طوال الليل لم أنم.. مرة توقظني ابنتي التي كانت تعاني مغصا شديدا وتارة أصوات طلقات الرصاص وقذائف المدفعية الإسرائيلية. في التاسعة صباحا أخذت ابنتي إلى مستشفي الكرامة للاطمئنان على حالتها الصحية ، كانت المفاجئة تنتظرنا ، حيث جاءت سيارة تحمل مصابا فلسطينيا ، الأشخاص الذين كانوا يحملون المصاب جميعهم ملطخون بالدماء ثيابهم كانت مغطاة بالدماء ، وعندما أنزلوه من السيارة اندفع الدم من عنقه باتجاه الحاضرين فأصاب ثوبي الأبيض بعض نقاط دم الشهيد . كانت الرصاصة قد أصابته في عنقه في الشريان الرئيسي ، من حملوه الي المستشفي قالوا أنه كان الشهيد عرفات قديح يعمل لتوصيل المياه إلى شتلة الطماطم التي كان يزرعها حيث كان دمه اسرع لتلك الشتلات.يقول الصحفي حاتم أبودقه لجريدة اليوم حيث شاهد الجريمة الصهيونية لحظة وقوعها لقد رويت شتلة الطماطم التي غرسها الشهيد عرفات بدمه لتصل دماؤه إليها قبل أن تصل قطرات المياه من شبكة الري التي كان يقوم بتمديدها عندما اغتالته رصاصة الاحتلال الحاقدة. ذهب الشهيد قديح وبقيت الأرض التي جبلت بدمه الطاهر شاهدة على جرائم الاحتلال الذي لم يتردد في قتل كل ما هو حي على الأرض الفلسطينية التي توارثتها الأجيال وأثبتت أنها لن تتخلى عن شبر منها، رغم كافة مؤامرات ومخططات قوات الاحتلال. وروى المزارع يوسف أبو طير والذي كان يعمل مع الشهيد تفاصيل الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائلية في عبسان الكبيرة.. كان يقوم هو وابنه بمساعدة الشهيد في أعمال الحفر لتمديد خط مياه لمزرعة والده التي تبعد نحو300 متر عن الخط الفاصل شرق خان يونس، وأنهم أكملوا أعمال الحفر وبقي علينا أن نجمع الأدوات التي كنا نستخدمها، حينها فوجئنا بإطلاق نار كثيف من الموقع العسكري، الذي أقامته قوات الاحتلال في بداية الانتفاضة على الخط الفاصل شرق المنطقة، فطلبت من الشباب على الفور الدخول إلى الحمام الزراعي حتى يتوقف إطلاق النار. وأضاف أبو طير وبعد خمس دقائق توقف إطلاق النار وحاول الشهيد الخروج فحاولت منعه، ولكنه أصر على الخروج وما هي إلا لحظات حتى سمعنا صوت إطلاق نار، فتيقنت حينها أن عرفات قد أصيب، فخرجت على الفور فوجدته مكبياً على وجهه ودمه ينزف، فحاولت أن أقدم له المساعدة ولكن إصابته كانت في الرأس، فنقلناه إلى مستشفى الكرامة في عبسان الكبيرة، ومن هناك إلى مستشفى ناصر في مدينة خان يونس، حيث استشهد وهو في الطريق إليها.يقول تامر قديح أحد أقرباء الشهيد، إن الشهيد ذهب فجراً مع والده إلى سوق الخضار في خانيونس لشراء بعض الخضراوات وتسويقها في رفح ليعود ببعض الشواكل، التي من شأنها أن تسد رمق أطفاله العشرة، مشيراً إلى أن الشهيد طلب من والده بعد أن أتم شراء كافة ما يلزمه أن لا يذهب معه إلى رفح لكي يتابع تمديد خط المياه لري المزرعة، وبالفعل ذهب إلى المزرعة ليسقط شهيداً هناك. لقد سألتني ابنتي التي أزعجني أن تري دماء الشهيد وهي تتدفق وكنت قلقا لأن ترى هذا المنظر المروع سؤالا : أبي هل له أولاد ؟ ماذا سيفعلون بعد موت أبيهم ؟.. ولكم اترك الإجابة عن تساؤلات ابنتي.