوظيف لمخرجات التعليم العالي، ومنها ما هو (تعليمي) مثل الكفاءة الداخلية والكفاءة الخارجية للنظام، ومنها ما هو (اجتماعي) مثل الطلب الاجتماعي على التعليم العالي وتوقعات الناس من التعليم بمؤسساته... إلخ.
@ أستاذ مشارك،كلية التربية، جامعة الملك سعود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.