مغامرة النساء و حتى آخر امرأة مراوحة قلقة بين العاطفة والواجب، ورحلة شاقة بين "الحرملك" والحرية وبالعكس فالكثيرات ممن حققن أحلام الحرية والانطلاق عدن بعد التجربة إلى أحلام الأمهات والجدات حيث الأمومة فوق أي اعتبار دون أن يعني ذلك أن رحلة التمرد الأنثوى تقتصر في تجلياتها على رغبات الجسد وتوق الروح إلى الاستقرار بعد مخاصمة الغرائز. (أن المغامرة العقلية كما يعتقد الدكتور محيى الدين اللاذقانى في كتابه الجديد " الأنثى مصباح الكون" هي التي تحكم مسار حركات المرأة، وتعيد تشكيلها وفق الظروف الاقتصادية في كل حقبة من الحقب بحيث يمكن ربط أنثى الكهوف التي كانت تخرج للصيد والرعى والزراعة، وتملك قرار مصيرها المستقل بآخر صيحة لنساء الأعمال المتحررات المعاصرات اللواتي تحولن إلى ظاهرة ناجحة لإصرارهن على التحرر الاقتصادي أولاً، فلا حرية للمرأة كما ينص اللاذقانى في كتابه دون قطع حبل السرة مع الأب والزوج والمعيل (ولأن معظم الرموز المعاصرة للمرأة مبنية على تجربة تراثية وأسطورية خصبة اختار الدكتور اللاذقانى أن يبدأ كتابه المثير بفصل عن " تجليات الأنوثة الأسطورية" جال فيه بين الشرق والغرب وربط رموز عشتار وإيزيس وإنانا، بالأساطير الصينية التي كانت تحتقر المرأة وتسميها المياه المؤلمة لأنها تغسل السعادة والمال في كل بيت تدخله دون أن ينسى طبعاً التعريج على دليلة وعدد آخر من تجارب النساء الشرقيات اللواتي تجدهن بكثافة في فصل "طيوف نسائية من التراث العربي" حيث تجربة نساء الطبقة الوسطى والجوارى، ونساء الطبقة العليا اللواتي يقتل الترف عندهن كل المغامرات العقلية المؤدية للتحرر، ويظل الجسد هو المساحة المتاحة للتعرف على العالم بعقل ودونه . وكان الدكتور اللاذقانى الذي جمع مجد الأدب إلى الإعلام قد لخص في مقدمة كتابه الجديد سر اهتمامه بفضاء الأنوثة الذي علمه الحب والايثار والحنان والتمرد الحقيقي وكرد اعتبار واعتراف بالجميل قال الكاتب في مقدمته:" في ذلك الفضاء الذي عشقته طفلاً وزاد تعلقي به كهلاً حاولت أن أرد الجميل للنساء الرائعات بوضع قلمي في خدمة معركتهن النبيلة ضد القبح والزيف والتوحش الذي يفرغ ظلماً وعنفاً وعنصرية". "ويرصد اللاذقانى الأوديسة النسائية بين الحرية والحرملك" من خلال الفكر والتاريخ والاقتصاد والفنون السينمائية والمسرحية ويقف وقفة طويلة مع الإبداع النسائي، العربي في فصل " روايات وروائيات" الذي يتعرض فيه لأجمل روايات غادة السمان "أيام الحب والياسمين" وعن الروايات النسائية المسيسة. وكان المؤلف في فصل حمل عنوان " أحلامهن بأقلامهن" قد درس أعمال الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسى التي يراها ظاهرة مشرفة للعقل العربي المذكر والمؤنث امتلكت الجرأة على نقد رحلة تطورها الفكري قبل أن تعمل مبضعها لتعرية زيف المجتمع العربي والعقد التحكمية في المجتمعات الإسلامية وقد استخدم الناقد كتاب طفولتها في فاس عن أحلام النساء لتقديم تشريح غنى مخيلة الحرملك في الذهن العربي. أما لماذا المرأة مصباح الكون فان المؤلف يقول في شرح عنوان " كتابه: لعله ليس من قبيل المغالاة أن يقال أن الأنثى مصباح الكون وهي كذلك فعلاً، ودورها كمصدر دائم للإشعاع كأم وحبيبة وزوجة وأخت من البديهيات المستقرة في الوجدان ومن الأدوار التي يصعب مهما تمادى الظلم تجريدها منها أو سلبها اياها لأن الأنثى بالفعل نبع نور وتنوير وقوة محرضة للتغيير وبعد مداعبات تراثية عن الجواري اللواتي يتحكمن بأسيادهن يقدم اللاذقانى