لم يكن يعلم أنّ دراسته للقانون الدولي قبل نصف قرن ستجعله في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين شاهداً على عملية تحطيم الشرعية الدولية ودك قانونها على نحو مروِّع، بمعاول أمريكية. فهانز بليكس الذي عينه المجتمع الدولي في منصب الرئيس التنفيذي للجنة الأممالمتحدة للرصد والتحقق والتفتيش قبل ثلاثة أعوام؛ اكتشف أنّ إحاطاته المتلاحقة عن العراق في مجلس الأمن باتت عديمة الجدوى، في مرحلة الاحتكام لمنطق الهيمنة الأمريكية. أبصرت عينا هانز بليكس النور في عام 1928، وكان مسقط رأسه في مدينة أبسالا السويدية، ودرس في جامعتها، كما التحق بجامعة كولومبيا، التي عمل فيها باحثا أيضا، كما عمل باحثا في جامعة كامبردج التي حصل فيها على درجة الدكتوراة. وفي عام 1959، نال بليكس درجة الدكتوراة في القانون من جامعة استكهولم، ثم عُيِّن في عام 1960 أستاذاً مساعداً للقانون الدولي. وقد حصل هانز بليكس على الدكتوراة الفخرية من جامعة الدولة في موسكو عام 1987، كما حصل على جائزة هنري دي وولف سميث في واشنطن العاصمة عام 1988. وخلال الأعوام 1963 إلى 1976 شغل بليكس منصب رئيس إدارة في وزارة الخارجية السويدية، وعمل مستشاراً في القانون الدولي، وفي عام 1976 أصبح وكيل وزارة الخارجية السويدية المسؤول عن التعاون الإنمائي الدولي، ثم عُيِّن وزيراً للخارجية في أكتوبر 1978. أما خلال الأعوام 1961 حتى عام 1981، فكان هانز بليكس عضواً في وفد السويد لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وبين عامي 1962 و1978 كان عضواً في وفد بلاده أيضاً لدى مؤتمر نزع السلاح في جنيف. ثم شغل بليكس منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتخذ من فيينا مقراً لها، وذلك من عام 1981 حتى عام 1997. وقد ألَّف المسؤول الدولي البارز عدة كتب في الموضوعات المتصلة بالقانون الدولي والقانون الدستوري، وتولى قيادة لجنة الحملة الليبرالية المؤيدة للإبقاء على برنامج الطاقة النووية السويدي، وذلك في سياق استفتاء عام 1980. ورغم المسيرة الحافلة التي تركها هانز بليكس وراءه، فإنّ واحدة من أعقد المهام التي أوكلت إليه تمثلت في تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في منصبه الحالي؛ رئيساً تنفيذياً للجنة الأممالمتحدة للرصد والتحقق والتفتيش، وذلك في يناير 2000، بينما تولى مهامه في مطلع مارس من تلك السنة. وبالنسبة لأولئك الذين يقرأون التاريخ بعين فاحصة؛ سيكتشفون المفارقة التي تتمثل في أنّ صعود أستاذ القانون الدولي الذي شغل مناصب دبلوماسية رفيعة إلى الذروة؛ كان إيذاناً بإهالة التراب على ذلك القانون، وإسدالاً للستار على منظومة الأممالمتحدة بصورتها الكلاسيكية، في عصر القطب الأوحد المتمثل في الإمبراطورية الرومانية الجديدة؛ الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي ستتولى بدورها اليوم مهام "التفتيش" في العراق المحتل، بدلاً من بليكس ومفتشيه رغماً عنهم. وحسبما صرح بليكس السبعيني في الآونة الأخيرة؛ فإنه لم يبق أمامه إلاّ أن يحلم بالعودة سريعاً إلى بيته الاسكندنافي الدافئ، بعيداً عن المتاعب التي جلبها عليه ذلك الرجل القادم من تكساس بصحبة سرب من الصقور؛ جورج والكر بوش.