عاودتني ذكريات الأمس حينما صدر الأمر الملكي بافتتاح مدارس حكومية لتعليم البنات, واستقبلت طلائع الفتيات المتوثبات لطلب العلم في سنة 1380ه/ 1960م وتذكرت رغبة الناس وتأييدهم للقرار السديد. كما تذكرت موقف المعارضين من بعض طلبة العلم في الاحساء كغيرهم في بعض مناطق المملكة الذين كانوا يحرضون العامة ضد تعليم البنات. وكنت وبعض زملائي الشباب ونحن في سن دون العشرين من العمر نذهب الى المساجد لكي نحاور الإمام بأدب واحترام وتوقير في هذا المسجد او ذاك. ونذكرهم بقدسية العلم وانه فريضة على كل مسلم ذكرا كان أم أنثى. وبمجرد ان نبدأ بالسلام وقراءة بعض الآيات القرآنية المتضمنة فضل العلم, يقوم الآمام بتحريض المصلين بالقبض علينا وضربنا ولكننا نفر من وجوههم كالعصافير, تاركين أحذيتنا وهم يركضون وراءنا ويرموننا بالحجارة ولكن سرعان ما نختفي عنهم ونحن منهكون تعبا. @ كما كنا نقف على رصيف في سوق مدينة الهفوف حاملين برقية تأييد لجلالة الملك سعود رحمه الله ومباركين قراره السديد, وكنا نطلب من المارة التوقيع عليها اذا كان الواحد منهم مؤيدا, وفي دقائق امتلأت قوائم المؤيدين. وأجاب الملك عما جاء في البرقية ببرقية جوابية متضمنة شكره وتقديره لكل واحد. وكنا نقوم بتوزيع نسخ البرقية وكل نسخة تحمل اسم مؤيد ونسلمها لأصحابها الذين يطيرون مزهوين وفخورين ببرقية الملك لهم. @ وتذكرت حينما سافر وفد من المعارضين لتعليم البنات كغيرهم في بعض المناطق الى مدينة الرياض العاصمة ليطلب اقفال أول مدرسة ابتدائية حكومية لتعليم البنات في الاحساء. وأجابهم ولي العهد (فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله) بقوله فيما معناه: ان المدرسة تم فتحها وستظل مفتوحة لمن يرغب إلحاق ابنته بالدراسة فيها. @ لقد توافدت هذه الذكريات على خاطري وأنا اقرأ كتابا عن تعليم الفتاة في المنطقة عبر أربعة عقود من الزمن من ذلك اليوم الذي تذكرت فيه بفرحة الشعب السعودي المؤيد في غالبية ساحقة للقرار السديد الذي وقف التاريخ اجلالا لصانعيه. انه كتاب قامت بتأليفه الاستاذة فوزية عبدالله المهيزعي مديرة مكتب الإشراف التربوي للبنات بالخبر والتي سجلت الحقائق التاريخية والموضوعية عن تطور تعليم البنات بالمنطقة. @ عنوان الكتاب (تعليم الفتاة في المنطقة الشرقية.. شمولية النمو واستمرارية التطور).. وذلك بمناسبة مرور اربعين عاما على افتتاح أول مدرسة حكومية لتعليم البنات في عام 1380ه/ 1960م ولغاية عام 1421ه/2001م. لقد استأذنت مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية لتعليم البنات آنذاك فوجه اليها خطابا بالموافقة على قيامها بهذا الجهد العظيم. ولقد كان الأستاذ صالح عبدالعزيز التويجري الذي اخبرني بذلك يعتز بالاستاذة فوزية المهيزعي ومكتب الإشراف التربوي بمحافظة الخبر لجهود المشرفات البارزة. وكان من موقعه مديرا عاما لتعليم البنات سابقا بالشرقية يدعوني للمشاركة في بعض اللقاءات التربوية عن طريق الدائرة التلفزيونية. وقد أهدته الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود بمناسبة مرور عشرين عاما على توليه مقاليد الأمور والذي له إنجازات تربوية عظيمة منذ توليه أول وزارة للمعارف في سنة 1373ه/1953م. ولقد قالت المؤلفة في عبارات الاهداء: (الى من ترجمت إنجازاته وعيا مبكرا وحكمة راسخة وتخطيطا سليما فأصبحت النهضة التعليمية لؤلؤة في عقد الوطن الى رائد التعليم الأول خادم الحرمين الشريفين بمناسبة مرور عشرين عاما على توليه مقاليد الحكم). والكتاب يجيب عن تساؤلات العقل حول كل ما يتعلق بتعليم البنات بالشرقية وتطور اعداد المدارس وتكامل السلم التعليمي من مرحلة الروضة حتى المرحلة الثانوية وتطورت الإدارة المدرسية والإدارة العامة لتعليم البنات وتسجيل تاريخ افتتاح مندوبيات تعليم البنات في الشرقية والرواد الأوائل من المديرين والعاملين والمندوبين. والرائدات الأوائل اللاتي تولين مسؤولية