يتعلم الانسان كيف يتكلم ، لكنه لا يتعلم كيف يصمت، خاصة عندما يكون الصمت أبلغ من الكلام.. او عندما يجلب الكلام ضررا محتملا، نتيجة عدم صيانة اللسان، عن الخوض في امور تقتضي الصمت، وفي مواقف تفرض الصمت، او عندما لاتكون للكلام فائدة ترجى، ويصبح مجرد ثرثرة تشغل مساحة زمنية من تفكير المتكلم والمستمع لا يستهان بها.. ثرثرة لاينجم عنها سوى تضييع الوقت وربما الاساءة عن غير قصد للنفس وللآخرين. افكار كثيرة يمكن قولها في كلمات، وآراء كثيرة يمكن اختصارها في حديث قصير، لكنها لدى البعض تطول وتطول حتى تستغرق وقتا يمل فيه السامع ويضيق ذرعا بالحديث والمتحدث، الذي يمكنه ان يوجز دون ان يشرق او يغرب في كلامه، وينحرف به ليصادفه الكثير من المحاذير التي يمكنه عدم الوقوع فيها بالإيجاز. بدل الاسهاب، والاختصار بدل الاطناب، وما من احد منا الا وقد وقع ضحية واحد من هواة الثرثرة. قد تكون مشغولا، ولديك عمل لايقبل التأجيل ، فاذا انت امام احدهم او هو امامك، فيبدأ معك مسلسل الكلام الذي تظنه لن ينتهي، تعتذر فيمعن في اثارة اعصابك.. تذكره بانشغالك فيزداد في الاستهانة بموقفك.. تصارحه بأن لديك عملا لايمكنك تأخيره، فيوغل في الاستهتار بقولك، حتى اذا فقدت اعصابك، وتعوذت من الشيطان الرجيم، وصممت على الانسحاب، اتهمك بالغرور والغطرسة! كان يقال عن بعض النساء من باب التندر والمزاح، ان نصف كلامهن ثرثرة، ونصفه الآخر غير مفيد، والباقي مفيد، وقد تفوق عليهن بعض الرجال حتى يمكن القول ان نصف كلام هؤلاء ثرثرة، ونصفه الآخر غير مفيد، والباقي ضار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وقد ورد في الاثر (رب كلمة قالت لصاحبها دعني) لان هذه الكلمة قد تجلب ضررا هو في غنى عنه، وقد تجلب شرا لانهاية له. لان كثرة الكلام مدعاة للسقوط في المحاذير، وهل يكب الناس على وجوههم في النار الا بسبب ألسنتهم. ولو لم تكن للصمت من حسنة سوى الوقاية من الوقوع في المحظور لكفى، لكن الصمت الى جانب ذلك دليل على احترام الذات، والترفع عن الصغائر، والسمو عن الخوض في شؤون الناس، والابتعاد عن صفات لاتليق بالانسان السوي. لذا كان الصمت اصعب من الكلام. هناك مواقف تقتضي الكلام دون شك ، مواقف لايجدي الصمت حيالها، لكن معظم المواقف يصبح فيها الصمت حكمة، بل يصبح الصمت فيها كلاما، وابلغ من كل الكلام. نعم الصمت حكمة، فمتى نتعلم حكمة الصمت. ونضع أمام أعيننا شعار (قل خيرا أو اصمت)؟