تخطى انفجار السفارة الايرانية في بيروت، أمس، حدود الانتقام واشعال نار الفتن والحروب وجرّ البلاد الى المآسي والويلات. فالفاتورة الغالية التي يدفعها اللبنانيون جرّاء انخراط "حزب الله" في القتال الى جانب النظام السوري لم تعد تقتصر على الشعب اللبناني فحسب، بل أصبح من واجب الجمهورية الايرانية الداعمة لهذا الحزب المشاركة في تسديد الفاتورة التي نقلت الصراع الاقليمي الى الساحة اللبنانية مخلفاً وراءه ما يقارب 25 قتيلاً وأكثر من 150 جريحاً مستعيداً مشهد الانكشاف الامني الداخلي. تفجير بئر الحسن (المنطقة الشيعية الراقية كما درج على تسميتها) الذي تميّز عن أسلافه باستخدام الوجه الانتحاري هو بداية في مسلسل مخطط يتعدى بأبعاده كل التفجيرات المروعة من الضاحية الجنوبية الى طرابلس، ويرسم بدماء الضحايا وأشلاء الجثث المتفحمة أشد الصور قتامة عما يدبر للبنان. وتبين أن العملية هي تفجيران هزا العاصمة بيروت صباحا ونفذهما انتحاريان حاول الأول اقناع الحراس بفتح أبواب السفارة لدخول سيارة الانتحاري الثاني فأطلق عليهما الحراس النار لدى محاولتهما اقتحامها. وقدرت زنة العبوة بأكثر من مائة كلغ، وأكدت قيادة الجيش كشف الخبراء العسكريين المختصين. وخلف الانفجار عددا كبيرا من القتلى والجرحى من بينهم المستشار الثقافي في السفارة ابراهيم الأنصاري الذي قضى نحبه، اضافة الى 4 من حراس السفارة. وتقاطعت المعلومات العسكرية مع تأكيدات قضائية بعدما أثبت الكشف الميداني تنفيذ انتحاريين العملية. وتفقد النائب العام التمييزي بالانابة القاضي سمير حمود المكان، ودعا مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الذي عاين الموقع والضباط الذين يحققون في الانفجارين الى اجتماع يعقد قبل ظهر غد في مكتبه. وأعلنت كتائب عبدالله عزام المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم المزدوج. وقال القيادي في القاعدة سراج الدين زريقات عبر موقع تويتر: إن "غزوة السفارة الايرانية في بيروت هي عملية استشهادية مزدوجة لبطلين في لبنان". مؤكدا إن العمليات ستستمر حتى يتحقق مطلبان، الأول: سحب عناصر حزب ايران من سوريا، والثاني: فكاك أسرانا من سجون الظلم في لبنان". وإزاء الواقع الأمني المستجد، أعلنت حال الاستنفار الرسمي وقطع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان زيارته الى الكويت بعد القاء كلمة لبنان في القمة العربية الأفريقية وأجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالات مع قادة الأجهزة الأمنية للاطلاع على تفاصيل الانفجار وترأس اجتماعا طارئا لغرفة عمليات مواجهة الكوارث. وأكد السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن أبادي إن "العملية الارهابية كانت تستهدف السفارة". لافتا الى ان هناك عددا من "الجرحى الايرانيين نتابع وضعهم واصاباتهم". واتصل الرئيس الايراني حسن روحاني بسفيره في لبنان وأصدرت كل من روسيافرنسا وبريطانيا وجامعة الدول العربية بيانات ادانة واستنكار. واتهمت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان التفجيرين الجماعات الارهابية بمحاولة نسف الوضع في لبنان، فيما حمل المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني العدو الصهيوني وعملاءه مسؤولية التفجير. وفي غياب أي موقف رسمي من "حزب الله"، قال وزير التنمية الادارية محمد فنيش : إن "استهداف السفارة الايرانية يحمل مقصدا سياسيا للقوى المتضررة من عدم قدرتها على الامساك بالقرار في سورياولبنان". وأكد المسؤول الإعلامي بالسفارة اليمنية في بيروت عبدالرحمن الأشول "تعرض السفير علي الديلمي والقائم بالأعمال إلى رضوض بسيطة بسبب ضغط الانفجار". وأكد النائب مروان حمادة إن "الانفجارات التي وقعت في الضاحية وطرابلس (مؤخرا) جزء من هذا المسلسل الذي يزج به لبنان منذ تورط البعض في الأزمة السورية وادخال شعبنا الى هذا الاتون المدمر الذي يجتاح المنطقة العربية". وقال ل "اليوم" : "لا أجد أي فارق بين تفجيرات الرويس وطرابلس والاعتداءات بلدة عرسال كلها تندرج في سياق المغامرات التي ادخلنا اليها غير آبهين بما كنا قد التزمنا به في إعلان بعبدا أي إبقاء لبنان نائياً بنفسه عن الازمة السورية". وأوضح النائب السابق عن تيار "المستقبل" مصطفى علوش ل "اليوم" إن "هناك اثباتات بالجهة المتورطة في تفجيري طرابلس، اضافة الى متهمين. أما بالنسبة الى تفجيري الضاحية فعادة هذه العمليات من بصمات تنظيم القاعدة، لكن هذه البصمات مرتبطة بالواقع السوري ومرتبطة بدخول ايران الى سوريا واحتلالها لها وقيامها بمساعدة ودعم وقيادة نظام بشار الأسد، لذا السياق هو ان البلد مفتوح ودخول حزب الله باتجاه سوريا فتح البلد ايضا للاياب من هناك وللاياب من مناطق أخرى". ودان مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في حديث ل "اليوم" "الارهاب والاجرام". مشدداً على ان "أمن كل منطقة في لبنان يساوي أمن كل المناطق ولا نفرق بين منطقة وأخرى". وقال: "يؤسفنا ما حدث في بيروت سواء في الضاحية أو في بئر العبد أو في السفارة وطرابلس، ونحن ندين كل الانفجارات ووسائل الارهاب". معتبراً ان "الغاية من ذلك هي اشعال نار الفتنة، داعيا "الجميع الى تسريع مهمة تشكيل الحكومة حتى يعود الأمن والاستقرار الى لبنان". واعتبر الناشط السياسي بشارة خيرالله في حديث ل "اليوم" أن "ما حصل في بئر العبد كان متوقعاً بمعزل عن هوية الفاعل، كونه يأتي ضمن إطار ردّ الفعل على دخول "حزب الله" ومن خلفه إيران في الحرب السورية التي بات نظامها ورقة تفاوضية تملكها إيران وتتحكم في مصيرها". وقال: "من هنا باتت الحاجة ملحّة لقرار شجاع يحول دون إغراق لبنان أكثر فأكثر في الوحول السورية، ويعمل على تحييد لبنان عبر التطبيق العملي لإعلان بعبدا. هذه الوثيقة التاريخية التي نالت إجماع الأقطاب على طاولة الحوار قبل أن ينقلب عليها "حزب الله" وملحقاته. كما لقيّت إجماعاً دولياً غير مسبوق أكد عليه جميع الدول كان أبرزها خلال زيارة الرئيس سليمان إلى أمريكا، حيث سمع كلاماً واضحاً من الرئيس أوباما بهذا الشأن وتبعه سيرغي لافروف، ومؤخراً كان "إعلان بعبدا" نقطة أساسية في الحوار الذي دار بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس سليمان خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية، لتجنيب لبنان تداعيات الحرب المفتوحة في سوريا".