في واحد من أخطر فصول الكتاب "فضاء الأنوثة المسيسة" مجموعة قضايا جدالية عن الحقوق السياسية للنساء وأشكاليات حكم النون ويرفض أن يكون الإسلام هو سبب ابتعاد النساء عن الحكم، فشبه القارة الهندية مسلمة بالأغلبية ومع ذلك فقد حكمتها سابقا المرأة وفق التقاليد المرعية وعبر صناديق الاقتراع وبالأساليب كلها. وعن الكتب المعنية بتسييس المرأة يقدم الكاتب عدة نماذج ككتاب مقاومة لسهى بشارة العربية وكتاب قطعة من روحى لويني مانديلا التي كانت جزءاً من نضال نيلسون مانديلا السياسي قبل طلاقه، ومن الباحثات يقدم اللاذقانى رؤية هدى عبد الناصر للحركة الوطنية المصرية ما بين الاستقلال والثورة. ويقول اللاذقانى موضحاً أهدافه في الدفاع عن فضاء الأنوثة وقضية النساء أن الحفاوة النسبية بالنسوية العربية لا تعني الوقوع في مطب التملق المجاني للنساء العربيات فالذين أسرفوا في الأحتفاء بالكتابات النسائية وصلوا إلى نتيجة تشبه إلى حد ما نتائج الذين منعوا النساء من التنفس ففي الحالتين جرى تجريد المرأة من إنسانيتها وتم تضخيم سلبياتها أو إيجابياتها لإخراجها من شرطها الإنساني الذي يقتضي النظر إليها دون تنميط الأنثى وبأسلوب مبرأ من التزلف والقمع فأنسنة الأنثى أول خطوة في طريق فهم فضائها. ويحيي مؤلف كتاب "الأنثى مصباح الكون"، ما يسميه الثقافة الرحمية "حيث ينعكس دور الرحم " ورموزه على الكتابة أيضاًَ فيصف الكتابات الأصلية للنساء بالنعومة والخصوبة ووفرة الأسرار والألغاز. ومن الماضي إلى الحاضر يمد محيى الدين اللاذقانى شباك الفهم إلى الآتي فيفرد فصلاً عنوانه "عين على المستقبل يتعرض فيه لظواهر بدأت إرهاصاتها ولم تكتمل ومنها ظاهرة " نساء الرواية الخليجية حيث يتوقع الكاتب انفجاراً في الكتابة النسوية الخليجية بعد ربع قرن حين تزول الكوابح الاجتماعية بفعل الفضائيات ورحيل الجيل المسيطر الأول وعندها تتفجر الأسرار المكتومة في الصدور على شكل إبداع نسائي خصب يتوقع اللاذقانى أن يبلغ أوجه في الحقبة الثالثة من هذا الفرز. ولا يمكن لشاعر وعاشق كاللاذقانى أن يصدر كتاباً من هذا النوع الشامل عن المرأة دون أن يضمنه فصلاً عن العشق سماه في هذا الكتاب " غزل البنات" وفيه مادة غزيرة وطريفة عن المرأة حين تحب وحين تغار، وحين تستخدم أسلحة فتنتها دفاعاً عن آخر حصون الرومانسية في وجه الماديات الكاسحة. ولأمر يخدم أغراض التكامل اختار المؤلف أن يختم كتابه بالفصل الثاني عشر عن الأنوثة بعيون مذكرة حيث نقرأ عن مركزية " بيت الدمية" لابسن في تجربة تحرر المرأة الأوروبية وعن رسال كافكا إلى ميلينا وعن النساء التافهات في رواية الكاتب المجرى شاركدى إمره " الجبانة" وعن الشريرات مثل جالا زوجة سلفادور دالي وملهمة عدد من الشعراء والرسامين الكبار. ومن المنتظر أن يثير كتاب محيى الدين اللاذقانى كما هي العادة زوبعة من الجدل العميق، يقع كتاب "الأثنى مصباح الكون" عن أدويسة النساء بين الحرية والحرملك في 344 صفحة من القطع المتوسط وقد صدر في القاهرة عن دار مكتبة مدبولي، وقد أهداه الكاتب إلى حرفين " عين.....وعين" وفي إهدائه للسيدتين المجهولتين اللتين حرضتاه على إنجاز هذا الكتاب قال يخاطبهما: " بعينيكما رأيت الكون، وبأجنحة حبكما رفرفت روحي". أن كل قارئ لهذا الكتاب سترفرف روحه في مجاهل قصية للنفس البشرية وقد يرى الكون بصورة أفضل وأعمق بمساعدة تلك الشخصيات التي امتلكت الجرأة لتغامر جسدياً وروحياً وتعود من مغامراتها الحسية والعقلية بصيد وفير. د.محي الدين اللاذقاني