حضرت في الشهر الماضي احدى المحاضرات المتميزة التي تقيمها الجمعية السعودية لاقتصاديات الطاقة، وفاجأتني معلومة ذكرها المحاضر بأن سابك خلفت مؤسسة بترومين في مشاريعها الصناعية، ذلك لأن اسم بترومين، ارتبط في ذهني بزيوت التشحيم، ومصافي سمارك، فكانت فكرة هذا المقال وهو تلخيص قصة المؤسسة العامة للبترول والمعادن «بترومين» للذين لم يعاصروها مثلي، وإنما قد يعرفون بعض النواحي غير المترابطة عنها. أي قصة عن الصناعة في المملكة العربية السعودية لا بد أن تبدأ مع اكتشاف البترول، ففي عام (1933م) منحت شركة ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا (سوكال) امتيازاً من الحكومة السعودية؛ للتنقيب عن البترول، ومنحت سوكال امتيازها لشركة تابعة أسستها لهذا الغرض وسمتها كاسوك «CASOC»، والتي نجحت بدورها في اكتشاف البترول في عام (1938م)، وتوسعت هذه الشركة والتي عرفت لاحقاً في عام (1944م) باسم أرامكو، ودخلت في شراكتها ثلاث شركات بترول أمريكية أخرى، وهذه الشركات الأربع دمجت اليوم في شركتي إكسون-موبيل «ExxonMobil» و شيفرون «Chevron» الشهيرتين. عملت الحكومة السعودية على شراء حصص ملكية في حقوق امتياز وإنتاج ومرافق الزيت الخام في أرامكو بشكل تدريجي، وصل في عام (1980م) إلى 100%، وذلك بأثر رجعي من الناحية المالية يعود إلى عام (1976م). وفي عام (1984م) عين أول سعودي رئيساً لشركة أرامكو - وهو وزير البترول الرابع والحالي - علي النعيمي، وأعيد تأسيسها كشركة أرامكو السعودية في عام (1988م). ونتيجة لهذه التطورات تم إعادة النظر في دور مؤسسة بترومين في عام (1948م) عاد إلى وزارة المالية أول طالب مبتعث إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو عبدالله الطريقي، والذي حصل على شهادة الماجستير في الجيولوجيا من جامعة تكساس في مدينة أوستن، وأصبح مشرفاً على حسابات أرامكو فيها، ثم لاحقاً المدير العام لشؤون الزيت والمعادن. في عام (1960م) فصلت وزارة البترول والثروة المعدنية عن وزارة المالية، وأصبح بالتالي عبدالله الطريقي أول وزير سعودي للبترول، وتكونت لديه فكرة تأسيس شركة بترول لتكون البديل عن شركة أرامكو، وتتولى كل ما يتعلق بالصناعة في خارج مناطق امتياز أرامكو، من الاستكشاف، والتنقيب، وحتى الصناعات البتروكيماوية والمعدنية. ولم تر هذه الفكرة النور إلا في عام (1962م) في عهد ثاني وزير بترول أحمد زكي يماني، وتم تأسيس المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، وكانت مسؤولة عن كل ما يتعلق بالصناعة في المملكة، باستثناء أعمال أرامكو، وكان أحد أهداف هذه المؤسسة أن تتسلم فيما بعد حقوق الامتياز في المملكة من شركة أرامكو، وعملت مؤسسة بترومين على إنجاز عدد من المشاريع المشتركة الضخمة مع عدد من الشركات الصناعية العالمية، لكن إدارتها واجهت صعوبات وتحديات لأسباب عديدة، منها: حداثة التجربة، ونقص الخبرات، ونظرا للأهمية الاستراتيجية للتنمية الصناعية، قررت اللجنة العليا للإصلاح الإداري في عام (1975م) تحويل المشاريع الصناعية البتروكيماوية والمعدنية إلى وزارة الصناعة والكهرباء الجديدة، والتي كان أول وزير لها الدكتور غازي القصيبي، مع احتفاظ بترومين بمشاريع المصافي. وأنشأت وزارة الصناعة والكهرباء شركة سابك في عام (1976م) لتتولى المشاريع الضخمة التي أثبتت -بعد إعادة الدراسات- جدواها الاقتصادية، وكانت فلسفتها تقوم على إعطاء المسئولية بشكل كامل للشباب السعودي العامل، وأنشأت الهيئة الملكية للجبيل وينبع لدعم الصناعة وتوفير البنية التحتية الضرورية لقيامها، وترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - الأمير فهد آنذاك - شخصياً وكان نائبه أول وزير للتخطيط - وثالث وزير بترول لاحقاً - هشام ناظر. وعملت الحكومة السعودية على شراء حصص ملكية في حقوق امتياز وإنتاج ومرافق الزيت الخام في أرامكو بشكل تدريجي، وصل في عام (1980م) إلى 100%، وذلك بأثر رجعي من الناحية المالية يعود إلى عام (1976م). وفي عام (1984م) عين أول سعودي رئيساً لشركة أرامكو - وهو وزير البترول الرابع والحالي - علي النعيمي، وأعيد تأسيسها كشركة أرامكو السعودية في عام (1988م). ونتيجة لهذه التطورات تم إعادة النظر في دور مؤسسة بترومين، وتم إعادة هيكلتها عن طريق إنشاء شركة تابعة لها باسم سمارك للمصافي والتسويق، وشركتي لوبريف وبترولوب لزيوت التشحيم. وبعد التجربة الناجحة في تملك أرامكو، ولتحويلها إلى شركة بترول متكاملة، صدر في عام (1993م) قرار دمج أعمال ومرافق سمارك في أرامكو السعودية، وحولت حصة ملكية وزارة البترول في شركتي بترولوب - والتي تعرف بشركة بترومين اليوم - ولوبريف أيضاً إلى أرامكو السعودية. وفي عام (1997م) أنشئت شركة معادن؛ لتتسلم ما تبقى لدى بترومين من مشاريع التعدين. وأخيراً، أعلن حل مؤسسة بترومين وضمها بالكامل إلى أرامكو السعودية في عام (2005م). كل هذا تاريخ مضى، بما له وما عليه، وفيه دروس عديدة ومهمة، وكلي أمل أن أكتب مقالاً في المستقبل يتحدث عن نجاحنا في التحول إلى اقتصاد مستدام، عن طريق تنويع قاعدتنا الصناعية. تويتر @AlQurtas