في مكان ليس ببعيد عن ناطحات السحاب والمباني الشاهقة والعمارات والفيلات الأنيقة والأحياء الراقية والسيارات الفارهة في مدينة الرياض، تتوزع الأحياء الشعبية بمنازلها القديمة وبعضها آيل للسقوط، ويوجد الكثير من الشباب، ممن يسكنون هذه المنازل،و يعيشون حياتهم طبيعية وبحب وابتسامة وطموح، دون ملل أو اعتراض على ظروفهم المعيشية المتواضعة، غير مكترثين بنظرة بعض الناس تجاه أحيائهم الشعبية الفقيرة. صورة من داخل احد الاحياء الشعبية (اليوم) اليوم»، زارت بعض الأحياء الشعبية في مدينة الرياض وتجولت في شوارعها والتقت عددا من الشباب المنتمين لهذه الأحياء، وتعرفت على تفاصيل حياتهم، وسألتهم عن رأيهم في وجود بعض النظرات السلبية تجاه الأحياء الشعبية وأهلها وإطلاق بعض العبارات والنظرات الساخرة تجاه أحيائهم والمقيمين فيها . سخرية في البداية يقول فيصل هزازي «أسكن حي منفوحة الشعبي منذ سنوات طويلة، حيث ولدت وترعرعت ونشأت فيه، وتعودت على شوارعه وأهله الطيبين»، مؤكداً «عرفت الحي بكافة تفاصيله وأسراره، وهو يتشابه مع الأحياء الشعبية الأخرى في مدينة الرياض، مثل اليمامة، والصالحية، ومعكال، والشميسي في الكثير من الأمور من ناحية وجود المنازل القديمة، وبساطة السكان وفقرهم، وغياب الخدمات المناسبة، وصغر مساحة الشوارع، وكثرة العمالة الوافدة».
سكان المناطق الشعبية من كبار السن يعتزون بأحيائهم وبذكرياتهم فيها، وليس عندهم استعداد لاستبدالها بمناطق أخرى ولو كانت راقية أو فخمة، وإذا حدث ورحلوا عنها، يحرصون على زيارتها بين الحين والآخر ويضيف هزازي بأن «الكثير من سكان هذه الأحياء، لا يهتمون بمن ينظرون نظرة دونية إلى الأحياء الشعبية، ويسخرون من سكانها بسبب فقرهم وتواضع منازلهم وسياراتهم ولباسهم، حيث تعوّد السكان على مثل هذه النظرة الساخرة، وتعايشوا معها، لأن الحياة مستمرة، ولا يمكن أن تغير نظرة الناس إلى الأحياء الشعبية»، مرجعاً ذلك إلى «تغير نمط الحياة وبروز الحياة المادية من خلال ظاهرة لم يكن الناس يعرفونها، وأصبحت حاليا ملموسة وهي المظاهر والتفاخر، التي انتشرت بين الناس بشكل كبير، حيث أصبح الجميع ينظر إليك ويحترمك، مع الأسف الشديد بناء على الوضع المادي، والمركز الاجتماعي، دون النظر إلى علمك أو أخلاقك وتعاملك مع الآخرين، مع أن الدين الإسلامي يحث على التواضع وتجنب الكبر والتفاخر بين الناس». صورة خاطئة ويتحدث طارق سحاري بأن «الكثير من الناس أخذوا فكرة خاطئة وسلبية عن الأحياء الشعبية، بأنها مصدر للفساد وانتشار للجريمة، وأن شبابها منحرفون ومشهورون في ترويج الخمور والمخدرات والسرقة، وهذا مع الأسف نظرة قاصرة وغير حقيقية، لأن الانحراف موجود في كافة الأحياء والمناطق، سواء كانت غنية أو فقيرة»، مرجعاً ذلك إلى «التربية التي يجدها الأبناء من الوالدين، والتي تمنع من الانحراف وتؤسس الأخلاق والالتزام لدى الشباب». ترابط إنساني ويبين مطاعن علي أن «سكان الأحياء الشعبية بينهم ترابط ومحبة كبيرة، لا تجدها في الأحياء الأخرى في مدينة الرياض، حيث إن الجار قد لا يعرف جاره الملاصق لمنزله بسبب قلة تواصله ورغبة كل شخص بعدم الاختلاط بالآخرين، بخلاف الأحياء الشعبية، التي ساهمت تلاصق بيوتهم وصغر مساحة شوارعهم وبساطة حياتهم الاجتماعية وفقرهم في التواصل والحب بينهم، حيث تجد الحركة والنشاط في أحيائهم وتواصل الزيارات والمناسبات بين شباب الحي».
