ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي أن الشباب مرحلة ذهبية للعطاء والإنتاجية والإبداع, وبما أن مجتمعنا السعودي يوصف بأنه مجتمع شاب, فإن المتوقع أن يكون مجتمعنا متميزا بعطائه وإنتاجه وإبداعه, ولكن الملاحظ أن شريحة كبيرة من شباب مجتمعنا ليست كذلك, فبعضهم يعيشون حالة من الخوف والقلق من المستقبل, وبعضهم يعاني من الفوضى والاضطراب في حياته, وبعضهم تفترسه رغبات النفس وشهواتها, والنتيجة خسارة فادحة للوطن. عندما يولد الإنسان فإنه يكون كالعجين اللين الذي يمكن تشكيله بأي شكل, فإذا تلقى تربية أسرية تتيح له مجالا رحبا للتعبير عن آرائه وخلجات نفسه وإبداعات فكره بحرية وأريحية وزرع ثقة, فإن الأبواب تشرع أمامه للإبداع والاختراع, أما إذا قوبل بممارسات الرفض والاحتقار وخلخلة الثقة فقد أقيم سد أمام نجاحه وإبداعاته. فإذا تجاوز عقبة التربية الأسرية فإن المؤسسة التعليمية تلعب دورا كبيرا في تنمية قدراته وصقل مواهبه وتوجيهه نحو النجاح, فإذا استقبلته مؤسسة تعليمية ذات رسالة سامية وأهداف واضحة وطاقم إداري مؤهل وأساتذة نجباء وتجهيزات كاملة, فإنه يرتقي سلم البناء والنجاح بثقة واقتدار, أما إذا احتوته مؤسسة تعليمية بائسة في كوادرها وتجهيزاتها فقد أقيم أمامه سد ثان يحول دون تحقيق طموحه في الحياة. وفي تلك الفترة من حياته تلعب الآلة الإعلامية دورا خطيرا في استقراره النفسي والفكري, فإذا كانت المواد الإعلامية متناغمة مع تربية أسرية سليمة وتكوين علمي منهجي, فإن المجتمع سيكون على وشك قطف ثمار يانعة من عقل مبدع ونفس طموحة ويد عاملة, أما إذا كانت المادة الإعلامية تؤجج الشهوات وتثير الرغبات وتسطح الفكر فإن المجتمع سيكون على وشك حصد أشواك مؤذية من عقل سقيم ونفس مريضة ويد عاطلة. إن صياغة المجتمع تتحكم فيها ثلاثة عوامل أساسية: التربية الأسرية والمؤسسة التعليمية والآلة الإعلامية, فإذا قامت بأدوارها بصورة متناغمة أنتجت للوطن مواطنا صالحا وإنسانا فاعلا, أما إذا عملت بصورة متناقضة, يهدم أحدها ما يبنيه الآخر, أنتجت للوطن مواطنا فاسدا وإنسانا عاطلا, وقد قيل شعرا: متى يبلغ البنيان يوماً تمامه. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم. لقد حفظ لنا تاريخنا الإسلامي شخصيات مؤثرة على مستوى السياسة والقيادة والعلم والأدب والإبداع, كانوا شبابا, وماتوا شبابا, فلم يكن شبابهم عائقا أمام طبعهم بصمة في تاريخنا إلى هذا اليوم, منهم: الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز, وفاتح السند محمد بن القاسم الثقفي, وفاتح الأندلس طارق بن زياد, وصقر قريش عبدالرحمن الداخل, وإمام النحو سيبويه, وهارون الرشيد, والإمام الشافعي, وفاتح عمورية الخليفة المعتصم, وبديع الزمان الهمذاني, والإمام النووي, وفاتح القسطنطينية محمد الفاتح, والإمام الزركشي, وأبو القاسم الشابي, وغيرهم كثير, صنعوا أمجادهم شبابا, ومات أكثرهم شبابا, ولكنهم لم يغادروا الحياة إلا وأثرهم واضح وذكرهم ظاهر, كما قال الشاعر: ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم, على الهدى لمن استهدى أدلاء. وقدر كل امرئ ما كان يحسنه, وللرجال على الأفعال سيماء. فاظفر بعلم تعش حيا به أبدا, فالناس موتى وأهل العلم أحياء.