كان مصطلح التفوق العلمي وتكريم المتفوقين أحد خصائص التربية إبان ازدهار الحضارة عند المسلمين، وكان ظاهرة بارزة في المجتمعات العربية والاسلامية. وبعد تقهقر المسلمين وذبول حضارتهم وخاصة في عهد العثمانيين. اختفى هذا المصطلح التربوي ولم يعد الناس يحفلون به وكانت شبة الجزيرة العربية في غاية التخلف لبعدها عن عواصم الدول الحاكمة لها. وبعد أن قام كيان المملكة الحديث على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بدأ هذا المصطلح يبرز من جديد وكان الملك يزور المدارس الأهلية في الحجاز والأحساء ويمنح الجوائز والهدايا للمتفوقين من تلامذتها رغم الظروف المالية حينذاك ويعد افتتاح المدارس الحكومية من قبل مديرية المعارف العامة تكريما للناجحين في حفلات عامة بداية جيدة لتكريس هذا المصطلح وتنامي مصطلح التفوق العلمي بعد أنشاء وزارة المعارف وبرز اهتمام أكبر بهذا المصطلح الجليل القدر الذي يعد من أهم عوامل الحفز ووسائل التشجيع للطلبة. وكلما تم تكريم الطلبة الناجحين والمتفوقين أمام أكبر عدد من الحضور كلما سرت موجة من الطموح والتحفز والحماسة ليس عند الآباء والأمهات للعناية بأولادهم فحسب بل في نفوس بعض الطلبة الذين لا يكترثون بالمثابرة والاجتهاد في التحصيل العلمي، فحينما يرون الطلبة الناجحين المتفوقين يتم تكريمهم على مشهد من الناس، فانهم سوف يتحمسون لكي يكونوا أمثالهم وفي المنطقة الشرقية من المملكة ظهر مصطلح التفوق العلمي والاحتفاء بالمتفوقين ليدخل أدبيات التربية والتعليم وليتغلغل في أوساط المجتمع وذلك حينما أعلن صاحب السموالملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية تخصيص جائزة للمتفوقين في جميع مؤسسات التعليمم من الابتدائية حتى درجة الدكتوراه في كافة التخصصات سنة 1406ه وإقامة حفلي تكريم للطلاب والطالبات فكانت هذه الجائزة بمثابة بعث جديد لهذا المصطلح التربوي (التفوق العلمي) واستشعره أمراء المناطق وأولياء أمور الطلبة والإدارات التعليمية. وما لبث أن صار الاحتفاء بالمتفوقين ظاهرة بارزة في فعاليات النهضة التعليمية في المملكة على المستوى الرسمي وعلى مستوى كل منطقة وكل محافظة وتحفل الصحافة المحلية بأخبار تكريم المتفوقين. وبرز وعي أسري بأهمية تكريم الناجحين ومنح جوائز للمتفوقين وتسابقت بعض الأسر بإقامة حفلات لتكريم أبنائها وبناتها. فاسرة (آل بو خمسين) في الأحساء اعتادت أن تقيم حفلات تكريم لأبناء وبنات الأسرة الناجحين والمتفوقين منذ أكثر من خمس عشرة سنة ومنح جائزة باسم الشيخ باقر بوخمسين للمتفوقين. وأسرة (آل مهيدب) في الشرقيةوالرياض بدأت منذ ثلاث سنوات الاحتفاء بأبنائها وبناتها ليس على مستوى الأسرة الصغيرة الواحدة بل على مستوى جميع أسر آل مهيدب وأقاربهم، تحت رعاية شخصية رسمية مرموقة ولقد دعيت إلى مهرجان المتفوقين من هذه الأسرة بمدينة الرياض وكان تحت رعاية معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم الذي ألقى كلمة قيمة تتناسب مع أهداف جائزة (عبدالقادر المهيدب) للتفوق العلمي. ولقد شعرت بالفخر والاعتزاز بالوعي التربوي الذي أدى إلى تأسيس جائزة باسم عميد الأسرة سواء في أسرة آل بوخمسين أو أسرة آل مهيدب. وفي