قد يجهد الإنسان الحزن أو تكدره الحوادث ويتذوق مرارتها ويعيش لوعتها حينا من الزمن خصوصاً إذا كان الخطب جسيما والفقيد غال على نفسه.. والناس في هذا الابتلاء على أقسام فمنهم الجزع الذي لا صبر له ولا حيلة عنده إلا أن يجهش بالبكاء- ولا بأس- لكن أن يخرج عن المعتاد فيندب حظة ويتبرم ويسخط وقد يفقد وعيه وهذا الفعل- طبعاً- لا ينبغي من المسلم. ومن الناس من تجده صابراً على البلاء راض بقضاء الله وقدره يتقبل المصيبة بروح ملؤها الإيمان والتسليم ونفس مطمئنة راضية ولسان ذاكر. عزاؤه الوحيد الوصية البليغة من لقمان لابنه كما قال تعالى:( واصبر على ما أصابك أن ذلك من عزم الأمور) ويتأسى بذوي الخير ويتسلى بأولي العبر، ويعلم أن الدنيا- تعز وتضر وتمر، والدنيا إذا أقبلت أدبرت والدنيا لا تدوم على حال ان صفت يوماً كدرت أياماً وأن أضحكت ساعة أبكت ساعات، وخير الناس من لا تبطره نعمة ولا تضعفه الشدة فتراه في النعماء شاكراً وعند الضراء والبأساء صابراً وأمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن كما أنه لا يستكين للحادثات ولا يضعف أمام الملمات بل يسترجع عند المصيبة " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" ويستعين بالصبر والصلاة " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" وقد أكد الله سبحانه وتعالى أن ابتلاء الناس لا محيص عنه حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل والقوارع فلا تذهلهم المفاجآت ولا ينزل بساحتهم الجزع والهلع بل يتقبلوها رضاً وطاعة وجهاداً قال جل شأنه:"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط). * وأنك لتجد من الناس اليوم من يفقد عزيزاً عليه نتيجة حوادث مؤسفة أو كوارث طارئة لكن تهون عليهم المصائب لتسليمهم بقضاء الله وقدره تقوى وورعاً " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" ويحتسبون الأجر من الله "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" وهذه خاصية آمل أن تنسحب على جميع أفراد الأمة حيث أن الشدائد تصهر الرجال وتمحص الأبطال، والدنيا تارة رضاء وآونة بلاء، والعاقبة للصابرين، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، وأن كل شيء يبدو صغيراً ثم يكبر إلا البلايا فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر، وهذا من رحمة الله بعباده. علي صالح السنني