التأسيس والنمو والتطور من معلمات ووكيلات ومديرات ومشرفات تربويات.. وتحدثت الأرقام عن النمو الكمي عبر أربعة عقود: @ يتحدث الباب الأول عن الرواد والرائدات. وتتصدر خطابات المسؤولين وتعريفهم بالكتاب وأهدافه. @ وفي الباب الثاني: (تعليم البنات في المملكة قبل إنشاء الإدارة العامة لتعليم البنات) حيث تحدثت المؤلفة فيه عن مدارس الكتاتيب والمدارس شبه المنظمة والمدارس الأهلية, والمدارس الأهلية الخمس عشرة التي كانت قائمة قبل تأسيس الإدارة. @ أما الباب الثالث (التعليم النظامي لتعليم البنات في المملكة) وتحدثت فيه عن المرسوم الملكي وبداية افتتاح المدارس الحكومية والأسس والضوابط التي حددتها وثيقة (السياسة التعليمية) ثم تناولت عرض العقبات التي واجهت التعليم الرسمي للمرأة السعودية ومنها مواقف المعارضين لتعليم المرأة السعودية. ولقد تواردت على الذكريات التي عرضتها للقارىء في مقدمة مقالتي حينما كنت اقرأ هذا الفصل. @ وفي الباب الرابع: (نظام تعليم البنات في المملكة وأنواعه) حيث اشتمل على تاريخ تطور مراحل التعليم من الروضة حتى الثانوية وغيرها من أنواع التعليم, والتعليم الأهلي. @ ويأتي الباب الخامس: (تعليم الفتاة في المنطقة) ليكون أول باب عن تعليم البنات في هذه المنطقة حيث تناولت المؤلفة فيه تعليم البنات بالمنطقة الشرقية قبل وبعد إنشاء الإدارة ووفرت الباحثة معلومات مفيدة جدا عن أوائل المعلمات والمساعدات والموظفات. @ أما الباب السادس فهو عن: (الأرقام التي تتحدث عن التطور الكمي والكيفي). @ أما الباب السابع فقد كان عن: (جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي). @ والباب الثامن عن: (جهود الجهات الحكومية الأخرى في مجال تعليم البنات بالاحساء). @ والباب التاسع: (عن أوسمة تفخر بها المنطقة الشرقية) وفيه تحدثت الأستاذة المهيزعي عن الخريجات اللائي حصلن على درجة الدكتوراه ويعملن في مؤسسات التعليم الجامعي بالشرقية. @ والباب العاشر عن: (التدريب ومركز الوسائل التعليمية). @ والباب الحادي عشر عن: (صدى الماضي وبريق المستقبل) ويشتمل على ملاحق الكتاب وبيانات الموضوعات والمصادر والمراجع والرسوم. وفي عرض أبواب الكتاب إيضاح موجز عن موضوعاته. والكتاب يعد انجازا فكريا تربويا تقدمه المؤلفة التي خدمت التعليم من موقعها كمشرفة تربوية ثم مديرة لمكتب الاشراف التربوي بمحافظة الخبر الذي تتوالى اسهاماته الفكرية والتربوية كل يوم. ولتسمح لي المؤلفة ان أبدي رأيي الشخصي حول هذا السفر النفيس كما يلي: @ تبنت المؤلفة استراتيجية: (أقل الكلام وأبلغ الدلالة) في عرضها للمعلومات التقريرية والأرقام الكمية حين مقارنتهما عن تطور تعليم البنات في المنطقة الشرقية ووفرت جهد القراءة على القارىء وسهلت عليه عملية الوصول الى مقصده. تنساب معلومات الكتاب التقريرية في لغة عربية زاهية بجمالها ومفرداتها ومضامينها, وبوضوح التعبير وبأسلوب رشيق وتوثيق علمي دقيق. لكن الكتاب لم يتطرق الى تطور التعليم الجامعي للبنات في الشرقية والتخصصات الجامعية. أسهمت (أرامكو السعودية) بجهود كبيرة في تمويل طباعة الكتاب والقيام بترجمته الى اللغة الانجليزية. فجاءت النسخة المترجمة لتسهم في مخاطبة القارىء الأجنبي وتقدم له الحقائق عن تطور المرأة السعودية تعليما وعلما وثقافة. وأوصي بتوزيع كميات من النسخة العربية على سفارات ومراكز بحوث الجامعات العربية والخليجية والصحافة العربية. كما أوصى بتوزيع كميات من النسخة الانجليزية من الكتاب على السفارات الإسلامية والغربية وعلى مراكز البحوث فيها ووسائل الإعلام في البلدان التي تتهم المرأة السعودية بالجهل والتخلف: ان الكتاب وثيقة عظيمة الدلالة على الواقع المتطور لتعليم البنات في المملكة. وسيسهم حين قراءته من قبل أولئك الذين ليس لديهم معلومات عن المرأة السعودية وتقدمها بمنحهم مصدرا يحمل في طياته الحقائق العلمية التي ترد على بعض وسائل الإعلام الغربية.