التربية البيئية هي تهذيب سلوك الأفراد تجاه البيئة التي يعيشون فيها. يعني هذا أن نتعلم كيف نستخدم بيئتنا لتلبية احتياجاتنا على وجه نقلل فيه الإضرار بهذه البيئة الى أبعد حد ممكن. كما تعني التربية البيئية ان نتعلم كيف نحمي بيئتنا من مخاطر الاهمال والتلوث والإسراف. ليس السؤال هنا حول أسس التربية البيئية وأساليب تعليمها, وانما كيف نقنع المواطن العادي بضرورة تعلم هذه الأسس ومن ثم تطبيقها في حياته اليومية. ذلك لانه مهما كانت أسسنا التربوية مدروسة وجيدة فانها ستبقى غير ذات قيمة اذا لم يتبنها كل مواطن كعامل فاعل في أسلوب حياته. إذن سؤالنا هو : كيف يمكن دفع المواطن العادي للاعتناء بالبيئة خاصة وان هذا الاعتناء يعني قيامه بجهد دائم وشامل لجميع مناحي حياته؟ في عالم مليء بالنشاطات والأعمال ووسائل الترفيه واللهو, وفي عالم يسعى الى الراحة والاتكالية, وفي عالم يغلب عليه الطابع الاستهلاكي, يبدو اقناع الإنسان العادي بضرورة الاعتناء بالبيئة عملا ليس بالسهل. لذلك يبدو انه من غير الممكن الاعتماد فقط على الأساليب المثالية القائمة على المبادىء والقيم المجردة في عملية الاقناع, ليس لان هذه المبادىء والقيم ليست صحيحة ولكن لانها غير قادرة وحدها ان تقنع الأفراد بتعديل مجرى حياتهم اليومي. فعلى سبيل المثال: لو اردنا تطوير قطعة أرض تتوزع فيها مجموعات من الأشجار فأمامنا حلان: اما ان نقتلع الأشجار المتناثرة في الأرض لتصبح مكشوفة وسهلة البناء وإما ان نضع خطة خاصة للعمل في هذه الأرض للمحافظة على الأشجار الموجودة. لا يخفى ان هذه الخطة مهما كانت محكمة وعملية فلن تلغي كل الصعوبات التي سيواجهها البناؤون أثناء تنفيذهم للمشروع ناهيك عن التكلفة الاضافية. لذلك فغالب الظن سيتم اختيار الحل الأول وهو اقتلاع الأشجار واعتبار الأرض مفتوحة تماما للتطوير. وما يسري على النبات يسري أيضا على الحياة الفطرية او التضاريس المتميزة في أية قطعة أرض. لذلك طالما يظهر الاهتمام بالبيئة كأمر مثالي ومكلف فان الإنسان العادي, وان كان مؤمنا ومشبعا بالأفكار والمبادىء المثالية, سيلجأ دوما لايجاد اعذار تبرر تغاضيه عن البيئة واحتياجاتها, على الأقل في الوقت الراهن, واعدا نفسه بانه في المستقبل سيكون أكثر حرصا واعتناء بالبيئة. وهكذا تخفق فكرة البيئة على الصعيد التطبيقي, ونتيقن من احتياجنا الى أساليب أكثر تأثيرا. واحد هذه الأساليب هو ان نجعل من الاهتمام بالبيئة احتياجا للفرد وليس معروفا يسديه لها. ذلك لانه فقط عندما نحتاج امرا ما فاننا سنسعى اليه. وسيزداد سعينا الى أي شيء مع ازدياد حاجتنا اليه. وعلى طريق جعل الاعتناء بالبيئة احتياجا حقيقيا لكل فرد من أفراد المجتمع يمكن الاسترشاد بالنقطتين التاليتين كبداية نبني عليها خطتنا التربوية. 1 ان يرتبط الموضوع البيئي بالتربية الدينية بشكل مباشر وفعال بحيث يصبح الاعتناء بالبيئة جزءا من التطبيق اليومي لأوامر الدين. فقد أمر الإسلام على سبيل المثال بعدم الاسراف استهلاك الماء وتوعد المسرفين, وكذلك نهى عن قطع الأشجار حتى في حال الحرب, وقد حكم على امرأة بدخول النار لانها عذبت هرة, ووعد رجلا بالجنة لانه قدم الماء لكلب عطشان, والأمثلة كثيرة كثيرة. عندما يقتنع الفرد بان اهتمامه بالبيئة أمر يكافأ عليه وان اهماله لها سيترتب عليه عقوبات فانه سيبدأ بالتفكير الجدي بأسلوب تعامله مع البيئة. بمعنى آخر, يجب ان ترتبط فكرة الاعتناء بالبيئة بفكرة الصلاح الديني بحيث يصبحان متلازمين. 2 ان يقتنع الفرد بأن تقضية الاهتمام بالبيئة تداعيات مباشرة وصريحة على حياته اليومية، فلا يكفي أن تقتنع احدنا بان تقطيع الأشجار وتلويث الجو والصرف الجائر للمياه سيضر حفيده او حفيد حفيده. بل يجب ان يعرف كل منا انه اذا لم نكن أكثر حرصا على بيئتنا ومواردها فاننا نحن أنفسنا سندفع الثمن. يمكن لهذا المفهوم ان يأخذ حيزا تطبيقيا من خلال مجموعة من القوانين التي تعتمد على المكافأة والمجازاة. فمثلا قد يسمح لصاحب عقار ببناء طابق اضافي اذا حافظ على الأشجار الموجودة في أرضه. او قد تخفض رسوم المياه لكل من يقلل من استهلاكه الى حد معين تحدده مصلحة المياه. من جهة اخرى قد تفرض رسوم اضافية او اشتراطات خاصة للبناء في مواقع تتطلب تغييرا كبيرا في التضاريس مما قد يؤدي الى القضاء على بعض أنواع الحياة الفطرية. ومن هنا تظهر سياسة مؤسسة الكهرباء برفع تكلفة الكهرباء مع زيادة الاستهلاك كفكرة رائدة وصحية. لان المواطن العادي سيضطر للتفكير بأساليب متنوعة للتخفيف من استهلاكه. لا بد من تضافر الجهود على كافة الأصعدة والمستويات كي يتعلم ويقتنع ويطبق كل فرد في المجتمع فكرة الاعتناء بالبيئة والمحافظة عليها. ولذلك فللمؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية والإعلامية أدوار يجب ان تكون متكاملة ومتناسقة للوصول الى هذا الهدف. ويظهر النجاح الحقيقي عندما ينمو عند كل فرد من أفراد المجتمع. بالاضافة الى الشعور الديني والشعور الوطني. شعور جديد صريح ومتميز وليكن اسمه الشعور البيئي. استاذ مشارك قسم البيئة كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك فيصل لا بد من وقفة امام اهمال العناية بالبيئة