أكد السفير البريطاني لدى المملكة دريكك لا مبلى أن محاربة الإرهاب لا تستهدف الإسلام بدليل أن هناك إرهاباً في أمريكا اللاتينية وإيرلندا الشمالية وغيرها، ويجب تجنب تعريف المشكلة كمواجهة بين الإسلام والغرب. وقال في حوار مع ( اليوم) ان العلاقات التجارية والاستثمارية بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية قوية مشيراً إلى أن الإحصائيات تبين أن التبادل التجاري بلغ ثمانية بلايين دولار، وهناك استثمارات بريطانية كثيرة في المملكة تقدر قيمتها بحوالي 3.5 بليون دولار وبخاصة في المنطقة الشرقية. وفيما يتعلق بموقف بلاده من القرار الأمريكي بجعل القدس عاصمة لإسرائيل أكد أن موقف بريطانيا مختلف مشيراً إلى أن القدس موضوع للتفاوض في مباحثات الحل النهائي للخلاف الفلسطيني الإسرائيلي مؤكداً سعى بلاده إلى إيجاد سلام شامل ودائم. كما تحدث السفير حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية فكان هذا الحوار:- @ ( اليوم): بريطانيا تقوم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى عديد من دول العالم بمكافحة الإرهاب، لكن يلاحظ سعادة السفير أن هذه الحملة أصبحت تستهدف المسلمين تحديداً أينما كانوا، ما تعليقكم؟ * ( السفير): بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، لما عندها بدأ موضوع مكافحة الإرهاب يشغل بال المفكرين والمعلقين، كان أول من يقول أنه يجب تجنب تعريف المشكلة كمواجهة بين الإسلام والغرب هو رئيس الوزراء البريطاني، ولا تزال هذه رسالتنا حتى الوقت الحاضر. ونحن لدينا مشاكل مع الإرهاب ليست فقط منبثقة عن الدول الإسلامية، وإنما في أمريكا اللاتينية، كذلك كان لدينا خبرة صعبة جداً في إيرلندا الشمالية. ولكن الواقع يبين أن الحوادث الأخيرة وللأسف في بالي وموسكو وأمريكا اللاتينية قام بها متطرفون كانوا يبدون حركات متطرفة داخل العالم الإسلامي. وأوضح أن هذا لا يعني وجود مواجهة بين الإسلام والغرب، فالإرهابي هو إرهابي مهما كانت خلفيته الدينية. @( اليوم): التوافق السياسي السعودي البريطاني كيف تصفه، وإلى أي مدى حقق هذا التوافق النتائج المتوقعة على المستوى الدولي؟ -( السفير): المشاورات مستمرة بيني وبين المسئولين هنا في المملكة، وطبعاً وزير الخارجية سمو الأمير سعود الفيصل كان في بريطانيا في سبتمبر الماضي لإكمال هذه المشاورات في موضوع القضايا الراهنة. واعتقد أن الأساس نحن متفقون عليه. @( اليوم): سجلت الشركات البريطانية حضوراً مميزاً في السنوات الأخيرة في المملكة وفي المنطقة الشرقية بصفة خاصة.. هل تأثرت عقودها بعد الحادي عشر من سبتمبر؟ وما حجم التعاقدات هذا العام ومدى الإقبال على السلع البريطانية الاستهلاكية والمعمرة في السوق السعودية؟ -( السفير): معك الحق في أن العلاقات التجارية والاستثمارية قوية بيننا، وحسب معلوماتي ليس هناك أي تأثير واضح للأهداف السياسية على الصادرات البريطانية للمملكة. وآخر الإحصائيات لدي تبين أنها كما كانت في السابق ويجوز أن تكون قلت عن السابق بنسبة 3%، ولكن اعتقد أن الإحصائيات تدل على أن المستوى في آخر العام سيكون نفس الشيء. وبالنسبة للتبادل التجاري من خدمات وسلع بين البلدين في العام الماضي بلغت قيمته ثمانية بلايين دولار تقريباً، أما ما يخص الاستثمارات فهناك استثمارات بريطانية كثيرة في المملكة تقدر قيمتها بحوالي 3.5 بليون دولار، ويمكن القول أن النصيب الأكبر منها يتواجد في المنطقة الشرقية بالمملكة. @ ( اليوم): أين الشركات البريطانية من سوق الاستثمار في المملكة الذي تتسابق عليه العديد من الشركات الأجنبية؟ وما التسهيلات التي تقدمها المملكة المتحدة للمستثمرين السعوديين؟ وبكم تقدر رؤوس الأموال السعودية في بريطانيا؟ -( السفير): طبعاً لكي تستثمر أي استثمار كبير في دولة ما، لابد من وجود دراسات ومباحثات في أي مجال كان، ومشروع التوازن الاقتصادي لدينا في بريطانيا يشجع الشركات البريطانية على أن تستثمر بالسعودية كجزء من برنامج التوازن الاقتصادي. وهناك أكثر من مائة مشروع مشترك بين بريطانيا والسعودية في كثير من المجالات، والشركات شل، رولز رويز، أميك وغيرها من الشركات البريطانية الكبرى موجودة بشكل أو بآخر في المملكة. أما فيما يتعلق برؤوس الأموال السعودية في بريطانيا فليس لدي إحصائيات لذلك، ولكن أعرف بعض الحالات الفردية للاستثمارات الكبيرة سواء لشركة سعودية أو شخص سعودي يستثمرون في شركة بريطانية، وهذا نرحب به دائماً وهو موجود. ومن مسؤوليات السفارة هنا أن تشجع الاستثمار في بريطانيا، حيث لدينا خبرة في هذا المجال فبريطانيا أكثر دولة ناجحة تقريباً في كسب الاستثمار من الخارج إلى بريطانيا، كما أنها ثاني أكبر دولة في العالم تستثمر في الخارج. ونحن نؤمن بقيمة الاستثمار الأجنبي بالنسبة للدولة المستضيفة للاستثمار والدولة التي تأتي منها الاستثمارات، حيث يساعد ذلك في الكفاءة الاقتصادية وتحقيق الفائدة للجميع. ولهذا كان لنا تعاون كبير في هذا المجال مع الهيئة السعودية للاستثمار. @ ( اليوم): ماهو نصيب السياحة والمؤسسات التعليمية البريطانية من إحجام السياح والطلاب العرب عامة والسعوديين خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر عن التوجه إلى أمريكا؟ -( السفير): عدد الطلاب السعوديين الوافدين إلى بريطانيا هذه السنة للدراسة في الجامعات البريطانية ازداد عن العام الماضي بكثير، ونحن نشجع هذا، ومجلس الثقافة البريطاني في الرياضوجدة والمنطقة الشرقية يمثل همزة وصل للطالب السعودي الذي يرغب بالدراسة في بريطانيا. كما أننا ندرس في الوقت الحاضر وسائل تسهيل من الناحية التعليمية لحضور الطالب لبريطانيا.. كذلك هناك مشروع لدكتوراه جديدة توافق مجال السوق السعودي، لأن هناك من يفضل النظام الأمريكي في هذا. أما بالنسبة للسياح فالعدد هذا العام قل عن العام الماضي ولكن ليس كثيراً، وإجراءات السفر إلى بريطانيا لا تزال كما كانت، وهدفنا منح التأشيرة خلال أربع وعشرين ساعة، ولكن هناك احتراسا (فالواحد لا يضمن كل شيء). @ ( اليوم):بكم يقدر حجم المنتجات السعودية غير النفطية في السوق البريطانية؟ -( السفير):آخر الإحصاءات لدي للعام الماضي توضح أننا استوردنا سلعاً وبخاصة بمجال البترو كيماويات ( وباستثناء النفط باعتبار أننا دولة منتجة للنفط) بما قيمته بليون وأربعمائة مليون دولار. والمملكة المتحدة استوردت سلعاً قيمتها تعتبر مرتين من القيمة التي تستورد بها فرنسا وإيطاليا وهولندا مجتمعه من السعودية، لذا تعد المملكة المتحدة أكبر مستورد للسلع السعودية في أوروبا. @ ( اليوم): بريطانيا لديها مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه الفلسطينيين وفلسطين، فلماذا لا تتخذ موقفاً عملياً حازماً من الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه ضد الفلسطينيين؟ -( السفير): أعتقد أن المجتمع الدولي ككل لابد أن يتخذ موقفاً تجاه هذا الموضوع، ودولة واحدة لا تستطيع عمل ذلك. وبريطانيا تتحرك داخل الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص لموقف أوروبي موحد، أيضاً في مجلس الأمن القرارات الأخيرة الصادرة لما كان هناك حصار في رام الله مثلاً كانت من الوفد البريطاني. ورئيس الوزراء في مؤتمر الحزب الحاكم المنعقد منذ شهر أتخذ موقفاً واضحا وصريحا بالنسبة للقضية الفلسطينية وهو ضرورة إنشاء الدولة الفلسطينية والبداية من جديد لمباحثات الحل النهائي. كذلك المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الأمن على إسرائيل والوضع في فلسطين كما هي تطبق على العراق للأسف. وتوني بلير بالذات مهتم ويريد بأي طريقة دفع هذه القضية إلى الإمام وحلها، ولكن كما تعلم هناك صعوبات واضحة. @ ( اليوم): هل تؤيدون القرار الأمريكي بجعل القدس عاصمة لإسرائيل؟ وما رأي الحكومة البريطانية؟ -( السفير): نحن موقفنا مختلف، نرى أن القدس موضوع للتفاوض في مباحثات عند الحل النهائي للخلاف الفلسطيني الإسرائيلي وحتى يصلوا إلى اتفاقية بخصوص مستقبل القدس. والوضع في المدينة غير مقر دولياً أو شرعياً، وهذا في الواقع من سوء الحال. وموقفنا من عام 48 والوضع لم يتغير، ونسعى إلى إنهاء المباحثات بين الطرفين بإيجاد سلام عادل ودائم، ونحن نعمل في هذا دائماً من خلال قضية القدس واللاجئين والحدود. والحل هو إنشاء دولتين متجاورتين تعيشان مع بعض بسلام، وهذا هدف نشترك فيه مع المملكة العربية السعودية من خلال مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز المطروحة في أوائل هذا العام. @ ( اليوم): رئيس الوزراء توني بلير ووزير الخارجية جاك استروا أعلنا منذ فترة قريبة ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن على إسرائيل مثلما تطبق على العراق.. هل هذه دعاية انتخابية لإسترضاء العرب أم موقف بريطاني جديد؟ وكيف يتم وضعه موضع التنفيذ؟ -( السفير): هو ليس موضوعا انتخابيا، وليس هناك انتخابات في بريطانيا حالياً، كما أنه ليس موقفاً سيكسب أصواتا في بريطانيا، ولكنه أتى من إيمان لرئيس الوزراء نفسه ووزير الخارجية. وطرق تطبيق قرارات مجلس الأمن تختلف حسب الوضع، ولكن في نفس الوقت هناك إطار للتفاوض ومجموعة الكتلة الرباعية تسعى لإنجاز المباحثات في هذا الإطار الذي يجب الاستمرار فيه، ولكن ليس من الممكن وجود مباحثات للابد من غير طريق نهائي وخطوات تتم لدعم الوضع في الأراضي المحتلة المؤسف والمحزن. لذلك نحن الأوروبيين والأمريكان نعمل على فكرة خريطة الطريق، والذي علقت عليه الحكومة السعودية من خلال مجلس الوزراء بدعمها للمساعي ولا يعني ذلك موافقتها على جميع التفاصيل. @ ( اليوم): هل تصوت بريطانيا مع تطبيق البند رقم سبعة ( استخدام القوة المسلحة) ضد إسرائيل لرفضها الانصياع لقرارات مجلس الأمن إذا ما طرح أمام مجلس الأمن؟ -( السفير): نحن نريد هذا عندما يكون في إطار مباحثات التفاوض تحت إشراف أوروبا وأمريكاوالأمم المتحدة وروسيا (الكتلة الرباعية)، إضافة إلى إمكانية التقدم بهذه الطريقة. وأنت طبعاً تقصد المقارنة مع العراق، والواقع أن القرارات بالنسبة للعراق تأتي لأنها مسحت الكويت من الخريطة عام 1990م، وفي إطار الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولمدة 12 عاما صدر أكثر من قرار جميعها تحت البند السابع، ولكن للأسف العراق لم ينفذها.. ولو نفذها لما استمرت العقوبة عليه 12 عام، ومجلس الأمن الآن يحاول أن يعالج هذا العجز. @ ( اليوم): من أين تستمد الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة من الدولة الغربية حق فرض مفهومها للقيم والثقافات على شعوب أخرى لها قيم وثقافات مختلفة؟ -( السفير): أعتقد أن قيمنا بالنسبة لقيمة الحياة واحترام الأديان وسيادة القانون هي قيم مشتركة بين الحضارات جميعها، وأنا لا أرى أمريكا أو أي دولة أخرى تحاول فرض قيم غريبة أو أي قيم أخرى على أي دولة، ومكافحة الإرهاب هو واجب دولي في أعتقادي. واعتقد أنكم تستنتجون ذلك من مقالات منشورة في الصحافة الأمريكية بالذات وترون أنها تعكس سياسة الحكومة، وأنا أقول هنا نيابة عن السفير الأمريكي انها موضوعات داخلية وأعتقد أنه سيوافقني في ذلك. @ ( اليوم): للبريطانيين علاقة قديمة مع الشعوب الإسلامية وأنتم حالياً في بلد مسلم كيف ترون الإسلام؟ وما الدور الذي تقومون به كدبلوماسيين تجاه الحملة المعادية للإسلام في بعض مراكز التأثير على اتخاذ القرار وفي بعض وسائل الإعلام البريطانية؟ -( السفير): نحن بلد متعدد الأديان ولدينا ثلاثة ملايين بريطاني مسلم، كما انه لدينا نواب مسلمون في البرلمان، وفي السفارة هنا لدينا موظفون مسلمون. وأود القول هنا ليس هناك خلاف بين الإسلام والغرب، فنحن نتعايش مع بعضنا البعض كما قلت لك، كما اننا لنا نفس الأهداف الإنسانية، وسياساتنا تعكس مصالحنا. كذلك أود ان أوضح أن أي انشقاق بين الإسلام والغرب سينعكس بالتالي سلباً على الجميع، لذا من مهمة السياسيين تجنب حدوث هذا الانشقاق خاصة في بريطانيا. والحكومة البريطانية لها الكثير من المبادرات في هذا المجال أولها كانت إنشاء أول بعثة حج رسمية من دولة غربية إلى المملكة. @ ( اليوم): أخيراً، وفيما يتعلق بالجانب الإعلامي، ماذا عن دوركم في السفارة للربط بين الإعلاميين البريطانيين والسعوديين وتقريب وجهات النظر بينهم؟ -( السفير): شكراً لك على السؤال، في الواقع هذا السؤال يهمني كثيراً، وأنا أشجع زيارة الإعلاميين السعوديين بمختلف مجالاتهم لبريطانيا، ويهمنا أن يكون هناك تواجد للصحفيين السعوديين في بريطانيا لتغطية الأحداث الهامة هناك. كما أشجع تدريب الصحفيين السعوديين في بريطانيا باعتبار وجود أقدم صحافة في العالم بها ( التايمز). أما بالنسبة للصحفيين البريطانيين فهناك زيارات لهم للمملكة منذ القدم، ولكنها ازدادت كثيراً في الفترة الحالية، حيث كان لهم لقاءات عديدة مع كثير من المسئولين ورجال الأعمال هنا أغلبها بتنسيق من السفارة. واعتقد أن العلاقات بين الصحافتين السعودية والبريطانية في حد ذاتها يمكن تساعد في علاج المشكلة التي طرحتها حضرتك بين ( الإسلام والغرب)، كما أن العكس ممكن أذا تعمقت المشكلة من خلال كتابة بعض المواضيع المستفزة.