قاعة الاحتفال لأسرة المهيدب تقاطر الأبناء بدءا بخريجي الدراسات العليا وأنتهاء بأول صف في المرحلة الابتدائية ثم وزعت الجوائز على المتفوقين وكان الحضور من المثقفين ورجال الأعمال ورجال أسرة آل مهيدب يشكل تظاهرة ثقافية وقد أخبرني أحدهم بأن هناك حفلا آخر للبنات في الليلة القادمة وقد قامت لجنة الاحتفال بإعداد دليل بأسماء المتفوقين لكنه يحتاج إلى تطوير ولو تأملنا هذه الجائزة بأهدافها وفعالياتها لأمكننا أن نؤكد على أن جميع أبناء وبنات ورجال ونساء هذه الأسرة يعيشون فرحة غامرة وسعادة مستمرة وهم يكرمون المتفوقين من الأبناء والبنات ويتداولون في مجالسهم الخاصة أسماءهم ويحثون أنفسهم وذويهم على بذل المزيد من العناية وذكر لي أحد أبناء الشيخ عبدالقادر المهيدب بأن نتائج هذه الجائزة كانت إيجابية جداً حيث تضاعف عدد المتفوقين والمتفوقات من أبنائهم وبناتهم في السنة الثالثة من عمر الجائزة اربعة أضعاف عددهم في السنة الأولى ويعكس هذا التطور الأثر الإيجابي لهذه الجائزة، الذي اتضح في نفوس الشباب والكبار والمدعوين الحاضرين في الحفل. ومن الأمور المؤكدة أن الحفز والتشجيع ينمي الدافعية لدى الطلبة لبذل مزيد من الاجتهاد في طلب العلم وأنني أبارك لكل الأسر التي تقيم حفلات تكريمية لأبنائها وبناتها المتفوقين والناجحين بشكل عام، وأدعو الأسر الأخرى في المملكة عامة والاحساء والمنطقة الشرقية بصفة خاصة إلى إقامة حفلات الاحتفاء بالناجحين ومنح الجوائز للمتفوقين في إطار برنامج احتفالي تتخلله خطب وتصائد لراعي الحفل ولأصحاب الجائزة والأبناء على أن تكون الجائزة باسم عميد الاسرة كالنماذج التي ذكرتها. ولكي تكون الجائزة ومهرجانها الاحتفالي بأبناء وبنات الأسرة الذين حققوا تميزاً أكثر فعالية في تحقيق أهدافها فإنني أقترح * أن تتم إقامة المهرجان في الفصل الأول من العام الدراسي حيث يكرم الناجحون والمتفوقون في العام السابق. * أن يكون المهرجان على مستوى الأسرة الكبيرة أو البلدة الصغيرة وأن يقام حفل للرجال وآخر للنساء سواء في مجلس الأسرة كما هو حاصل في الاحساء حيث أنشأت كل أسرة مبنى خاصاً لأفراحها وأتراحها وهذا المجلس من شأنه تخفيف التكلفة المالية على الأسرة الكبيرة لإقامة مهرجان التفوق العلمي لأبنائها. * أن تتم طباعة دليل للناجحين والمتفوقين من الجنسين وتوثيق معلومات مختصرة عنهم مع التعريف بوالد الطالب وأسرته الصغيرة مع ذكر الدرجات العلمية ويتم توزيعه على افراد الأسرة وعلى الحضور. * أن يكون راعي الحفل ذا مكانة اجتماعية سواء من الأسرة ذاتها أم من ذوي المراكز الهامة في المدينة أو المحافظة. * يجدر بالذكر أن أسرة الملحم وهي أحدى الأسر الكثيرة العدد المشهورة في الاحساء اعتادت إقامة مهرجان سنوي لأبنائها وبناتها الناجحين والخريجين كل عام كما حدثني بذلك أحد رموزها من ذوي الثقافة العالية والحقيقة أن في إقامة المهرجان باسم كامل الأسرة الكبيرة من شأنه تعزيز صلة الأرحام وتحقيق التواصل الثقافي بين أفرادها وبين الأسر المنضوية تحت الأسرة الكبيرة. فضلاً عن تحقيق الأهداف التربوية والثقافية. وإذا لم يكن حجم الاسرة كبيراً فلا يعفيها من تكريم أبنائها وبناتها الناجحين كل عام.