كانت المدافع الامريكية لا تزال تدوي في العراق عندما شرعت وزارة الخارجية الامريكية في إعطاء عقود إعادة الاعمار إلى شركات أمريكية كبيرة، وبدأ أعضاء في الكونجرس الامريكي يتساءلون عن احتمال أن تكون هناك شبهة في هذه الصفقات المالية المربحة. وكان أكثر ما يلفت النظر في هذه الصفقات هو عقد لمدة عامين بقيمة سبعة مليارات دولار أعطاه سلاح المهندسين الامريكي إلى إحدى الشركات التابعة لمؤسسة هاليبرتون التي كان يرأسها فيما سبق نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني. وطلب عضوان في الكونجرس من الديوان العام للمحاسبات ، وهو الجهة الرقابية التابعة للكونجرس، النظر في ما إذا كانت الشركة قد حصلت على معاملة تفضيلية على حساب شركات أخرى. ويتعلق العقد بمكافحة حرائق حقول النفط في العراق وإخمادها، وهي مهمة لا يستطيع القيام بها سوى عدد محدود من الشركات. وذكر سلاح المهندسين ردا على عضوي الكونجرس ان العقد منح دون منافسة لان عامل السرعة كان ضروريا. غير أنه اتضح عدم وجود حرائق في حقول النفط العراقية وكانت سحب الدخان الاسود الهائلة التي خيمت فوق المدن العراقية تنبعث من الخنادق المعبأة بالنفط التي كان العراقيون يشعلون فيها النار كوسيلة لتضليل الاسلحة الامريكية الموجهة بأشعة الليزر. وقال أحد المقاولين الامريكيين الذين يتعاملون مع وزارة الدفاع طلب عدم الكشف عن هويته انه لا توجد بالضرورة أعمال إطفاء لحرائق حقول النفط في العراق وأن معظم أعمال إعادة البناء ستكون من النوع الذي تستطيع أي شركة دولية كبيرة توليه. وأشار المقاول إلى أن أسلوب إبرام عقد الشركة التابعة لمؤسسة هاليبرتون يصل إلى حد إتاحة الحرية المطلقة للقيام بأعمال تشييد عامة على مدار عامين ويحقق أرباحا بقيمة سبعة بالمائة من التكاليف التي تصل إلى 490 مليون دولار. ولم يقع الاختيار على فروع مؤسسة هاليبرتون لابرام عقود أخرى في مجال إعادة الاعمار ولكن الوكالة الامريكية للتنمية الدولية اختارت شركات كبيرة أخرى تربطها صلات وثيقة بالبيت الابيض الجمهو ري. وقال مسئولون في الادارة الامريكية ان مثل هذه الاعمال يتطلب تجارب سابقة وخبرات فضلا عن القدرة على تولي هذه المهام الجسيمة. والميل الطبيعي من جانب رجال الاعمال الذين يديرون هذه الشركات إلى الحزب الجمهوري المحافظ أمرلا يثير الدهشة. ولا يحق لشركات البناء الاجنبية الحصول على عقود أمريكية حسبما ينص القانون الأمريكي، ولكن هذا لا يقلل من شعورها بالضيق بشأن استبعادها. ورغم تبريرات الادارة لمنح العقود لشركات أمريكية، فإن المجتمع المناهض للحرب في الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول انتابه شعور بالغضب. وأغلق المتظاهرون أبواب شركة بكتل للانشاءات في سان فرانسيسكو صائحين أن الشركة تزداد ثراء من أرباح حرب دامية. وحتى الآن لم تؤثر المظاهرات والتحقيقات على شعبية الرئيس الامريكي جورج دبليو. بوش حسبما تشير آخراستطلاعات الرأي التي كشفت ارتفاع نسبة التأييد له. ولكن التداعيات الباقية بعد التقدم الامريكي البريطاني السريع تشير إلى أن التكلفة الحقيقية ستكون بعد الحرب. وتشير التقديرات الاولية إلى أن فاتورة إعادة إعمار العراق التي يقول بوش أن الولاياتالمتحدة ستلعب فيها دورا كبيرا ستصل إلى مائة مليار دولار. وتشير عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المدن العراقية مؤخرا إلى أن ثمن نهوض العراق سيكون أعلى بكثير حتى لو كان يتعلق فقط بإعادة بناء العيادات الطبية والمستشفيات ومنشآت تنقية المياه المدمرة. ولا شيء بسيطا عندما يتعلق الامر بالحروب وبخاصة ما يعقب هذه الحروب.