بعد مرور نحو ربع قرن من الزمان على الاعلان رسميا عن اختفاء مرض الجدري من على وجه البسيطة، يدفع التهديد بالارهاب البيولوجي الولاياتالمتحدة مرة أخرى إلى تطعيم الملايين من أبناء شعبها ضد هذا الفيروس القاتل. والسبب من الناحية التقنية هو أن الجدري لم يختف. فقد تم الاحتفاظ بعينات من الفيروس في المختبرات السوفيتية والامريكية (لاغراض البحث والاغراض الحربية) بعد وقت طويل من حدوث آخر إصابة بشرية طبيعية بالفيروس والتي تم تشخيصها في الصومال عام 1977. وفي أعقاب هجمات 11 أيلول /سبتمبر/ عام 2001 الارهابية، وظهور التهديد باندلاع حرب أمريكية عراقية في الافق، ازداد الخوف من أن الجدري الذي يقتل نحو ثلث المصابين به ربما يكون قد وقع في أيدي إرهابيين أو أنظمة شريرة ربما من المخزون السوفيتي القديم. وفي إجراء ينم عن مدى الجدية التي تنظر بها واشنطن إلى هذا الخطر أعلن الرئيس جورج دبليو. بوش عن خطة لتطعيم 000ر500 جندي وعشرة ملايين من العاملين بخدمات الطوارئ ثم في نهاية الامر عرض تطعيم جميع الامريكيين دون استثناء. ونبه السيناتور بيل فريست وهو جراح هذا الاسبوع إلى أن البلاد "يتوجب عليها الاسراع بوضع خطط مواجهة لانني أعتقد أن مخاطر الجدري في الولاياتالمتحدة تتزايد فعلينا أن نتحرك". وتابع "إذا كان لدى الرئيس العراقي صدام حسين كميات من فيروس الجدري، فإنني أعتقد أنه سيستخدمها بدقة وفاعلية. وأعتقد أن تطعيم الشعب أو حتى قسم منه سيوفر له الحماية" لكنه لم يوضح لماذا تحتفظ به امريكا اذا كانت لا تنوي استخدامه في الحرب ضد بلد ما. وطبقا لتقديرات الحكومة الامريكية فإنه في حالة وقوع هجوم بفيروس الجدري فإنه سيتعين وجود نحو 5ر1 مليون متطوع لتطعيم البلد بأكمله في غضون أسبوع. وأعمالا لخطة طوارئ مماثلة قامت إسرائيل حليف الولاياتالمتحدة في الدفع باتجاه الحرب والتي لن تتورع في استخدامه اذا استدعى الامر بتطعيم 500ر1 من العاملين في مجالات الصحة والانقاذ والدفاع. يذكر أن آخر حالة جدري معروفة في الولاياتالمتحدة كانت في عام 1949 وذلك حسبما يقول مركز الرقابة والوقاية من الامراض في اتلانتا بولاية جورجيا حيث تخزن عينات الفيروس. والجدري وباء عرف في القرن الثامن عشر في إنجلترا "بالشبح الارقط" وقد انتشر عبر آلاف السنين عن طريق القوافل والصليبيين والمستعمرين.وحصد أرواح الملايين وأنهك قوى الامبراطوريات المصرية واليونانية والرومانية القديمة وأصابها بالضعف والوهن. كان أول ظهور للمرض في الامريكيتين عن طريق الغزاة الاوروبيين وقتل معظم سكان البلاد الاصليين وذلك قبل وقت طويل من التحامهم واحتكاكهم بالغزاة المستعمرين القادمين عبر الاطلنطي. في مقالة للكلية الامريكية للاطباء عن الجدري ذكر أنه "عندما وصل الاسبان عام 1518 إلى المكسيك كان عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة.وبحلول عام 1620 تراجع هذا العدد إلى 6ر1 مليون نسمة". يقول خبراء الصحة أنه إذا عاود مرض الجدري الظهور في أيامنا هذه فإنه سيكون أقل خطورة، ويعود ذلك جزئيا إلى أن معظم الناس لديهم مقاومة متبقية عن عمليات التطعيم ضد الجدري التي ظلت قائمة في الولاياتالمتحدة حتى عام 1972. ومع ذلك يحذر مركز الرقابة ومنع الامراض من أنه ليس ثمة علاج لهذا المرض المعدي إلا الوقاية عن طريق التطعيم. ومن الناحية التاريخية، فإن أكثر أشكال المرض شيوعا واشدها قوة وهو فاريولا ميجور بلغ معدل الوفيات الناجم عنه نحو 30 في المائة من بين المصابين به. وبرغم هذا التهديد، فإن بوش لم يبت في قرار التطعيم إلا بعد شهور، لان مسئولي الصحة يشعرون بالقلق إزاء المخاطر المتصلة بتطعيم معظم سكان الولاياتالمتحدة وعددهم 280 مليون نسمة طواعية. ففي التطعيم التجريبي، سقط عدد كبير من المرضى بعد حصولهم على التطعيم عن طريق الوخز بالابر في الجلد خمسة عشر مرة. وتفاوتت الاعراض من الطفح الجلدي إلى تورم الاطراف وحتى الحمى. وتم تحذير الحوامل ومرضى السرطان وأولئك الذين يعانون من ضعف عام في الجهاز المناعي - مثل مرضى نقص المناعة المكتسبة الايدز - أخذ التطعيم وطلب منهم البقاء بعيدا عن الذين تم تطعيمهم. كذلك أضطر بوش للانتظار وعدم التحرك قدما في خطة التطعيم إلى ما بعد تمرير مشروع إنشاء وزارة للامن الداخلي والذي تم تمريره مؤخرا حيث اشتمل على بند يمنح شركات الادوية الحماية من المساءلة القانونية بالنسبة لعمليات التطعيم. فلقد كان ثمة ما يدعو شركات الادوية للخوف من الدعاوى القانونية. فالبيانات التاريخية تظهر أنه من بين كل مليون شخص تم تطعيمهم ضد الجدري، فإن ما يتراوح بين 15 إلى 50 عانوا من مضاعفات هددت حياتهم وأن واحد أو اثنين فقط قد لقوا حتفهم.