صدام لا يتعلم شيئا من كل تجارب الماضي ولا يتعظ من الكوارث التي سببها للعراق والكويت والمنطقة عموما. وها هو الطاغية يقول للعالم مجددا انه لم ولن يتغير، ويقنع كل من لم يقتنع بعد, انه خطر داهم على جيرانه ومحيطه، ويؤكد لكل من لم يتأكد انه قنبلة موقوته تهدد السلام العالمي. المنطق والعقل يقولان انه كان عليه ان يعتذر للشعب الكويتي عما اقترفته يداه، ويعلن التزامه التام بالقرارات الدولية، ويبادر الى اطلاق الاسرى، ولكن الطبع العدواني يغلب اي تطبع زائف فظهر مجددا بوجهه العدواني المقيت، فلم يعتذر عن الغزو، وكلمة الاعتذار اليتيمة الواردة في خطابه تكشف نوايا العدوان، لأنها تبرر كل اسباب غزوه الغاشم للكويت، ثم يشدد ويكرر ان هذه الاسباب قائمة الان، ويتواصل مع جماعة (القاعدة) الارهابية باعلان دعمه لكل من سماهم انهم يجاهدون ضد المحتل المزعوم. لقد اختار صدام العودة الى تبرير الغزو والدفاع عن كل الاسباب والمسوغات التي تلطى وراءها، في تهديد سافر للكويت، واعادة اجواء ما قبل الغزو، وتحديدا اجواء خطابه في يوليو 1990. لقد بنى صدام خطابه على التفريق بين الشعب والحكم في الكويت، وهذا كان اول الاخطاء التي قادته الى ارتكاب خطيئة الغزو الكبرى، وسببها الاساسي انه دائما يقرأ الاحداث خطأ فيتوهم أن الكويتيين - مهما اختلفوا وتباينت اراؤهم - يمكن ان يثوروا على حكمهم، فتقوده هذه الاوهام الى القرار الخطأ، وبالتالي فانه لم يفقه، بعد كل هذه السنوات عمق التلاحم بين الحكم والشعب في الكويت ولم يعرف حقيقة الشعب الكويتي المتعلق بحكمه وقيادته. ان من يعتذر لا يبرر عدوانا سابقا ويمهد لعدوان لاحق، ويظهر الرغبة في اثارة القلاقل في الكويت بتسميته المخربين (مجاهدين) ويعتبر تحريضه للناس عملا وطنيا. ويؤكد صدام في خطابه الجديد انه خطر على الكويتوالعراق والمحيط ويجزم باقواله وافعاله انه لا يمكن التخلص من الويلات والكوارث واسلحة الدمار الشامل الا بالتخلص من نظامه. ان هذا الخطاب يجب ان يقطع الشك باليقين بان هذا النوع من الانظمة غير قابل للاصلاح او التجميل او التحييد، ويؤكد بالتالي، ان كل من يعارض او يتردد في تأييد التخلص من النظام العراقي، وتحرير الشعب العراقي، انما يقف ضد السلام والامن في المنطقة والعالم. علينا الا ننساق دائما وراء اي وهم بان صدام يمكن ان يكون غير صدام الذي عرفناه وخبرناه، وها هو يؤكد لنا انه لا طبنا ولا غدا الشر، حتى تحين ساعة نظامه، فيعم الامن والسلام العراق والمنطقة.