مجموعة من الشباب قاطني الاحياء الشعبية التقت بهم
عمالة أجنبية «عازبة» تعكر صفو سكان المناطق الشعبية ويرى محمد حسين أن «هذه النظرة السلبية تجاه الأحياء الشعبية الفقيرة، لا تهمنا، لأنها نظرة غير واقعية، ولا تبنى على أساس حقيقي، لأن الفقر ليس عيباً»، موضحاً أن «سكان الأحياء الشعبية يعيشون حياتهم بكل حب وسعادة، ومقتنعون بما كتبه لهم الله من نصيب، ولديهم الطموح والرغبة في تطوير أنفسهم، وبناء مستقبلهم، وتحسين وضعهم المعيشي، حيث أفرغت الأحياء الشعبية الكثير من المسئولين، واللاعبين المشهورين، والفنانين، الذين كانت حياتهم بسيطة ومتواضعة، ومن ثم تحسنت ظروفهم وأحوالهم العملية والمادية فيما بعد». خدمات غائبة ويشير فايز محمد إلى أن «الأحياء الشعبية تعاني من غياب الكثير من الخدمات أو ضعفها، مثل انقطاع المياه والكهرباء، وقلة النظافة، وضعف الاهتمام بالشوارع من خلال عدم رصف الطرق وإنارتها، وتزيين الأحياء باللوحات الجديدة، بدلاً من لوحات الشوارع التالفة في الأحياء، متمنياً الاهتمام بالأحياء الشعبية من ناحية دعم الخدمات والمرافق الحكومية التي تهم السكان مثل: بناء الحدائق العامة والمتنزهات، ورصف الشوارع، والاهتمام بالنظافة، وإيجاد ملاعب رياضية لمزاولة الكرة، وإنشاء مراكز رياضية واجتماعية تناسب اهتمامات الشباب وتلبي طموحهم، وتشغل وقت فراغهم بكل مفيد ونافع، بدلاً من انزلاقهم للسلوكيات الخاطئة، بسبب وجود الفراغ والذي يعتبر السبب الرئيس في انزلاق الشباب للمخالفات التي يرفضها المجتمع والقانون. مضايقة الوافدة ويقول عبد الله شراحيلي: إن «من أكثر الأمور التي تضايق سكان الأحياء الشعبية ولم يتم إيجاد حل يناسب المشكلة ويرضي المواطنين، هو كثرة تواجد العمالة الوافدة المستقرة داخل أحيائهم»، مرجعاً ذلك إلى «رخص أسعار السكن في الأحياء الشعبية، مقارنة بالأحياء الأخرى في مدينة الرياض، والتي ارتفعت أسعار السكن فيها إلى مبالغ طائلة»، مضيفاً: إن «السكان لا يمانعون من سكن العمالة الوافدة بينهم، إذا كانت لديها عائلة وأبناء، أما العمال العزاب، فهم يشكلون خطرا وتهديدا للمواطنين من كافة النواحي، نظراً لكثرة أعداد العمالة في السكن، وكثرة زائريها من العمالة الأخرى ومخالفاتهم المتكررة، بخلاف العائلات الوافدة والتي أصبح هناك عِشرة ومحبة بينهم وبين المواطنين وتبادل زيارات، حيث توطدت العلاقة بشكل كبير.