لقد حرر علماء العرب والمسلمين علم الكيمياء من التصوف والسحر والالغاز والتنجيم والطلاسم والخرافات والخداع الذي سيطر على تفكير الامم السابقة للامة الإسلامية. ولقد نجح علماء العرب والمسلمين في ان يجعلوا من علم الكيمياء علما تجريبيا يستند على التنقيب والاختبار والبحث عن الحقيقة التي لا تقبل تأويلا. لذا يمكن ان نقول ان علماء العرب والمسلمين هم الذين ارسوا دعائم علم الكيمياء بتجاربهم وابتكاراتهم العظيمة التي اعترف بها الاصدقاء والاعداء على حد سواء. يقول محمود الحاج قاسم محمد في كتابه الموجز لما اضافه العرب في الطب والعلوم المتعلقة به (لست مغاليا اذا قلت بان علم الكيمياء علم عربي اصيل وصنعه العرب المسلمون, اسسوا اركانه الحديثة بتجاربهم, ومستحضراتهم, وابتكاراتهم, وجعلوا منه علما قائما على التنقيب والبحث والاختبار, بعد ان كان مدعاة للنظريات الفاسدة, والخرافات ووسائل الغش والاحتيال عند من سبقوهم من الامم, واصبح للكيمياء بفضل وجودهم جلال العلم وعزته, يشهد على ذلك كثير من المنصفين من مؤرخي العلوم الغربيين امثال ديورانت وهولميارد وسارتون وباتنجين وغيرهم كثير). لقد استفاد علماء الغرب من انتاج علماء العرب والمسلمين في معظم العلوم التطبيقية والبحتة, ولكن علم الكيمياء كان له الريادة ويظهر ذلك من تهافت علماء الغرب على المدرسة الكيمياوية التي انشأها علماء العرب والمسلمين في الاندلس, فصارت هذه المدرسة المرموقة منهلا ينهل منها علماء الغرب علومهم في حقل علم الكيمياء. وبحكم نزعة علماء العرب والمسلمين العلمية واتجاههم الحثيث الى البحث والتدقيق والتجربة ازدهرت الكيمياء في عهدهم فقط في الاندلس, ولكن ايضا في مدن اخرى مثل بغداد ودمشق, وصقلية والقاهرة وغيرها. ويقول قدري حافظ طوقان في كتابه العلوم عند العرب والمسلمين (ويمكن القول بان للعرب اثرا كبيرا في تكوين مدرسة كيماوية تركت ابلغ الاثر في بلاد الغرب. وما كان هذا ليكون لولا تغيير جابر بن حيان وامثال جابر الاوضاع واقامة الكيمياء على التجربة والملاحظة والاستنتاج. ولم يقف العرب عند انتاج الاقدمين, ولم يتقيدوا بأرسطو او غيره من فلاسفة اليونان, ولكنهم خالفوهم في بعض النظريات والآراء, واتوا بنظريات وآراء اكثر ملاءمة للحقائق العلمية). وبحكم اصرار علماء العرب والمسلمين في حقل علم الكيمياء على التجربة والملاحظة والاستنتاج استطاعوا وبكل نجاح ان يضعوا وصفا علميا دقيقا كاملا لجميع التحضيرات الكيميائية, وابراز خطوات التغير فيها. وبهذا العلم الناجح اكتشفوا وبجدارة معالم اجزاء علم الكيمياء الهامة. لذا نجد ان علماء الغرب في مجال علم الكيمياء يعترفون وبصوت عال ان علم الكيمياء علم عربي. لانه لم يصبح علما حقيقيا بعيدا من الخرافات والخزعبلات الا بفضل جهود علماء العرب والمسلمين ونزعتهم العلمية الفعلية المبنية على القياس والاستنتاج والمشاهدة والاختبار في المختبرات.